“الثعبان” قصة قصيرة بقلم: مجدي السناري

استقلَّ قطار الصعيد في طريقه إلى مدينة سوهاج، حيث اعتاد قضاء إجازة الصيف مع جده وجدته.

في ذلك البيت الريفي القديم، فقد كان يعشق الريف منذ نعومة أظفاره، ويحب مناظره الخلابة وطبيعته الساحرة. كما أنه كان يرتاح لليالي السمر مع جيران جده.

أخذ معه عددًا قليلًا من كتب الفلسفة التي درسها وتعلق بها، وتنقل بين مذاهبها المختلفة، فتوقف كثيرًا عند سقراط وأرسطو، وأحب ديكارت وبيكون. ومع ذلك، كان ينجذب لحديث جده البسيط لما فيه من حكمة وخبرة السنين.

لكنه تذكر فجأة ذلك الثعبان الذي يعيش في منزل جده ويتحرك فيه بحرية غريبة، دون أدنى تدخل من الشيخ أو جدته! وكثيرًا ما تحدث مع جده في أمر هذا الثعبان، وكيف أنه يراه ولا يقتله، ولا حتى يحاول قتله، وكأنه أحد أفراد العائلة! وتعجب من قول جده إن هذا الثعبان حارس البيت، وإنه ورث البيت وفيه هذا الثعبان، وإن كل بيت في هذه القرية به مثل هذا الثعبان، وإنه لا يؤذي أحدًا، فهو يخرج من جحره ليأكل أو يشرب، ثم يعود دون أن يؤذي أحدًا.

وأضاف الجد: “نحن حين نراه نقول له جملة واحدة: (حد الله بيننا وبينك)، فيدخل جحره فور سماعها! لقد اعتدنا عليه واعتاد علينا. ألم تسمع أن عصا موسى حولها الله إلى ثعبان؟ إن الثعبان سر من أسرار الخالق، لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم.” وأخيرًا، حذره الشيخ من الاعتداء على الثعبان.

لكن كل هذا الكلام لم يقنع الفتى، وظن أن جده قد كبر في العمر وبدأ في التخريف. قرر أن يتخلص من الثعبان في هذه الإجازة، وعقد النية على قتله، وأخفى هذا الأمر عن جده وجدته.

مرت ثلاثة أيام والفتى يتربص بالثعبان، لكنه لم يظهر. وفي اليوم الرابع، صعد الجد والجدة إلى الدور العلوي كعادتهما، فقد اعتادا النوم بعد طعام الغداء، بينما جلس الفتى على أريكة قديمة وبجانبه عصا غليظة، يترقب ظهور الثعبان.

وفجأة، ظهر الثعبان في طريقه إلى جحره. زاغت عينا الفتى، وجرت الدماء في عروقه، فتناول العصا واندفع نحو الثعبان ليقتله، لكن الثعبان كان أسرع منه، إذ أحس بغدره، فانقض عليه، غارسًا أنيابه المسمومة في جسده. سرى السم سريعًا في عروقه، فأطلق صرخة مدوية دوت في أرجاء البيت.

استيقظ الجد على الصرخة، وهرول إلى مصدرها، فكانت الصدمة التي كادت أن تذهب بعقله وتحرق قلبه! وجد حفيده ملقى على الأرض، والعصا بجانبه، والثعبان على بعد خطوات منه. على الفور، أدرك الشيخ ما حدث، وأخذ يتبادل النظرات مع الثعبان في حديث صامت، وكأنه يقول له: “لمَ فعلت هذا، وقد أعطيناك الأمان؟”

وكأن الثعبان يجيبه: “لقد خان العهد وأراد قتلي… اعذرني، أيها الشيخ.”

فقال له الشيخ: “حد الله بيني وبينك.”

وما إن سمعها الثعبان، حتى بدأ ينسحب بهدوء قاصدًا جحره، بينما كانت دموع الشيخ تبلل لحيته البيضاء.

انتهت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى