الكرنفال….شعر : د. جمال مرسي

يُسامرُني النِّيلُ كُلَّ مساءْ .
ونَخلاتُهُ الباسِقاتُ امتدادُ الحكايا .
فمن عهدِ فِرعَونَ تُرهِفُ سَمعاً ،
وليست تَبُوحُ بِسِرٍّ يُقالْ .
وهذي المراكبُ
تُقبلُ ،
تُدبرُ ،
تُسكِرُ ،
تُبحِرُ
في لُجَّةٍ من بهاءْ .
يسامرها قمرٌ..
مدَّ في الماءِ أشرعةً من لُجينْ .
وما زلتُ أرقبُ موعدَهُ
بين عُشبٍ وماءْ .
وطاولةٍ إذ تَغوصُ قوائِمُهَا
في الترابِ ..
لَتَشهدُ أني مددتُ إليهِ يدَ الوقتِ
لم يأتِ ،
لم يشهدِ الكرنفالْ .
وجاء شتاءٌ ،
وراح شتاءْ .
أما زلتَ تنظرُ يا نيلُ مثليَ
في أعينِ القادمينَ ،
وفي أعينِ الراحلينْ ؟
صبوراً رأيتُكَ رغم ازدحامِ المدينةِ،
رغم الضجيجِ ،
ورغم العناءْ .
كلانا سيجلس منتظراً
ربما ….. !!!
رُبَّما..
ربما
..
..
لستُ أدري .
ولستُ أُحسِّ سوى قسوةِ الوقتِ
يمضي ثقيلاً
ثقيلا.
كلانا سينظرُ في وجهِ صاحبِهِ كالمرايا..
طويلاً ،
طويلا.
هلُمَّ إذاً كي تُقاسِمَني قهوةَ الليلِ،
أغفو على موجةٍ حانيةْ .
أراكَ حزيناً ،
وحزنُكَ حزني ،
ودمعُكَ يُشعلُ أتراحيَ العاتيةْ .
لأني أعيشُ زمانَ البلادةِ ،
عصرَ التقزمِ
والإنكسارْ.
يُقَتِّلُنا صمتُنا كل يومٍ .
وحينَ تُراق دماءُ المدينةِ ..
نبكي قليلا.
وتُغتالُ أحلامُنا كلَّ يومٍ ..
فنبكي قليلا.
ومن ثَّمَ ننسى.
كأنّا شربنا كؤوسَ البلادةِ
في مرقصِ الليلِ حتى الصباحْ .
فيا نيلُ لا تسأَلَنْ عن قروحيَ
لا تنكأِ الجُرحَ ،
دعني أَعِشْ لحظةَ الانتظارْ .
وقم واصلِ السيرَ نحو الخلودْ.
تظلُّ كما أنت نبعَ العطاءْ
ونحنُ غثاءْ .
فما زلتَ تشهدُ ما يعترينا
وتبكي لأجلِ المدينةِ ..
تهرقُ ماءَكَ في كُلِّ عرقٍ،
تُقَبِّلُ أعينَنَا كل يومٍ.
وتزرع فينا بذور الإباء .
ونحن غثاءْ .
وما زلتَ تصرخُ فينا ” انهضوا “
وتشحذُ هِمَّةَ كلِّ سقيمٍ ،
وكلَّ خنوعٍ ..
يولولُ من حسرةٍ كالنساءْ.
ونحنُ غُثاءْ
أيا صاحبي النيلُ واصلْ مسيرَكَ،
دعني هنا.
ولا تنسَ موعِدَنا كلَّ يومٍ
تعود إليَّ ،
فتلقي السلامْ .
تسامرني ثم تمضي
فيرحلُ معْ شاطئيك الكلامْ
وأبقى وحيداً ..
وحيداً..
وحيدا
أغوصُ ببحرٍ من الذكرياتْ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى