بطل من بلادي : إشكالية الهوية المصرية ….مقال بقلم د.أحمد دبيان


مات الملك سقنن رع وهو يحارب الهكسوس، كما توجد آثار ميتتة البشعة على جمجمته المليئة بالجروح والكسور نتيجة الضرب بالحراب والبلاطي، ووجدت أسنانه في وضع ضاغط بشدة على اللسان نتيجة الألم الشديد في اللحظات الأخيرة من عمر الملك.
وتملأ رأس الملك الكثير من الجروح الشديدة فيوجد طعنة خنجر خلف الأذن اليسرى للملك وصلت إلى عنقه، وتحطم صدره وأنفه بضربات بالمقامع. ويوجد أيضاً قطع نتج عن بلطة حرب مخترقاً العظم أعلى جبهة الملك.

‎ ابن منطقة بشمور فى شمال الدلتا الذى قاد ثورة المصريين ضد جور الحكم العباسي .

‎وقد تعددت ثورات المصريين وشملت الوجهين البحري والقبلي. وكانت أعنف هذه الثورات تلك التى كان يقوم بها أهل البشمور أو البشرود، وهي المنطقة الرملية الساحلية بين فرعي دمياط ورشيد.

‎مينا بن أباكير البشموري كما ورد فى تاريخ ساويرس بن المقفع هو ابن منطقة بشمور في الدلتا و قائد ثورة البشموريين ضد الاضطهاد الأموي و العباسي، و الجدير بالذكر أن هذه الثورة شارك فيها مصريين مسلمين و مسيحيين و ذلك لأن الظلم طال كل المصريين بغض النظر عن دينهم بسبب اعتبار الأمويين و العباسيين غير العرب أقل من العرب في الدين و الدنيا.

‎قاد مينا ثورة عارمةعام ٧٤٩ م و حقق انتصارات ساحقة ضد القوات العربية في الدلتا

‎وسحق جيوشاً كاملة أرسلها الخليفة و امتد نفوذه حتى مدينة الفرما (بورسعيد حالياً)

‎انتصارات مينا أجبرت الخليفة مروان الثاني أن يأتى بنفسه إلى مصر على رأس جيش لقمع الثورة و لكنه انهزم هزيمة ساحقة على يد المصريين و انسحب بعد سيطرة العباسيين على الحكم

‎استشهد القائد مينا في الثورة بعد أن حقق انتصارات ساحقة.


يروي قصته القاضي بهاء الدين بن شداد في كتابه (النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية) أيام محنة عكا وأورد قصته أيضا صاحب كتاب: تذكير النفس بحديث القدس ( 1/378 – 379 ) فيقول: «ومن نوادر هذه الوقعة ومحاسنها أن عواماً كان يقال له عيسى ، وكان يدخل إلى البلد – يعني عكا أثناء حصار الفرنج لها – بالكتب والنفقات على وسطه – أي يربطه على وسطه – ليلاً على غرة من العدو ، وكان يعوم ويخرج من الجانب الآخر من مراكب العدو ، وكان ذات ليلة شد على وسطه ثلاثة أكياس ، فيها ألف دينار وكتب للعسكر ، وعام في البحر ، فجرى عليه من أهلكه ، وأبطأ خبره عنا ، وكانت عادته أنه إذا دخل البلد طار طير عرّفنا بوصوله ، فأبطأ الطير ، فاستشعر الناس هلاكه ، ولما كان بعد أيام بينما الناس على طرف البحر في البلد ، وإذا البحر قد قذف إليهم ميتاً غريقاً ، فافتقدوه – أي تفقدوه – فوجدوه عيسى العوام ، ووجدوا على وسطه الذهب وشمع الكتب ، وكان الذهب نفقة للمجاهدين ، فما رُئي من أدّى الأمانة في حال حياته وقد أدّاها بعد وفاته ، إلا هذا الرجل. وكان ذلك في العشر الأواخر من رجب أيضاً.


مع آخر ضوء في يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣ وفي تمام الساعة السادسة وأربعين دقيقة مساءً بدأت سرية المجهود الرئيسي باقتحام حصن بور توفيق من المواجهة بقيادة الشهيد النقيب جمال عزام في اقتحام قناة السويس، وعند الشمندورات أصيب الشهيد بنيران العدو وسقط ومن معه في الماء ، إلا أنهم تمكنوا من السباحة إلى الضفة الشرقية للقناة حيث كان في أحد مزاغل العدو مدفعا رشاشا يطلق النيران بكثافة على قوارب السرية.

وجد الشهيد أن زملاءه وجنوده في خطر فقام بسد المدفع بجسده الطاهر ليسجل في سجلات الشرف بطولتة الخالدة.


اختار السائق خالد محمد شوقي عبد العال أن يخاطر بحياته لحماية أرواح المواطنين الذين كانوا داخل محطة الوقود، حين اشتعلت النيران في سيارته المليئة بالبنزين، ليقود سيارته وهي مشتعلة بعيدًا عن المحطة خوفًا من انفجارها داخلها.

أدى الحريق إلى اشتعال كابينة القيادة بالسيارة، وامتدت النيران إلى جسد السائق، قبل أن تتمكن الأجهزة الأمنية وقوات الحماية المدنية من السيطرة عليها، وتبين إصابة السائق بحروق شديدة من الدرجة الثالثة ليتوفى بعدها .

ما سبق كان الوارد فى السجلات الرسمية والتاريخ المدون عن نماذج أبطال خمسة ، أولهم من عصر الفراعنة وثانيهم من العصر المسيحى وثالثهم من العصر الإسلامى ورابعهم من مصر الثورة وعودة الحكم للمصريين وآخرهم منذ أيام قليلة فى العقد الثانى من الألفية الأخيرة.

لا نستطيع أبداً الفصل بين النماذج الخمس فروح سقنن رع ظلت تسرى فى جسد مينا بن اباكير لتنتقل إلى جسد عيسى العوام وتطير بجناحيها مثل ( كا ) مصرية قديمة فى جسد جمال عزام وخالد محمد شوقى .

فى حالات النماذج الخمس لا نستطيع أبداً أن نأتى بمبضع تشريح لتفصل بين الجسد الزمنى المكانى التاريخى للأبطال الخمس والذى نزعم أن الهوية المصرية تشكلت وتشربت من الرافد التاريخى لهم.

فمصر والمصريين لا يمكن بحال اختزال هويتهم فى رافد واحد بعينه.

فالجد الفرعونى التاريخى موجود وحاضر بشده حين نستدعى مفاهيم الأمن القومى التاريخى القديم والمعاصر والذى رسخه البطل تحتمس الثالث لتأمين الوادى خارج الحدود فكانت حملاته الدبلوماسية والعسكرية نحو الجنوب الأفريقى والغرب الليبى والشرق فى القوس الشرقى الى الجزيرة العربية والعراق.

والجد المسيحى حاضر بقوة فى مينا بن أباكير حين ينال الظلم من المصرى ويبلغ الصبر منتهاه فيثور ليقر العدل والكرامة والحق فى الحياة.

والجد العربى الإسلامى حاضر وبقوة فى عيسى العوام ومقاومة الشرق للفرنجة المستعمرين لتقود مصر حملات المجابهة بعد عار السقوط والانحسار .

والحاضر الحديث بعد عودة مصر الثورة لحكم المصريين حاضر فى بذل جمال عزام للنفس والروح ليحمى أقرانه من العدو الغاصب الذى حارب ويحارب حق مصر والمصريين فى الحياة وهو ذاته ما جعل خالد شوقى وفى لحظة فارقة أن يختار بموروث هويته الفرعونية المسيحية الإسلامية العربية أن يتحرك وهو يعلم أنه لا محالة مستشهد فيقود قاطرته المشتعلة ليجنب مصريين من حوله مسيحيين ومسلمين أن تنفجر بهم محطة الوقود.

تحتمس الثالث كان يدرك محاور الأمن القومى التاريخى بعد غزو رعوى هكسوسى اجتاح الوادى .

مينا بن أباكير كان يدرك أن الخضوع للجور لن ينتهى إلا بسلب المصريين الحق فى الحياة.

عيسى العوام كان يدرك أن التهاون مع الغاصب المتخذ الصليب شعاراً وتجارةً لن يؤدى إلا إلى اكتساح القوس الشرقى مهدداً الوادى والدلتا.

جمال عزام كان يدرك حين سد بجسده فتحة المزغل فى خط بارليف أنه يبذل روحه ليمنع الغاصب المتغطرس من ترسيخ وجوده وتهديده للوادى فى الغزو الرعوى الهكسوسى الحديث.

خالد شوقى كان يدرك وهو يقود القاطرة المشتعلة أنه يحمى حق المصرى البسيط فى الغد المأمول رغم كل الانتكاسات التى يحياها.

مصر لا يمكن بحال تقطيعها بمبضع الاختزال وفصمها إلى مكون كيمتى متأثر بمراهقة جماعات الصليب الوردى برافدها من القابالاه اليهودية.

ولا إلى مكون قبطى مسيحى تحت مسمى ان الأقباط المسيحين هم ورثة الجد الفرعونى ، فالمسيحية العبرانية فى مادتها الخام ديانة رعوية أيضاً بمفاهيم القومية المختزلة ولم تلق زخمها العالمى إلا بمرورها على الوادى.

و لا يمكن بحال انكار مكونها العربى الإسلامى بموروثه الأريوسى وتحول مصريين كثيرين من مذهب أريوس إلى الإسلام.

تظل هوية مصر هى محصلة مكوناتها الثلاث ، وأى محاولة لفصل كل مكون على حدة هى بمثابة تمزيق للجسد الضارب فى عمق الحضارة والتاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى