خمسون …قصة قصيرة بقلم هنا سعد

اليوم التفّ حولي خمسون شخصاً؛ الكبار منهم مروا عليّ مرورًا عابراً رغم أنهم يحتلون الجزء الأكبر من حياتي، أكثر من أتنكر لهم هؤلاء الثلاثة الأكبر سناً؛ إنهم ضعفاء، واهنون، يخيم الحزن على قلوبهم، شاردون دائمًا في الفرص الضائعة والأحلام العصية، يعانون الفقد والهجر.
لكن الأطفال منهم أحبهم من كل قلبي، أعرفهم معرفة جيدة، رغم أنهم هجروني منذ أمد بعيد؛ إلا أنهم يعيشون بداخلي يقضون معي أيامي لحظة بلحظة،؛ لقد طفت معهم بخيالي فى رحلات كثيرة.
اليوم قررت زيارة المكان الذي جمعني بهم لمدة ثماني سنوات، اصطحبت إحداهن إلى المدرسة الابتدائية واخترت ذات الست ضفائر أن ترافقني في زيارتي؛ أحب رفقة هذه الخجولة التي كانت تتميز بقدرتها الفائقة على السير على أطراف الأصابع وتهوى القفز على المرتفعات دون أن يلامس حذاؤها الأرض كانت الأرصفة بالنسبة لحجمها الصغير مرتفعات كبيرة والتي تتميز بالكبرياء والاعتزاز بالنفس وتنعم بالرضا والسكينة.
وقفنا سوياً على باب المدرسة، تقدمنا ببطء خطوة إلى الداخل ثم توالت الخطوات.
يا الهي! ما هذا؟ لم يتغير شيئ أبداً؛ نفس الفناء، نفس الفصول، نفس الدرج، حجرة المدير، وحجرة تسليم الكتب، حتى مسئولة الأمن! أحقا هى؟
اقتربت منها فسألتني هل تريدين التوقيع فى دفتر الأمن ؟ظنا منها أني جئت للإشراف على المدرسة
ابتسمت لها وسالتها: أمازلتِ هنا؟! كيف بعد كل هذه السنوات ؟ !
قالت : تقصدين أم زينب ؟ أنا زينب ابنتها كنت أجلس معها هنا على الأمن وأنا طفلة.
يالها من أيام ماكرة تلتهم صفحات فى لحظة وتفتح أخرى دون سابق إنذار، تختصر أوقاتا طويلة تمر على عجل لا نشعر بها مطلقاً، وتسهب أوقاتاً أخرى نتذوقها على مهل.
الآن التفّ جميعهم حولى، منذ زمن بعيد لم يجتمعوا معاً، رأيتهم بوضوح؛ الصغير منهم والكبير، وذكرت معهم تفاصيلاً كثيرة؛ ألقيت باللوم على من قَصّر منهم، وشكرت من ساندني ومنحني دعمًا كنت أحتاج إليه يوما.
جميعهم يشكلون أجزائي المتناثرة حاولت أن أجمعهم في شخص واحد كى أتمكن من محاسبته عند التقصير ولكنى فشلت، كل منهم له شخصيته المستقلة، وذكرياته التى تشكل وجدانه، وأسبابه التي يقنعني بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى