” عن الطب والطبابة وإعلام الأرز “مقال بقلم د.أحمد دبيان


” عن الطب والطبابة وإعلام الأرز “
مقال بقلم د.أحمد دبيان

الطب ، تلك المهنة التى بدأت منذ بداية الإنسان منذ وضعت أمنا حواء طفلها الأول وجاءها المخاض فكان الإحتياج لتعلم كيف يستقبل الإنسان كيانا جديدا ، وكيف يحاول تخفيف آلام المخاض وكيف تتم العناية بالمولود ، وكيف تتم العناية بالأم صانعة الحياة.
لا شك أن خروج الإنسان للزراعة والصيد أو حتى للرعي ضاعف من الاحتياج للطبابة ، فأخطار الصيد وإصابات الزراعة أو حتى إصابات السعى لجمع الثمار البرية لم تكن بلا مخاطر فكان الإحتياج لفهم تلك الظواهر التفاعلية مع البيئة ، وكان الاحتياج الأكبر لأفراد يقومون بتلك المهام.
ارتبط الطب البدائى بالسحر والكهانة وخصوصا مع الردة الوثنية التى تعقب فترات الجراحات الإلهية المتمثلة فى مبعث الرسل بوحيها وسندها الروحى.
كان لذلك الغموض الذى يشمل فكرة الإله والذى ألقى بظلاله على الجسد البشرى المقدس المغلق والمبهم أن ارتبطت الطبابة بالمقدس ، فكان الكهنة فى الحضارات القديمة هم الموكلين بالطبابة وكان السحرة وإلى اليوم بمسماهم
The Medicine Man
هم المنوطين بتلك المهمة.
لن أطرق تفاصيل إنسانوية الطب والطبابة والأطباء ، والتى تم تثوير مفاهيمها فى القرن العشرين على مستوى العالم ليصبح الطبيب والذى نال المكانة الأرستقراطية بسبب اختلاط المقدس المسبغ على مهنته وإنسانوية المهام التى ثوَّرت العقل البشرى ما بعد الثورة الفرنسية وما بعد انشاء نظم التأمين الصحى الانجليزى
National Health System
فتم انزال الطب والأطباء بعدها من الأبراج العاجية وسلطتهم الأبوية لتأسيس نظم المساءلة وادخال حقوق المرضى فى تقبل العلاج من عدمه، بل وأحقيتهم فى فهم خطة العلاج والشكوى إن ظنوا أن هناك جنوحاً أو خطأً أو تجاوزاً أو تهاوناً.
مع تطوير نظم العلاجات الصحية ومع تطور المجتمعات التى تظل صحة الإنسان فيها مكونا أساسيا من إقتصاديات الإنتاج، كان الاهتمام بالطبيب كالوحدة الفاعلة فى تلك المنظومة وإعطائه إمتيازات الدخل الأعلى الممنوح من الدولة فى نظم تأميناتها على صحة الشعب حتى لا يستغل مهاراته فى التربح ما يخرق أى منظومة صحية تشمل رعاية صحة شعب ما فى بلد ما فيحدث ما يسمى
The Conflict of interest
أو تضارب المصالح
فينتهى الأمر إلى تسليع الطبابة وتسليع الإنسان ذاته لينتهى مفهوم رعاية الدولة لصحة الشعب كأحد العناصر غير المباشرة لصحة الإقتصاد وتعافيه فتتحول الطبابة إلى سلعة وتقاول بين الطبيب الذى سينتهى به الحال إلى وضع يده فى جيب المريض لانعدام وجود الدخل العادل الذى يكفل له الحياة الكريمة فى ظل تغير وحراك المجتمعات الرأسمالية الطاغية دون الاهتمام أو التخلى عن البعد الإجتماعى . لينتهى الحال بغزو الرأسمالية الطفيلية وأدواتها لهذه المهنة وتحولها إلى الاحتكار الأسرى ولينتهى الحال إلى نصف فى المائة يتربح وجمهور طبى عريض لا يجد ما يقيم الأود فينتهى به الحال إلى أن يصبح الطبيب ذاته سلعة تباع وتشترى فى سوق نخاسة عالمى.
يتطلب تحول الطبيب إلى سلعة أن يتم منحها أدوات التسويق والتمايز والتميز مع فرض الرأسمالية العالمية أنظمتها ليتم منح جنسيات العالم الأول السعر الأعلى وليأتى العالم الثانى فى المرتبة الوسطى وليظل العالم الثالث بأطبائه عناصر المرتبة الأدنى أو الأقنان فى سوق النخاسة العالمى.
تظل المنظومة الغربية الأعدل والأذكى فى بلادها حيث تجتذب تلك المهارات الفنية لبلادها وتمنحهم الرواتب المكافئة لأقرانهم الغربيين دون تفرقة بين عرق أو جنس أو دين ، ليتم تفريغ دول العالم الأدنى من قوتها الفنية التى إن وعى صانع القرار بأنها هى أهم عناصر دعم الإقتصاديات المنهارة حتى لو لم يكن مفهومها كأدوات للإنتاج مباشراً.
حين يعى صانع القرار تلك المعادلة شديدة الأهمية ستتراجع بنود الإنفاق على إعلام ( أشوِلة الأرز ) الذى صار أحد أهم أدوات الغزو المضاد والإختراق ، ليتم توجيهها فى بنود الإنفاق على التعليم والصحة والتى تظل أهم أدوات الإنتاج الفاعلة فى اقتصاديات الدول الطامحة أن يكون لها مكانة ما تحت شمس البسيطة.