عالم الدراويش …. بقلم هيام الزين

يا درويــش:

يقولون أنك لا تمكث في أرضٍ أكثر من مائة عــام، وأنك تترك جميع أحبابك في وقت أقل من ذلك بكثير..
وهذا بالتأكيد أصابني بالغضب والإحباط

_ أتختبرين قدرة الصوفي على التخلّي يا فراشـة..؟!!

كلا… ولكني سمعت أشياءً وأخشى أن أستيقظ ذات صباح ولا أجدك وإني أرى الدنيا، وهي تتسرب من بين أصابعك فتتركها بدون أن تبذل أدنى جهد للتمسك بقطرة منها، وكأنما الترك أصبح لديك غاية وليس وسيلة

_ إن محاولة الولوج إلى عقل الدرويش عصيّة على الكسالى والنائمين أمثالك يا فتاة.. فما يشغلهُ غير ما يشغلكِ.. وما يفكر فيه أبعد ما يكون عن دائرة همكِ ومشاغباتك

أعلمُ جيدا أن الدراويش مختلفون…
في سعادتهم مختلفون.. في حزنهم مختلفون
يبدون بسطاء _ ظاهرهم كذلك _ ولكنهم أشد خطرًا مما نتخيل
الأسماء لا تمثل لهم شيئا.. وكذلك المناصب ليست مهمة
الشهرة.. العلاقات.. المال… كل ما يتهافت عليه البشر لا يلفتهم
كل المغريات تتلاشى أمام أرواحهم العنيدة
قيَمهم وأولوياتهم مختلفة شكلا وموضوعا، عن قيم هذا العالم البائس
فما يعتبره الناس مهمًا جدًا يراه الدراويش (هُراءً محضًا) فيندهشون من سذاجتنا تماما، كما نتعجب نحن من شطحاتهم ولامنطقيتهم

علمتُ أيضًا أن لديهم قدرة عجيبة على قراءة ما يخبئه البعض تحت جلودهم، وبين ثناياهم ولكنهم يصمتون تأدبًا وسترًا حتى إذا آن الآن وظنوا أن في حديثهم عبرة، ألقوا بالكلمة سهما مسمومًا ولم يهابوا لوم اللائمين ولا نحيب التافهين البلهاء

_ من أين لكِ بكل هذا..؟!
وكأنكِ تطمعين أن تصبحي درويشة..!!

كلا كلااا.. أنتم معمِّرون يا درويش، والأرض في أمس الحاجة لدبيب أقدامكم..
أما نحن الفراشات فأقدامنا رقيقة شفافة، لا تقوى على لمس أراضيكم الحارة

رحم الله كل من صفا واصطفى هذه الطريق الوعرة، حتى يبلغ صفاؤه منتهاه

 ما أروع عالم الدراويش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى