بسمة حياتي … قصة قصيرة بقلم نجوى عبد الجواد


رنات المنبه تتواصل، تغلقه وتستعطف النوم أن يعود، يأبي الهاتف إلا أن تستيقظ. هذه المرة رسالة تذكير. مانسيت هذا اليوم منذ تسع سنوات. تغلق الهاتف، كوب القهوة يغنيها عن الإفطار هذه الأيام. البرد شديد، تشعر بالكسل، تعود لسريرها، يوم الإجازة قرين الخمول، يخرج من الحمَّام، يطبع قبلة على جبينها، صباح الفل والياسمين.
ترد :صباح الخير يا خالد.
النهاردة عيد والاحتفال السنة دي مفاجأة.
عمرك مانسيت، لاعيد ميلادي ولا عيد جوازنا.تعلق بسمة.
إزاي أنسى بس أجمل يوم في الدنيا وأجمل يوم في حياتي.
سعيد يا خالد؟
يمسك يدها بدفء وينحني مقبلا إياها ويقول :بعد كده يبقى البطر يا بسمتي. تتأمل عينيه، تبحث عن الصدق فيهما و ماكانت تفعل ذلك من قبل شهر مضى.
أنا حجزت مكان تحفة وكلمت أصحابنا، و…
عايزه نكون لوحدنا،عايزه يشهد احتفال جوازنا التاسع أركان البيت اللي بنيناه سوا طوبة، طوبة وركن ركن.
أيوه بس أنتِ كنتِ بتحبي الخروج واللمة و…يقول خالد.
معلهش مفيش حاجة بتفضل على حالها. تقول بسمة بنبرة حزينة.
أوقفته الكلمة، شعر بقلق، لكنه لم يستسلم له، خلاص يا روحي، أنا هوصي ع التورتة تيجي على البيت. يقول هذا وهو يرتدى ملابس الخروج.
على فين بدري؟
شوية مشاوير.
بدري كده؟
معلهش حبيبتي مش هتأخر. يقبلها مودعا، يصل إلى باب الحجرة، توقفه كلمتها :شكرا يا خالد علي كل حاجة. يعود إليها مبتسما :كده هستسلم، بلاها مشاوير النهاردة.
لا،خلاص روح مشوراك وتعالي. تقول بسمة.
ياستي مش مشكلة.
يمكن تكون مشكلة لغيري.
يستغرب كلمتها ويقول :مش فاهم.
كده هتتأخر، بلاش كسل روح.
وتعالي.
تحاول بسمة استعادة نشاطها، تلقى نظرة على حجرة الاستقبال والصالة، حجرة المكتب، كل شيء نظيف ومرتب، كم تمنت أن تسود الفوضى، المساند على الأرض، حلل المطبخ في الصالة، الأحذية خارج الجزَّامة، وكل الألعاب التي تملأ حجرة الأطفال ليتها في خبر كان.! تلقى نظرة على حجرة الأطفال، سامح الله من أوصى بها، ماذا لولم يأتِ صاحب الغرفة؟!. كل عام يمر عليها بدونه تحضر لعبة جديدة، تدخل الحجرة وتلعب فيها باللعبة مع طفلها المنتظر! ليست مجنونة، إنها مشتاقة!. الحجرة مكتظة باللعب لكنها لاحظت منذ فترة غياب بعضها،أخذت تبحث هنا وهناك إلى أن عثرت عليهم داخل كيس بدولاب خالد! لم تسأله عن سبب وجودهم بدولابه، وفي اليوم التالي اختفى الكيس! ربما أخذهم هدية لابن أحد أصدقائه، كيف يفعل هذا وهو يدري ارتباطها بكل لعبة في الحجرة! في حجرة المعيشة جلست، ودّعت النوم كما ودعها، الأرق يصاحبها من فترة، حتى المنوم فقد وظيفته! جرس الهاتف، الصوت الحنون، تهنئة ومباركة ودعوات، لاطعم للحياة بدون هذين الملكين في حياتها، يخبرانها بزيارتهما لها غدا، لم تخبرهما بأنها من سوف يذهب إليهما . وقّعت على إيصال استلام التورتة، تورتة كبيرة عليها صورتها وخالد، ذوق عال، كالعادة، هو رجل لاتجد فيه غلطة كما يقولون، طرق بابها بعد أن رآها في حفل أصدقاء مشتركين، سعدت به أسرتها، ملك قلبها وعقلها حينما تجاهل تحاليلها قبل الزواج، صعوبات يمكن أن تؤخر الإنجاب، وما المشكلة؟! وهل الحياة سوي مجموعة صعوبات نواجهها، أنتِ جوهرة مش هفقدها أبدا! مسحت دمعة غلبتها، حفظت له ولم تثر مشكلات إثر رفضه المتكرر لرغبتها في إجراء عمليات تحسِّن من إمكانية إنجابها. تسير، يسلمها شارع إلى آخر، لافتات المحلات هدفها، دلفت إلى هذا المحل الفخم، واختارت أغلى طقم في هذا المحل. في انتظارها كان خالد: ينفع كده، أرجع ملاقيش القمر،أنا قلت أكيد عند الكوافير، ماهي عروسة، يطلق ضحكة ويكمل، ومن حقها تتدلع. تسع شمعات وضعها خالد في التورتة، موسيقى مبهجة، خالد وبسمة يطفئان الشموع، يضئ خالد الأنوار، يخرج من جيبه هديته، قلادة رائعة، يضعها حول جيدها :شفتها عليكي أنتِ بس يا بسمة حياتي، تعالي بصي كده. تنظر لنفسها في المرآة :جميلة يا خالد.
لازم تكون جميلة لأنك لبستيها. يرد خالد.
أنا جميلة يا خالد؟
عنيا مش بتشوف أجمل منك.
سعيد معايا؟
كلمة سعيد متعبرش عن اللي جوايا.
مش حاسس إن حاجة نقصاك؟
هكون طماع لو طلبت من ربنا حاجة تانية ومعايا بسمة حياتي!.
تبتسم بسمة وتعود إلى التورتة، تعالي يا خالد، يمسكان بالسكين، مش هاين عليّ أبوظ الصورة الحلوة دي.
صحيح مش هاين عليك؟
أيوه حبيبتي، لكن خلاص بقي علشان ندوق الطعم الحلو ده، يطعمها في فمها.
دقت الطعم خلاص؟
آه جميل فعلا.
كان يستحق نبوظ الصورة؟
استغرب كلامها، كان لازم يحصل كده. تباغته قائلة :أديت اللعب اللي خدتها من الأوضة لمين يا خالد؟
صوت الشوكة وهو يرتطم بالأرض، تلتقطها من الأرض وتحضر له غيرها وقد لاحظت اضطرابه، يضع الطبق على السفرة، لعب إيه يا بسمة؟ الأوضة مليانه لعب، أنا هاخد اللعب أعمل بيها إيه، بصي هتلاقيهم هنا ولا هناك، يرسم ابتسامة، وبعدين فين هديتك يا هانم، هتاكليها علىّ ولا إيه؟!
إزاي يعني، ده أنا نزلت مخصوص وجبتها. تقول بسمة.
يسرع إلى الكيس على كنبة الصالون، مشتاق أشوف ذوق حبيبتي،لايلتفت لاسم المحل، يخرج ما بداخل الكيس، تتبدل ملامحه ويصفر وجهه، يحاول تمالك نفسه :شكل الكيس بتاع الهدية اتبدل مع زبون تاني.!
الكيس متبدلش، هي دي هديتك.
يرسم ابتسامة، أنا صغرت كده ولا إيه؟!
تقترب بسمة وتمسك بالهدية وتقول :دي هدية فارس خالد محمود!
أطلقت عبارتها وانتظرت أثرها عليه، كم تمنت أن يكون غير ما رأت
محاولاته للتغلب على الاضطراب باءت بالفشل، يبدو أنه فقد قدرته على الكذب، ابني؟! إن شاء الله حبيبتي، ربنا يرزقنا، أهون عليك تخبي فرحتك عني، وتعيش لوحدك معاها، أهون عليك تلعب معاه بلعبي وتسيبني ألعب هنا وحدي؟!.
بسمة أنتِ بتقولي إيه؟!، إيه الكلام الفاضي ده؟ ابن مين وألعب مع مين، شكلك مرهقة، الوقت بيمر لكن الصبر، ربنا هيدينا هيدينا إن شاء الله.
صبر خالد نفد تقول بسمة.
بتقولي إيه بس.
تقترب منه، تركز في عينيه، فارس خالد محمود، أكيد واخد عنيك الحلوة، طويل زيك ولا لا؟، بتلعب معاه استغماية ولا بتحكي له حواديت؟، يدير ظهره، يحاول الهروب من نظراتها، تلتفت إلى وجهه ذكي فارس مش كده؟ طالع لك يا خالد، كنت عارفه إنك ذكي بس مكنتش أعرف إن ذكاءك حاد إلا من شهر، لما طلبوا في الشغل قيد عائلي!.
من شهر وأنتِ عارفه؟! علشان كده متغيرة! يرد خالد بألم.
شفت، لاحظت إني متغيرة، مش عارفه أداري وأكذب زيك، لاحظت تغيري من شهر، لكن أنا الساذجة ملاحظتش إنك اخترت غيري وكونت بيت وجالك الولد وأنا مش دريانه!!.
أنتِ مش ساذجة ولا عبيطة، أنتِ حاسه بحبي الصادق اللي متغيرش، ومتأكدة من مكانتك في قلبي، عدم شعورك ده شهادة لحبي مش شهادة على كذبي.!
إزاي قدرت؟!
غصب عني.
مخبتش عليك وكنت راضي.
ولسه راضي ومحدش خد مكانتك عندي.
ولا حتى فارس.
يصمت.
يشق صوتها طريقه ويخرج مخنوقا :مش ده الاسم اللي اخترناه سوا!
يلمس يدها فتسحبها، يقول :علشان تعرفي إنك معايا دايما وإن اللي يسعدك بيسعدني.
ترد متهكمة :صحيح؟! بس مكنتش معاك وأنت بتختارها، ولا كنت معاك وأنت بتسمع صرخة فارس لما جه الدنيا، ولا وأنت بتحتفل بسبوعه ولا عيد ميلاده.
لو تحبي أنزل وأجيبه تشوفيه، هيبقى ابنك وإن شاء الله هتجيبي له أخ أو أخت. لاترد بسمة، تغيب عن أنطاره، يسمع صوت عجلات حقيبة كبيرة، يتصاعد توتره، يعلو صوته :أنا مغلطش يا بسمة،ده حقي متهدميش البيت في لحظة غضب.
من شهر وأنا بفكر مش عايزه أظلمك ولا أظلم نفسي، أنت مارست حقك ونسيت إنك ضيعت حقي في العلاج وحقي في إني أعرف واختار.
ولو. ولو كان كلامك صح اعتبريها غلطة وحبي يشفع لي، أنا متغيرتش من ناحيتك ومش هتغير. تسحب الحقيبة وتقترب من الباب. بلاش يا بسمة مش هقدر أعيش من غيرك، خليكي وهسيب الشقة لغاية ما تهدي. ترد بسمة :محتاجة أبعد واختبر نفسي بعيد عنك، وأشوف هقدر ولا لا.
هتقدرى على إيه يقول خالد.
هقدر أسامح ولا لا.
هتغيبي؟! يسأل خالد متألما.
مش عارفه، يمكن شهر، يمكن سنة ويمكن مقدرش أرجع تاني . يمسك بمقبض الحقيبة ويحاول لكنه يكتشف قوة قبضتها عليها. هترجعي، أنا عارف.
لكن أنا لسه مش عارفه. ترد عليه وهي تحاول غلق الباب خلفها، يمسك بالباب، يقف متابعا لها وقد ركبت المصعد، ترك الباب مفتوحا وهرع إلى النافذة، ظل واقفا حتى تحركت بسيارتها، عاد إلى المقعد، مازال الباب باب الشقة مفتوحا لم يغلق بعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى