ليلة الزفاف قصة قصيرة ….تأليف : محمد كسبه
ليلة الزفاف قصة قصيرة ….تأليف : محمد كسبه
على كتف الليل أميل برأسي ، أنظر إليها ، تملأ عيني الدموع ، أتحسر على خيبات الزمان ، أتساءل أين اختفت الأضواء و الزينة ؟ لماذا تحولت الأعراس إلى مآتم ؟ هنا صراخ ، هنا بكاء ، هنا يتيم يتألم من شدة الجوع ، هناك ألسنة من النيران ، هناك أطلال و رماد ، من بعيد أراهم بوضوح أشباه الرجال ، ذوي الوجوه اللامعة و الثياب المعطرة الأنيقة ، يرتمون في أحضان أعدائنا و تتعالى ضحكاتهم على مائدة الحوار ، و نحن نعلم مسبقا نتائج المؤتمرات ، الاجتماعات و اللقاءات ، لا شيء ، كما يقولون تمخض الجبل فأنجب فأرا .
أَتَذْكُرُ أيها الليل حديثنا ، حين كنا نفترش الخيال و نبتسم .
ـ يا حلوتي مسائي أنتِ عطره و ربيعه .
ـ حبيبي أنت روحي و قلبي ملكته .
ما زلت أسمع صوتها ، ما زلت اتنفس عطرها ،
في ليلة غاب فيها القمر ، أرخى الليل سدوله و حل الظلام ، على الأطلال جلسنا نتسامر ، كل يوم قد تغيب عنا بعض الوجوه ، كنا نتقاسم بقايا ضحكات علها تريح نفسا ، أو تسد جوعا ، أو تشفي ألما ، في غزة المساء مخيف ، و النهار مرعب ، نمشي في الأسواق طوال اليوم نبحث عن شيء لنطعمه لذوينا فلا نجد .
بالأمس القريب أعطيتها معطفي ؛ رغم تساقط الأمطار و شدة البرد لم أشعر إلا برعشة مست قلبي فمنحته دفئا و حنانا ، تلك الابتسامة كانت كفيلة أن تزيح عني غبار الحزن و تسكن ألم الفقد و وجع الفراق ، كانت تمشي برفقتي على استحياء ، بريق وجنتيها أضاء لي الطريق , تحدثنا في مراسم الزفاف ، الأمور كلها بسيطة جدا ، لا تكاليف باهظة ، و لا قاعة احتفالات ، تلك الظروف القاسية لم تقهرنا ، لم تسرق منا الأمل ، لم تسرق الحب ، حجرتي المتواضعة في بقايا بيتنا المهدم كانت بالنسبة لها قصرا ، والدتي أعجبتها عروستي ، فهي تشبه أختي التي انتشلوا جثتها من تحت الأنقاض في الصيف الماضي .
الدموع تملأ عيني ، البرد يتسلل إلى أحشائي ، على قبرها أعطاني أحدهم معطفي و أخبرني أن الحي أبقي من الميت .
ابتسمت حين رأيتها مبتسمة قبل أن يواري جسمانها التراب ، عروس الجنة قتلها القناص الصهيوني في ليلة الزفاف .