الإخراج الفني في النص القرآني.. بقلم/ مجدي سالم..”حياة موسى” على شاشة القرآن.. ( 28 ).. في موسى ورسالته – 16

نستطيع أن نتعلم ولو القليل من رسالة ربنا لنبيه صلى الله عليه وسلم.. ويستطيع من يأتي بعدنا ليفسر أكثر مما فعلنا.. أو يفهم أكثر مما فهمنا.. فربما نحن أيضا فهمنا أكثر ممن سبقونا.. هذا هو القرآن في كل العصور.. القرآن يحتمل جهد كل البشر.. القرآن في لوح محفوظ..
لإنه تبدأ سورة النمل مشاهد “حياة موسى” من نفس النقطة.. من حدث تكليم رب العالمين لموسى .. من تكليف موسى بالرسالة بينما كان عائدا إلى مصر من مدين.. سنورد السيناريو كما جاء في سورة النمل أولا.. من سورة النمل – الآيات (6 – 14) ..

وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) ..

إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا.. سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ.. أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) ..

فَلَمَّا جَاءَهَا.. نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا.. وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) ..

يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9).. وَأَلْقِ عَصَاكَ..
…. فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ…..

يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) .. إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ.. فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) ..

وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ.. فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ.. إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) ..
….. فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) .. وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا……

فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) ..
إن القرآن الكريم لا يترك مجالا للشك أن هذه هي النقطة الفارقة في “جياة موسى”.. فعندها دوما يبدأ سرد القصة.. في معظم السور.. وبأسلوب وبمفردات مختلفة في كل مرة.. وبتفصيلات جديدة في كل مرة.. ونقول ونكرر.. هكذا تتكامل السور.. هكذا يفسر القرآن القرآن..
إن آيات سورة النمل تضيف إلى المشاهد:
1) من حوار موسى مع أهله يصبرهم على انتظاره ويعلل غيابه لبعض الوقت لعله يجلب لهم ما يصطلون به من برد الصحراء..
2) أن نادى الله موسى يبارك من في النار ومن حولها..
3) يسبح الله رب العالمين نفسه ويعلمها الله لموسى ولنا.. ويسمى الله نفسه هنا العزيز الحكيم..
4) ويظهر خوف موسى ورد فعله وانطلاقه عدوا.. حتى يهديء الله من روعه.. وأنه لا يخاف المرسلون لدى الله.. إلا من ظلم..
5) جحود فرعون وملئه رغم علمهم يقينا أن رسالة موسى هي الحق..
6) لم تفصل سورة النمل هلاك فرعون وملئه غرقا..
ثم نرتحل إلى سورة القصص.. وفيها تفصيل للعديد من المشاهد في تسجيلات “حياة موسى”..
فنقدم أولا السيناريو.. رواية الأحداث والحوار.. من الآيات الكريمة دون تعليق منا..
المشهد الأول.. بين بيوت بني إسرائيل.. نهر النيل.. وقصر فرعون.. في طفولة موسى..

…… نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) .. إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا .. يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ.. يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ.. إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) …..
….. وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ.. وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) .. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ.. وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)….

وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ.. فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ.. وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي..
إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) ..
… فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا.. إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)

وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ.. لَا تَقْتُلُوهُ.. عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) ..
…. وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا.. إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا.. لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) ..

وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ.. فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) ..
…. وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ….

فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) .؟
…. فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ.. وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ.. وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) ….. وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا.. وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)……

تتجلى معجزة إخراج القصص في القرآن الكريم في سورة القصص.. فالله يتلو ما كان بين موسى وفرعون بالحق.. يفتتح بها القصة.. ويزيلها بإن هذه التلاوة هي لقوم يؤمنون.. سيشعر القاريء بكل حدث يجري مجسدا.. ويسمع الحوار القصير لكنه يصيب الهدف.. ستتحدث كل شخصية حسب بنائها.. سيصف الله كل صغيرة وكبيرة.. حتى المشاعر التي تعتمل في النفوس..
1) إن فرعون طاغية يفرق أهل مصر شيعا.. يستعبد طائفة بني إسرائيل قيقتل أبنائهم ويستحيي نسائهم.. فأراد الله أن يمن على المستضعفين.. قيقدر لهم السيادة ويورثهم جنات فرعون وملئه..
2) قسيحعل الله التمكين للمستعبدين.. ويحقق الله في فرعون وهامان ما أراده وما كانوا يخافون..
سيكون هلاكهم قريبا..
3) أوحى الله إلى أم موسى الرضيع أن تلقيه في اليم في تابوته إذا حزم الأمر وخشيت عليه القتل.. ولا تخافي فالله يبرده لك لترضعيه.. إن الله يبشر أم موسى بإن وليدها سيصبح رسولا..
4) يلتقط فرعون تابوت موسى.. يكاد أن يقتله.. ألقى الله محبة موسى في القلوب.. تتعلق به امرأة فرعون وترجو زوجها ألا يقتله عسى أن يتخذاه ولدا لهما.. إنهما لا يشعران لكن الله يفعل ما يريد
5) يكاد قلب أمه ينفطر.. ترسل أخته في أثر التابوت.. تسدي لآل فرعون النصح وتدلهم على أم موسى لترضعه بعد أن رفض النبي الرضيع كل المراضع بمراد الله.. إن موسى قد أعيد إلى أمه.. تحقق وعد الله فلا يخلق الله وعده.. نشأ موسى شابا فتيا نبيها.. في قصر فرعون..
نهاية المشهد الأول.. نكمل في الحلقة القادمة إن شاء الله..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى