قناديل الروح : هل بقي للإنسان سؤال …… مقال بقلم سمير إبراهيم زيّان


خرجتُ ذات مساء مثقلاً بما لا يُقال، تائهًا بين هموم الحياة وضجيج الداخل، فآثرت العزلة وجلستُ في المقهى المواجه لمنزلي، أبحث عن هدوءٍ مؤقّت أرتّب فيه ما تناثر من أفكاري، وأردّ على ما تراكم من رسائل، كأنني أرمّم نفسي بكوب شاي وصمتٍ خفيف.

لكن السكون لم يطل، فما لبث أن حضر أكثر من عشرة فتيان لا يبدو أن أحدهم تجاوز السابعة عشرة من عمره، وجلسوا حول منضدة يلعبون الدومينو. بدت هيئاتهم مرآةً لحالٍ محزنة: ملابس غريبة، قصّات شعر لا تمت لهويتهم بصلة، أصوات عالية تختلط فيها الألفاظ النابية بالإيحاءات الفجّة، وسجائر تتنقّل من الأفواه إلى الأذنين وكأنها امتداد وجودي لا مفر منه.

حينها، استحضرتُ تلك الأيام البعيدة، حين كنا نجتمع، أنا وزملائي، أمام منزل والدي رحمه الله، نتبادل الآراء والتساؤلات حول صالونات العقاد وعبقريات العرب، نناقش بيتًا شعريًا أو فكرة فلسفية لفرويد أو نيتشه، نستمع إلى “نور على نور” والشيخ الشعراوي، ونتباهى بآخر كتاب قرأناه أو أغنية تحفظ ماء الذوق.

فأين ذهب كل ذلك؟
ما الذي جرى لجيل اليوم؟
كيف تسلّلت إلينا هذه الفجوة بين المعنى والمظهر، بين العمق والسطح، بين الإنسان والهوية؟

هل هذه هي البذرة التي نرجو أن تُثمر سلامًا للأوطان؟
أم أن الخيط انقطع من بين أيدينا، ولم ننتبه؟
هل ربّينا، أم استقلّ كل شيء عن التربية؟
هل لا يزال للانتماء معنى؟
أم صارت الأمة بلا ذاكرة؟ بلا قلق؟ بلا سؤال؟

وسؤالي هنا لا يُوجَّه إلى جيل بعينه، بل إلى الإنسانية جمعاء.
إلى جهابذة العلم، وأصحاب نظرية “الهندسة الوراثية” الذين يسعون جاهدين لإعادة ترتيب الخلايا الحيوانية والنباتية والبشرية:
كيف تداخلت خلايا إنسان هذا العصر؟
ما الذي اختلّ في تركيبة النفس؟
وهل بوسع علومكم أن تعيد ترتيب الخلايا الأخلاقية والمعنوية؟

ثم، قبل العلم، ماذا قالت الشرائع السماوية؟
ألم تحذّرنا من تكدّس الانحراف داخل الأرواح؟
ألم تضع قوانين النفس، وحدود الفطرة، وبوصلات المعنى؟

إنني أكتب لا لأعاتب، بل لأصرخ.
لا لأبكي على ما فات، بل لأبحث عن جواب.
أين ذهب الإنسان في عصر الإنسان؟
وهل بقي في هذا العالم متسعٌ لصوتٍ يسأل؟
أم قُل على الدنيا السلام؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى