هذه قصتي …قصة قصيرة بقلم محمد كسبه


هذه قصتي ….قصة قصيرة بقلم محمد كسبه

جف نهر الإبداع ، ظللتُ أبحثُ عن فكرة جديدة ، تجولت في أروقة قصصي و أشعاري القديمة ، بين حنايا الذاكرة شغف يريد المزيد ، هناك فراغ ، مازالت الذاكرة تتسع ، فجأة قفز الخيال يريد السيطرة و الهيمنة على الواقع ليكون هو المحرك الأول للإبداع ، ما بين الذاكرة و الخيال دار صراع .
على الفور ظهرت الذاكرة كضوء خافت ، و في الظلام ظهر الماضي مد يده إليَّ و قال بصوت جميل : هنا كل ما تريد ، كل الأشياء الجميلة و المواقف التي تشتاق إليها ، الماضي له حنين لا ينتهي .
أنا : لكن الماضي لا يعود .
الماضي رد قائلا : الماضي موجود في كل وقت و في كل حين أنا حاضر معك في ذهنك ، و أسمعك جيدا حين تتحدث إلى نفسك أو إلى رفاقك ، دائما تذكرني و تستعيد ذكرياتك مع الأشخاص و الأماكن لتصنع حاضرا مشرفا و تتباهى بما قلت و بما فعلت في الماضي ، أنا أشرفك دائما و أنصفك على الآخرين .
أنا : لكن أيها الماضي ، أنت لست جميلا في كل الأحوال ، فهناك مواقف سيئة و أخرى حزينة ، حين أتذكرها أشعر بالسوء .
قال الماضي : يا صديقي الماضي عِبَر و دروس نتعلم منها ، لكي لا نكرر نفس الخطأ أنا مدرسة و أنت تعلمت منها ، و هذا وحده يكفي أن يُقوم سلوكك و يجعلك جميلا ، أما بالنسبة للذكريات الحزينة ، فالألم قد يكون بسببك أنت ، نتيجة تصرفك الخاطيء ، أو قد يكون قدرا ، من يستطيع في الدنيا أن يغير القدر ، لا أحد ، ألا ترى يا هذا أني مزيج من الألم و السعادة ، يا عزيزي الماضي حياة كاملة لا يمكن الهروب منها .
أنا : أنا لا أهرب و أعلم أنك أيها الماضي صادق و لا تتبدل و لا تتغير فأنت ماض ، و أنا أريد أن أكتب قصة جديدة قصة مختلفة ، عذرا سأحاول أن أعطي الفرصة للخيال .
نظر إليَّ الماضي بغضب و قال : من ليس له ماض ليس له مستقبل .
على الفور انتبه الخيال و ابتسم ابتسامة عريضة و قال تعالَ يا صديقي الجميل ، أنا الإلهام أنا الإبداع ، أنا استطيع أن أمنحك الكثير ، فقط عليك أن تحدد هدفك و اترك لي المجال كي أمنحك قصة مختلفة مثيرة ، هيا ابدا الآن ، فكر في الخيال و انس الماضي العقيم .
رد الماضي بغضب و قال : الماضي ليس عقيما أيها الخيال ، فلا يوجد شيء في الواقع إلا و له ماض ، أنا الأساس و أنت مجرد فكرة اتسعت و تعدت حدود الواقع و لا أحد يعلم أيها الخيال إن كنت صادقا أم كاذبا ، ثم إن كل ما تصنعه سيصبح بسرعة ماضي ، أنا الأقوى أنا المسيطر مهما فعلت ساحتويك لتصبح جزءا مني أيها الأحمق .
انزعج الخيال ورد سريعا : اصمت أيها الماضي البسيط ، أنا متجدد دائما و مبدع و ليس لديَ حدود أنا الخيال ، أنا أجتاز كل الحدود أنا أصل لعنان السماء و لأعماق البحار ، أما أنت يحدك الزمان و المكان .
بدأت الأصوات تتعالى و الصراع يحتد و كل منهم يريد أن يكون هو المسيطر على التفكير ، بسرعة ظهر الوهم و اصطحب الشك و القلق ، و كل منهم بدأ يثبت حضوره و دوره في كتابة القصة ، تشتت التفكير ، و كلما حاولت أن أكتب من جديد وجدت نفسي أفتش في الماضي فأجده ينظر إليَّ و يبتسم ، نظرت للخيال و قلت هيا انطلق فوقف متجمدا و قال : أنا لا انطلق وحدي عليك أن تحدد هدفك أولا كي أعرف الاتجاه .
ابتسمت للماضي و نظرت للخيال و قلت لا إبداع بدون ماضي فالماضي هو البذرة و الخيال هو الثمرة فلا ثمرة بدون بذرة ولا بذرة بدون ثمرة أنتما معا محور التفكير و الإبداع شكرا لكما هذه قصتي .