الحلم … معارضة ابن مرسي لنونية ابن زيدون – شعر: د. جمال مرسي

آنَــسْـتُ نُـــورَكِ مُـــذْ أَغـــرَى لَـيَـالِـينَا
بِـالـشَّـهدِ والـــوَردِ يَــا أَغـلَـى أَمَـانِـينَا

لُـمـتُ الـظَّـلامَ الَّـذِي مَـا كُـنتُ أَعـرِفُهُ
إِلَّا دُمُــوعــاً أُرِيــقَــتْ مِــــنْ مَـآقِـيـنَـا

دَربٌ مِنَ الشَّوقِ نَحوَ الصُّبحِ يَأْخُذُنِي
مِــنِّـي إِلَــيْـكِ إِلــى أنْ تُـشـرِقِي فِـيـنَا

كَـتَمتُ تَـحتَ ضُـلُوعِي كِـلْمَةً، عَجَزَتْ
عَـــن وَصـفِـهَـا لُـغَـتِـي، فِـيـهَا تَـأَسِّـينَا

تَــــاجٌ عَــلَـى رَأسِ أَشــعَـارِي يُـزَيِّـنُـهُ
حَـرفَـانِ مِـن رَوْضَـةِ الـنِّسْرِينِ تَـزيِيِنَا

وهَـــلْ سَـتَـنـعَمُ أَشــعَـارِي بِـحَـاضِرِنَا
إِلاَّ إِذَا نَـهَـلَتْ مِــنْ فَـيـضِ مَـاضِـينَا؟!

رُوحِــي فِــدَاؤُكِ يَـا مَـن بِـتُّ أَعـشَقُهَا
و لَــم يَـجُـلْ فِـي خَـيَالِي أَنْ تُـجَافِينَا

هِــــيَ الـمَـحَـبَّـةُ جَــــلَّ اللهً خَـالِـقُـهَـا
قَـد أَنـبَتَتْ فِـي قُـلُوبِ الـخَلقِ نِسرِينَا

شَـمـسٌ بِـأُفْـقِيَ قَــد أَرخَــتْ جَـدَائِلَهَا
عَـلَـى الـظَّـلامِ، وجَـاءَتْ كَـي تُـدَاوِينَا

مَــدَّتْ إِلَــيَّ يَـداً، مِـن طِـيبِ مَـلْمَسِهَا
نَــسِــيـتُ أّيَّ جَـــفَــاءٍ كَــــادَ يُـفـنِـيـنَا

سَـلَّمتُ بِـالعَينِ قَـبلَ الـكَفِّ فَاْنصَهَرَتْ
عُـيُـونُـنَا فِـــي عِــنَـاقٍ غَــاظَ وَاشِـيـنَا

الـدِّفءُ فِـي يَـدِهَا، والـطُّهرُ فِـي دَمِهَا
و الـعِـطرُ فِــي فَـمِهَا يُـهدِي الـرَّيَاحِينَا

لا زِلْـــتُ أَذكُــرُ إِذ جَــادَتْ بِـضِـحكَتِهَا
و الَّـلـيْلُ سَـاجٍ وصَـمتُ الـلَّيلِ يُـغرِينَا

دَاوَتْ بِـقَـلْـبِيَ هَـمّـاً قَــد شَـقِـيتُ بِــهِ
مُــذْ كَـشَّـفَتْ دُرَراً فِــي الـثَّغرِ تَـسبِينَا

يَـــا لَـلـجَمَالِ الَّــذِي أَبـصَـرتُ طَـلْـعَتَهُ
فِـي وَجـهِ مِـن سَـبَحَتْ فِـيهَا مَـعَانِينَا

نِــيـلٌ إِذَا مَـنَـحَتْ، نُــورٌ إِذَا ضَـحِـكَتْ
شَــهـدٌ إذَا نَـطَـقَـتْ، تَـسـمُـو قَـوَافِـينَا

رَأَيْــتُ نَـفـسِيَ فِــي لَـيـلٍ يَـطُـولُ بِـنَا
كَـمَـا يُــرَى الـبَـدرُ فَــرداً فِـي دَيَـاجِينَا

الـشَّـمـسُ تَـمـنَـحُهُ نُـــوراً يُــشِـعُّ بِـــهِ
كَــي مَــا يُـسَامِرُ فَـي الَّـليلِ الـمُحِبِّينَا

غَــرِيــبَـة هَـــــذِهِ الأَيَّـــــامُ تَــحـرِمُـنَـا
مِــمَّــنْ نُــحِـبُّ ومِــمَّـنْ أَثَّـــروا فِـيـنَـا

بَـــحــرٌ يُــقَـرِّبُـنَـا مِــنــهُـم، ويُـبـعِـدُنَـا
مِـــنْ دُونِ أَشــرِعَـةٍ عَـنـهُـمْ ولاَ مِـيـنَا

شَـتَّانَ مَـا بَـينَ مَـن مُـتْنَا بِـهِم عَـطَشاً
و بَـيـنَ مَــن غَـمَـرُوا بِـالـحُبِّ وَادِيـنَـا

مَــاذَا سَـتَـكتُبُ أَشـعَـارِي إِذَا وَصَـفَتْ
مَــن أَسـعَـدُوا الـكَـونَ أَقـوَالاً وتَـبْيِيِنَا

سَـأَلْـتُـهَـا، قَــالَـت الأَشــعَـارُ عَــاجِـزَةً:
لَـــنْ نَـسـتَـطِيعَ لَـهُـمْ وَصـفـاً يُـوَافِـينَا

الــنُّـورُ يَـنـبُـعُ مِــن عَـيْـنَيْكِ مُـلـهِمَتِي
فَــكَـيـفَ أَمــنَــحُ لِــلأَنــوَارِ تَـزْيِـيِـنَا؟!

لا تَـعـجَبِي، فَـالـهَوَى لَــوْ زَارَ صَـاحِـبَهُ
يَـهِـيـمُ حِـيـنـاً وقَـــد يَـهـذِي أَحَـايِـيِنَا

قَـلـبٌ كَـقَـلبِكِ أَهــوَى أَن أَعِـيـشَ بِــهِ
فَـمِـثـلُ قَـلـبِكِ بَـعـدَ الـمَـوتِ يُـحـيِيِنَا

صَــوتُ كَـصَـوْتِكِ تَـهوَى الأُذْنُ نَـغْمَتَهُ
مَــاذَا سَـيُنشِدُ بَـعدَ الـسِّحرِ شَـادِينَا؟!

يَـمَّـمتُ وَجـهِـيَ نَـحوَ الـبَيتِ خَـاشِعَةً
جَــوَارِحِـي، وجَــلالُ الـبَـيتِ يُـغـشِينَا

دَعَــوْتُ رَبِّــيَ أَنْ يُـبـقِيكِ لِــيْ سَـنَـداً
فَـــرَدَّدَ الـنَّـبضُ فِــي الـخَـفَّاقِ: آمِـيـنَا

هِـــــيَ الــحَـيَـاةُ أَذَاقَــتْـنَـا حَــلَاوَتَـهـا
حَــتَّـى دَعَـــا لَـــكِ قَـاصِـيـنَا ودَانَـيِـنَا

أَيـقَـنْـتُ أَنِّـــيَ مَـهـمَا طُـوِّعَـتْ لُـغَـتِي
يَـظَـلَّ شِـعـرِيَ فِــي عَـيْـنَيْكِ مِـسكِينَا

يَــا لَـيْـتَهُ كَــانَ يَـسْـطِيعُ الـقِرَاءَةَ فِـي
سِـفرِ الـعُيُونِ، ومَـا فِـي القَلبِ تُخفِينَا

قُـــرآنُ رَبِّـــيَ يَـحـكِـي عَـــن مَـلَائِـكَةٍ
لــلــهِ لَــــوْ أُمِــــرُوا، جَـــاؤُوا مُـلَـبِّـينَا

وقَــد رَأَيْـتُـكِ فِــي الأَحــلامِ فَـاتِـنَتِي
مَـلْكاً عَـلَى الأَرضِ فِـي الأَنوَارِ تَمشِينَا

نُـبِّـئـتُ أنَّـــك جــئـتِ الأَرضَ مُـرسَـلَةً
مِـــــنَ الــسَّــمَـاءِ بِــأَخــلاقِ الـنَّـبِـيِـينَا

تُـوحِـينَ لِـلـنَّاسِ أَن ثُـوبُـوا لِـرُشدِكُمُو
و سُـقتِ فِـي نُـصحِكِ الـغَالِي بَرَاهِينَا

أَسـتَـغـفِرُ اللهَ مِــن قَــولٍ بِــهِ شَـطَـطٌ
فَــــإِنَّ لِـلـشِّـعـرِ شَــطْـحَـاتٍ تُـوَاتِـيـنَـا

لا تَـعـتِبِي إِنْ رَأَيْــتِ الـشِّـعرَ يَـأْخُذُنِي
لِـمَـنْ تَـخِذْتُ هَـوَاهَا فِـي الـوَرَى دِيـنَا

نَـقَـشْتُهَا فَــوقَ صَــدرِي قِـصَّـةً بَـقِيَتْ
وَضِـيـئَةً فِــي الـمَـدَى تَـمـحُو مَـآسِينَا

وَهَـبـتُـها الــرُّوحَ، إنَّ الــرُّوحَ أُمـهِـرُهَا
لِــمَـن إِذَا جُــرِحَـتْ فَـالـجُرحُ يُـدْمِـينَا

رَضَعْتُ فِي المَهدِ نِيلَ الطُّهرِ مِن يَدِهَا
و هَــل كَـمَـا الـنِّـيلُ مِــن نَـهـرٍ يُـرَوِّينَا

وطُـفـتُ مِــن شَـرقِهَا لِـلغَربِ مُـنْتَشِيَاً
رَأَيْــــتُ أَزهَــارَهَــا تَــكـسُـو رَوَابِــيـنَـا

مَــا زِلــتُ أَذكُــرُ لَـهـوِي فِــي مَـرَابِـعِنَا
و ذِكــرَيَـاتِ شَـبَـابِـي فِــي ضَـوَاحِـينَا

لَـيـتَ الَّــذِي مَــرَّ مِــن عُـمرٍ يَـعُودُ لَـنَا
لَــكِــنَّـهُ الــشَّـيـبُ يُـنْـسِـيـنَا أَمَـانِـيـنَـا

يَــجِـيءُ غَـصـبَـاً فَــلَـم نَـمـنَعْ زِيَـارَتَـهُ
و يَـنـثُرُ الـفُـلَّ فِــي الـفَـوْدَينِ، يُـغرِينَا

كَــأَنَّـنَـا بَــعـدَمَـا أَضــحَــتْ كُـهُـولَـتُـنَا
نَـقـشـاً بِـحَـاضِـرِنَا، نَـشـتَـاقُ مَـاضِـينَا

تَاللهِ لَــم أنـسَ مَـا قَـد كَـانَ يُـضحِكُنَا
كَــلَّا، ولَــم أَنْــسَ مَـا قَـد كَـانَ يُـبكِينَا

قُـولِـي أُحِـبُّـكَ كَــي مَــا أَسـتَـظِلُّ بِـهَا
عَـسَـى تُـهـدِّئُ فِــي الـقَـلبِ الـبَـرَاكِينَا

لَـسـتِ الـبَـخِيلَةَ حَـتَّـى تَـحرِمِي وَلِـهَاً
يَـحـيَـا بِــهَـا عُـمُـراً لَــوْ كُـنـتِ تَـدرِيـنَا

بَـيْـنِـي وبَـيـنَكِ بَــوْنٌ شَـاسِـعٌ ومَــدَىً
و كُــلُّ أَشـرِعَـتِي أَضـحَـتْ بِــلا مِـيـنَا

جَـمِـيلَةٌ بَـعـضُ أَحـلَامِي فَـقَد زَرَعَـتْ
فِــي أُفْــقِ أَخـيِـلَتِي الأَعـنَابَ والـتِّيِنَا

مَـنَحتُهَا مَـن بِـهَذِي الأَرضِ قَد حُرِمُوا
حَـــــقَّ الــحَـيَـاةِ مَـلايِـيِـنـاً مَـلاَيِـيِـنَـا

الـحُـلْـمُ يَـــا رَبَّـــةَ الأَحـــلامِ يَـحـمِـلُنَا
عَـــلَــى جَــنَــاحِ أَمَـانِـيـنَـا فَـيُـحـيِـينَا

لَـيـتَ الـحَـيَاةَ كَـمَـا الأَحــلامُ نُـبصِرُهَا
وَردِيَّــــةَ الـــرَّوضِ، تَـرعَـاهَـا أَيَـادِيـنَـا

لاَ خَــوْفَ، لا فَـقـرَ، لا أَوجَـاعَ تَـسكُنُهَا
لا حَــربَ، لا مَـوتَ تَـرعَى خَـيْلُهُ فِـينَا

مَــا عَــادَ يَـشغَلُنِي مَـا قِـيلَ مِـن زَمَـنٍ
أَضـحَـى الـتَّـنَائِي بَـدِيـلاً مِــنْ تَـدَانِينَا

رَسَـمـتُ يِــا أَنــتِ مَــا قَــد فَـاقَهُ لُـغَةً
بِـــلا غُـــرُورٍ، ولَـــم تَـعـجَـزْ قَـوَافِـيـنَا

سَـكَـبْتُ كُـلَّ أَحَـاسِيسِي عَـلَى وَرَقِـي
فــأَوْرَقَــتْ فِـــي فَـضَـاءَاتِـي أَفَـانِـيـنَا

يَـــومــاً وَعَــــدْتُ إِذَا وَلَّادَةٌ رَجَــعَــتْ
إِلَـــى الـحَـيَـاةِ لَـجَـاءَتْ كَــي تُـحَـيِّيِنَا

والـيَومَ وَفَّـيتٌ وعداً قَد قَطَعتُ عَلَى
نَـفسِي، وعَارَضْتُ مَا قَد كَانَ يُشجِينَا

15/2/2018م

اقرأ باقي العدد ١٥

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى