نظرات بسن القلم …لحسين الجندي

عندما تكون عاطفتك مع البشر – مهما كانوا – عذراءَ صامتةً عفيفةً راقيةً إلا أنها مع الوقت والانسداح تصير ملتهبةً متوغلةً متغلغلةً،فإن مصيرها المحتوم إلى الاصطدام بواقعها الطيني اللازب مسنون الحَمَأ وما يستتبعه ذلك من ويلات..

ضبط العواطف والمشاعر والأحاسيس يَكْبَحها لتظل على نقائها وعِفَّتها،ويظل صاحبها في سلامه الروحي والنفسي الذي سيجد لذته تُغَلِّفه بغلالة الوئام،وتُطَيِّبه بعطر الراحة.


سلوك رائع يُطَبْطِب به الإنسان على صديقه الإنسان حتى ينسيه ولو وقتيا معاناته مع الحياة سواء بكلمة حلوة أو ربتة حانية على كتفه المثقلة بالهموم أو بحضن ونيس يشعره بأنه موجود وليس على الهامش..
الخ…

ولكن..

لا يكون أبدا في مجال المفاضلة بين شخصين فيمن يكون الأكفأ لإدارة العمل..

ولا يكون في تقييم فنيات سينبني عليها عمل فيما بعد(فلا أقول مثلا لمهندس أحبه:
تصميمك رائع استمر..)
وفي الحقيقة تصميمه به الكثير من العوار..

ولا يكون في كتم شهادة حق ستغضب من أُحِب إذا قلتها..

ولا يكون في الفصل بين متخاصمين ولابد وقتها من الحزم..

ولا ينبغي أن تكون بمجرد كلام حلو لا أرض له في الواقع ويحتاج المجبور خاطره وقتها لعمل ونجدة حقيقيين..

جبر الخواطر سلوك رائع ودال على إنسانية سامية من صاحبه ولكن يجب أن يكون في موضعه وإلا صار ماسخا باهتا.


أن لا ترى غيره.


أن تنتظر حضوره دون غيره.


تحققها داخلك أولا قبل وبعد كل شيء.


لا تتحقق إلا إذا عشتَ بقلب لديه تاريخ من الوجع.


تتواجد عند غفوة العقل.


أن تكون على سرعتك القصوى وتفتح ذراعيك عن آخرهما حتى كأنك على وشك الطيران،وتشرح صدرك كدفتي (أكورديون) لتخرج أعذب النغمات الراقصة الفَرِحَة،ثم فجأة يأتي شيءٌ ما في حياتك فيفصل (الفيشة) فتقع على جذور رقبتك،نعم قد تنجو ولكنها نجاة بطعم الموت.


أن تعطي للشخص حقه وأنت وقتها أعمى عن صورته وأصم عن صوته وأبكم عن كلامه، فقط تُقَيِّمه بدون التفات لأي حسابات أو أغراض أو حتى مراعاة لجبر خاطر أو طبطبات؛فلا يُضيِّع الحقوق ويُؤخِّر تحقيق النتائج سوى الإجحاف والميل.


أن ترى في وجهه الوضيء طاقة نور تُبدِّد ظلام أيامك وتنير نفق حياتك وتؤنس وحشتك..
وترى في ابتسامته الصافية ضي قمر وواحة أمان وظلا يضفي على روحك سكينة لا حدود لها..

وترى في عينيه بريق الأمل وشعاع النجاة..

وتشعر بالاحتواء والدفء بين راحتيه..

و تتخيَّل قامته الممشوقة ومنكبيه العريضين حائط صد يدفع عنك صروف الزمان..
وفي حضنه الحاني تتمنى ألا تتركه ..
ترى الجميع يستغربك؛فهم يرونه لا يملك مقياسا واحدا للجمال وأنت ترى فيه كل الجمال.


في خريف العمر ليست مخزنا أصما أبكما أعمى، ليست مكانا أو ظرفا غير قابل للانتقاء، بل هي كشبكة تتسع وتضيق لتحجز لحظات الهناء وتُمرِّر بلا رجعة أوقات الألم، هذا إن استطاعت.


قمته تتحقق عندما يراك الجميع ظلا أو هواءً أو بقايا إنسان أو رماد لنار وقت اضطرامها فرَّ منها الرعاديد..

بينما وقف هو بجانبك بصدق لا رغبة منه فيك وفقط بل لأنه لا يستطيع سوى أن يفعل ذلك، لا جبرا ولا قهرا، بل لأنه ببساطة مولود وفي دمائه يسري الوفاء.


أن تتنازل عن أشياء طالما شغفت بها ولكن لاختلاف أولوياتك في فترة ما تركتها ولو إلى حين..

وغالبا ما يكون ذلك في الماديات للوصول إلى الروحانيات كقَطْع التعلق بسفاسف الدنيا وزخرفها وليس منه ترك أساسيات الحياة بالكُلِّية ..

والزهد أمر محبوب إذا كان بضوابطه ونواياه الطيبة،وإلا صار سلوكا ذميما بمسمى آخر غير الزهد، فيمكن تسميته تَنَطُّع وصاحبه وقتها مُغَفَّل كبير،فلا هو وقتها نال لذَّات الدنيا ولا حصَّل ثواب الآخرة.


كبسولة طاقة مفعولها سريع لكنها تحتاج إلى روح وثَّابة لديها الاستعداد لتجعل تأثيرها يستمر..

ويتحقق عندما تكون في فترة ما في قمة التعلق بشيء وحريصا أشد الحرص على إتمامه والإنجاز فيه وقد تراه حلما يتحقق فتمسك بتلابيبه لدرجة التشبث،وتتوهم أنه فرصتك الأخيرة وفواتها موت قبل الموت،وغالبا ما يكون فيما تبرع فيه وتحبه للعشق حتى الثمالة ،وتمارسه لتُحَقِّق لِذاتك السعادة ..

وقد يحدث للشغف انتكاسة فلسببٍ أو أسبابٍ ما تفقد هذا الشغف وتصاب بحالة من التبلد واللامبالاة،بل وقد تجد نفسك لا تريد سماع أي خبر عنه ويصير أمره كأمر غيره على السواء..

و فقد الشغف أمر حدوثه طبيعي ووارد ولكن لابد بعده من نهوض، لن يحدث بدون تجديدٍ للدوافع وإعادة ضبط مصنع لصاحبه ،وأساس ذلك الشخص نفسه،ولمن حوله دور هام إذا آمنوا بموهبته.


الألوان الحقيقية لا نراها بأعيننا ولا حتى بعقولنا بل نراها أولا بقلوبنا،وهي مسألة نسبية؛فعندما يُزْهِر القلب تزهر معه كل الدنيا فيرى الألوان كلها بهجة وسعادة وتفاؤل وكأن الدنيا صارت ربيعا..
والعكس صحيح ..

حالتك النفسية هي علبة الألوان التي بحوزتك قد تستخرجها يوما فتجدها قاتمة كئيبة وقد تجدها زاهية براقة ..

قد تعشق الأخضر لأنه لون الخير والنماء والجنة..
وقد تبغض الأحمر لأنه لون الدم والنار
بينما يرى البعض الأخضر بغيضا لأنه لون العفن ،والبعض يعشق الأحمر لأنه لون العاطفة والقلوب ..

البعض يرى الأبيض لون الصفاء والنقاء وراحة البال ،ويراه البعض لون الكفن ..

أعمى البصر لا يرى شيئا فالألوان عنده سواء ،لا فرق بينها داخله..
أما أعمى البصيرة فمصاب بحَوَل في الألوان ؛فكل لون يراه بعين قلبه المريض المُغْرِض.


  • نور مبهر لطريق مظلم تنير علاماته وترشد الضالين فيُنِيرون بها طريقهم على الدوام ..
  • لا تنبع إلا من رحم المعاناة فالقلم الصادق أبدا ما كان يوما مرتاحا مرفها..
  • لا تكون لمجرد التواجد بل ليشعر الكاتب بالحياة ..
  • تعبر عن الصادقين أمثالها أما غيرهم فلا وزن لها عندهم فهم يرون الدنيا من منظور آخر وهو المادية البحتة..
  • ليست في الأصل مجالا للتعزية والمواساة والطبطبة ولا بطاقة تهنئة وتبريك بل هي رسالة سامية رفيعة المستوى ..
  • لابد أن تتطابق مع شخصية الكاتب فلا قيمة لحرف من ذهب وراءه كاتب من حديد صدئ..
  • تهز القارئ من أعماقه هزا شديدا فيتطاير ما عليه من أدران لم يكن ليشعر بها إلا بها..
  • تضيف أعمارا عديدة إلى عقول القراء ؛فهي تنقل إلى القارئ خبرات الكاتب وتجاربه ورحلاته وذكرياته وعثراته ونكساته وهبَّاته ونهضته من كبواته..
  • بجانب موهبة وقراءات صاحبها إلا أنها نتاج تجليات ربانية ملهمة تصيب الكاتب وتأخذ بيديه ليسطِّر حديث السماء ..
  • قد تكون في بعض الأحيان كمشرط جراح ماهر يستأصل جذر المرض ليكتب لمريضه الراحة بعد العناء ،وقد تكون وسيلة عظمى لتحقيق السكينة بعد الكرب والطمأنينة بعد الخوف والمتعة بعد الضيق ..

-تشعر الكاتب بأن سقطته ليست مجرد كبوة بل طعنة في عقول كل من قرأ وتأذَّي..

-الكتابة تعني وتعني وتعني…….الكثير..

طبعا أعني بكل ما سبق الكتابة الحقيقية لا مجرد الكتابة.


عندما يحدث تتوقف الدنيا عندك منذ لحظة الفقد،تموت كل الأشياء،تبهت كل الزخارف،تزهد في كل الملذات..

ولولا الخوف من الله لتمنيتَ الموت بعده بل لتمنيت الرحيل قبله..

كنتَ تراه أمامك في كل وقت وحال ومكان حتى ولو لم يكن ماديا كذلك..

كنتَ لا تسأل عليه مطلقا لأنه لا يغيب عن مخيلتك..

غير ذلك فليس بافتقاد ،بل هو مجرد رقم ومَرَّ..
مجرد شخص على الهامش لم يحجز في قلبك ولو نكتة صغيرة..
حتى وإن كنتَ تُظْهِر غير ذلك.


ليس فقط في أداء أكبر قدر من المهام ولكن أيضا في إيمانك بأن الأثر الطيب لتلك المهام لا ينتهي حتى بانتهائك.


تراه بقلبك الأبيض وأنت تضع عقلك على وضع الطيران.


لا تنتظره من هؤلاء:
حقود.. حسود.. ساخر.. مهمل.. عَيِيّ.. أحمق.. فارس رهان غير نبيل.


تحقيقها بصورة حقيقية خالدة لا يكون إلا في الآخرة أما في الدنيا فراحتها:
وهم أو فخ أو سرقة أنفاس قليلة قبل الغرق الكبير.


حجر ثقيل للغاية لا يقدر على حمله سوى ذوي النفوس العظيمة..
أما من يتهافت على حملها فمن الأكيد هو ظلوم جهول أحمق مقسوم الظهر لا محالة.


أن تكون خفيفا لطيفا أينما حللت،تهبُّ على الآخرين وكأنك نسمة صيف لطَّفَت وجوهم وخفَّفْت قيظ نفوسهم، وتتركهم وهم يتشوقون إليك،وتراهم يتعلقون بك ويرجونك ألَّا تغادر.


يصعب على الكثيرين تحقيقها؛لأنها ليست مرتبطة فقط بتوافر عوامل مادية، بل إنها في الأصل تتحقق أولا داخل العقل والروح، كما أنها تحتاج إلى صبر كبير في زمن صار كل شيء فيه أسرع من الزمن ذاته.


نعمة وهِبَة من الله،لا تتحقق أبدا بموهبة أو تدريب..
وتظل مقبولا من الناس ما لم تدرك تلك النعمة فيك، فإن أخبروك بها أو أدركتها بنفسك وحاولت تكثيفها أضعتها واستحالت إلى استظراف وتصنُّع وتكلُّف..
عليك فقط عندما تُرْزَقها أن تدعو الله أن يديمها عليك..
واعلم أن هناك فارقا كبيرا للغاية بين أن تكون مقبولا من الناس وأن تكون (أراجوزا).


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى