” بِكالو .. وذاكرة السمكة ” قصة قصيرةبقلم / أحمد رأفت

توافدت الفرق الرياضية المشاركة في الدورة الرمضانية على الساحة الشعبية بحي “دار السلام” .. هاهي الجماهير المصفوفة على الجانبين .. تنتظر اللحظة التي تبدأ فيها المباراة النهائية .. العيون تراقب لاعبي فريق “التقسيم” بزيهم الموحَّد وهم يُجرون عمليات الإحماء قبل المباراة المرتقبة التي جمعتهم بمنظمي الدورة .. هذا الفريق الذي يضم نخبة من اللاعبين الموهبين الذين يحملون لك المتعة على طبق من ذهب .. يأتي في مقدمة صفوة الفريق حارسهم المغوار “بِكالو” .. لا أعرف سببا لتسميته بهذا الاسم .. أغلب الظن أن مرونته وقدرته الفائقة للتصدي للكرة .. هي ما جعلت الجميع يطلق عليه هذا الاسم .. لا يغرنَّك قصر قامته فهو عملاق أمام المرمى .. ورغم وزنه الزائد إلا أنه يتمتع برشاقة قلَّ أن تراها في أمثاله من الحراس .. قلبه مفطور على الشجاعة .. لا يرهب المهاجمين .. لديه ثبات انفعالي نادر .. كثيرا ما أخرج فريقه من المآزق الكروية السابقة .. يَصدُق فيه القول: أنه نصف الفريق .. رشحه كثير من خبراء الرياضة والمتابعين قبل المباراة للحصول على جائزة أحسن حارس في البطولة ..
بدأت المباراة حامية الوطيس .. تبادل فيها الفريقان الهيمنة على مجرياتها .. وأظهر كل اللاعبين استحقاقهم لخوض المباراة النهائية .. من خلال مهاراتهم المميزة .. تصدى “بيكالو” لكثير من الكرات الصعبة .. جعلت فريقه متقدما على خصمه بفارق هدف .. لم يتبق من وقت المباراة سوى دقائق معدودة .. فهل ينجح الفريق في الفوز بالبطولة ..
صرخات “بِكالو” المتوالية في لاعبيه هو أكثر ما يميزه .. توجيهات مستمرة .. أوامر صارمة تساعدهم على التماسك أمام الخصم .. وعلى الرغم من ذلك .. استطاع لاعبو الفريق المنافس أن ينفذوا بالكرة في غفلة من الدفاع .. جعلت المهاجم المنطلق ينفرد بالمرمى .. وسط هتافات الجماهير الملتهبة .. وذهول من لاعبي “التقسيم” .. فقد وقف جميع من في الساحة يشاهدون الشباك وهي تحتضن هدف التعادل في الثواني الأخيرة ..
وفجأة .. ظهر العملاق يسد المرمى أمام المهاجم .. وفي لمح البصر قطع المسافة التي كانت تفصل بينهما .. انقض على الكرة انقضاض الفهد .. وتمكَّن من إبعادها من أمام القدم في الوقت الذي سدد فيه اللاعب بكل قوة ..
انقطع الصوت .. وأظلمت الدنيا .. وساد الصمت حينما سدد اللاعب رأس “بيكالو” بدلا من الكرة ..
هنيهة .. وقد عاد الصوت مرة أخرى .. يحمل معه هتافات الجماهير .. و صافرة الحكم معلنا نهاية المباراة .. وفرحة فريق “التقسيم” بالفوز بالبطولة ..
تقدَّم “بِكالو” بخطى مضربة غير متوازنة لاستلام جائزة أحسن حارس مرمى في البطولة .. وكان في أذنيه طنينا يشبه طنين البعوض .. عيناه الزائغتان عجزت عن رصد الحدث الفارق في مسيرته الكروية .. فجأة ودون سابق إنذار سقط على الأرض مغشيا عليه..
في اليوم التالي توافد لاعبو الفريق على مستشفى “المبرة” لزيارة حارسهم المغوار .. نظر إليهم في ذهول وسألهم:

  • ما الذي أتى بكم ؟ .. جئنا للاطمئنان عليك بعد حادثة أمس ..
  • ماذا حدث أمس ؟ .. فقصوا عليه الحكاية ..
  • تلفت حوله ثم استطرد : من فاز بالمباراة؟ .. فأخبروه القصة كاملة ..
    نظر إليهم نظرة حائرة .. ثم أعاد عليهم الأسئلة .. أعادها مرارا وتكرار .. وفي كل مرة كانوا يعيدون عليه الإجابات وسط ضحكات وقهقات لا تنتهي .. ساعة من الضحك المتواصل، قطعها الطبيب المعالج عندما طلب منهم المغادرة .. وقبل أن يغادروا .. أخبرهم أن صديقهم بخير .. فقد أصيب بارتجاج دماغي بسيط .. حول ذاكرته لذاكرة سمكة .. تمحو الحدث خلال ثلاث ثوانٍ .. فلا تبقي ولا تذر منه شيئا .. قال لهم : أنه سيعود لحالته الطبيعية خلال يومين .. لكنه لن يتذكر ما حدث ..
    تمت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى