سلسلة مقالات من أجل أبنائنا : المقال السابع ” رؤية عميقة لبناء الانسان ” بقلم د. سعاد عبد السميع حسين
سلسلة مقالات من أجل أبنائنا : المقال السابع ” رؤية عميقة لبناء الانسان ” بقلم د. سعاد عبد السميع حسين
أبناؤنا أمانة عندنا، ودورنا موجهين وميسرين لهم، فهم لا يتوقون إلى أهل كاملين بل إلى أهل يطمحون أن يصبحوا أشخاصاً أفضل!!
بناء الإنسان يحتاج دائما الي رؤية عميقة
هناك فرق كبير بين شخصية الطفل الذي يستجاب لاهتماماته واحتياجاته، وبين الطفل الذي لا يلقي هذا؛ فنجد تعطشه لطلب الإنتباه والإهتمام لديه مستمر معه مدي الحياة. والخطورة هنا تكمن في الأم المُرهقة، والأب العصبي والمعلم المؤدي عندما لا يستطيعوا تلبية إحتياجاتهم وتعليمهم الصواب والخطأ بالشكل المطلوب، وبالأسلوب المناسب لهم في مرحلتهم العمرية.
مرحلة التكوين.. مرحلة خطيرة تتضح فيها معالم الشخصية
السؤال الأهم هنا لو تأملنا في المؤثرات التي تحدد شخصية الطفل نجدها كثيرة وهي مستمرة منذ بداية حياته، فماذا عن مرحلة ما بين سن السابعة وقبل مرحلة المراهقة؟
- هذه المرحلة أخطر مرحلة تربوية؛ لأنها تعتبر مرحلة الغراس – تبدأ تنغرس في الطفل مرحلة التكوين وبداية غرس القيم، ويتم تشكيل معظم معالم شخصيته- وهنا المتابعة مهمة – متابعة لفكر الأطفال وما يشاهدونه وما يفكروا فيه لأنهم يرون ثقافات مختلفة؛ كما يتطلب الأمر متابعة منزلية للأطفال أثناء اللعب بالمنزل، ومع الأقارب – وهذه المرحلة تتميز بالتفرد والإبتكار ونمو الذكاء بالممارسة، ويتم تشكيل العادات المكتسبة.
مرحلة السن الإجتماعي والتحولات.
- يقال إنها فترة السن الإجتماعي؛ فيها يمر الطفل بمتغيرات ومتحولات في عدة جوانب قيل إنها قد تصل إلي 22 متغير في النواحي الإجتماعية، اللفظية، النفسية، المهارية، السلوكية، الغذائية، والهرمونية. هنا من المهم أن يتعلم أشياء جديدة، وأن يتعامل مع الآخرين ليشعر بالتقبل الإجتماعي، ومن خلال تفاعله تتبلور صورته عن ذاته بالرضا.، أو عدم الرضا إذا ما قوبل بعوامل قاسية أو بالرفض فيشعر بالألم والأذى النفسي.
- وجدير بالذكر هنا أن التجربة الحقيقية تنقل لهم من خلال المشاهدة؛ فعلينا ألا نتحول إلي مصدر أوامر فلا نقول افعل ولا تفعل ولكن من خلال المشاهدة والمحاكاة – بمعني الإدراك القول لا يؤدي إلي الإدراك النضج – وكما ذكرنا في المقالات السابقة أن الأبناء يتعلمون بالقدوة فهم يفعلون ما يرونه أكثر مما يسمعونه.
وقفات تربوية.. ورسالة للوالدين والمؤسسة التربوية
- انتبه إلى الثبات في معاملة الطفل.
- من المفيد حتى لا يقع الطفل في صراع ، ألا يختلف الوالدان علي أمر ما- يأمر الأب بشيء أو يوافق على أمر ما وتلغيه الأم أو تعترض على نفس الأمر، والعكس بالعكس – فهنا نضع الطفل في صراع أيهما صواب وأي منهما يطيع.
- يجب التأكيد على عدم استمالة الطفل لطرف أحدهما؛ حتى لا نعزز لديه َقيمة الولاء لشخص وليس لكيان الأسرة – فإذا كان الإختلاف في أسلوب التربية أول ما يجمعنا ستبقي التنشئة السليمة آخر ما نراه.
- الجدية والحزم مطلوبة؛ فمن الهام ألا نأمر الطفل بشيء ثم نتراجع عن هذا الأمر حتى لا يعتاد على عدم الجدية في أوامر الوالدين.
- من المهم أن نتجنب هذه السلبيات.. الأم، الأب، والمعلم .
- المقارنة : لا نقارن الطفل بأخوته، زملائه، أقاربه والآخرين؛ فهذا يفقده ثقته بنفسه وبمن حوله ويقلل عزيمته وهمته عن إنجاز أي عمل.
- الفصل بين ذات الطفل وأفعاله. فلا تنتقده بإستمرار، وإذا أخطأ لا تنتقد شخصيته بل انتقد سلوكه، ووضح له عواقب الخطأ حتى يعرفه ولا يكرر الخطأ. فأنت موجود في حياته حتى يجرب، فيخطئ، فيتعلم، فيصحح، فينضج. مثال للتوضيح: (لو افترضنا أنه سمع وهو طفل باستمرار عبارة: «أنت فاشل»، فتسربت هذه الفكرة إلى عقله اللاواعي، وفي وقت لاحق عندما يحاول الطفل أن يفعل شيئاً ويفشل فيه تنبثق هذه الفكرة في عقله من جديد «أنه فاشل». فقد لا يذكر حتى من أين جاءت الفكرة. ففي وقت من الأوقات أصبحت هذه الفكرة المحدودة في عقله قناعة، وبسببها يؤثر هذا على جهده وتركيزه وإنجازاته… فما يعيشه الطفل في عقله يصنعه.
- العمل سوياً على تنمية تقديره لذاته؟ الأب، الأم، والمعلم
- لغة التواصل الصحيح مع الطفل والاستماع (مفعول سحري)؛ فأنصت إليه واسمعه وافهمه عندما يتحدث حتى لو كلام بسيط يساهم هذا في بناء ثقته وتقديره لنفسه.
- الاستقلالية. أعقد الاتفاقات مع الطفل ولا تمنعه من الإعتماد على النفس حتى لا نعلمه الاتكالية؛ وعلينا دائماً مساعدته على اتخاذ قرارات في حدود قدراته ماذا يأكل، ماذا يلبس وتحديد ألوان ملابسه، وماذا يلعب، والمشاركة في الأنشطة المناسبة له.
- قدر مجهوده وأي عمل يقوم به، أو ينجزه بغض النظر عن النتيجة، لأنه حاول فلابد أن نقدر عمله ونعزز مجهوده.
- الحفاظ علي أمنه النفسي : لا نحطم إرادة الطفل حتى نجعله يطيعنا دائماً، فلا نلجأ لتخويفه فهذا يجعله جباناً، كما يدمر ذلك أمنه النفسي والداخلي حتى حينما يكبر.
- الطفل لا يتعلم إلا بالحب، فهو يحاكي من يحب، وأنتم الجسر والقناة لبناء شخصيته وتربيته وتعليمه؛ فاجعله قريبا منك لبناء شخصيته؛ ولذا مهم قبول الطفل وإظهار المحبة غير المشروطة، والتعبير عن حبك له.
- حقيقة تربوية.. الطفل لا يمكن أن يطرأ تحسن على سلوكه السيء، إذا فقد الاحساس بقيمته وكان تقديره لذاته متدني.
كلمة أخيرة لكل منا. أننا في اليوم الواحد من الصباح حتى المساء تعترينا انفعالات وأحاسيس ومشاعر إيجابية ثم سلبية ثم إيجابية وهكذا؛ لذلك مهم جدا أن نتعلم كيف نتحكم بمشاعرنا وأحاسيسنا لكي نضبط انفعالاتنا في التعامل معهم في هذه الفترة حيث تتشكل فيها معالم شخصيتهم.. فعود لسانك على الكلمة الطيبة والكلمات المتفائلة، وحاذر من ضراوة اللغة المتشائمة التي كثيرا ما تطل بشكل عفوي عبر عبارات دارجة على اللسان، فالحياة أحوج ما تحتاج إلى همة عالية، ونية صافية ومثابرة صادقة وخاصة مع أهم مخلوق لدينا.
بهذا، يمكن القول إن بناء الانسان يحتاج إلى رؤية عميقة، والرعاية والإهتمام الذي يكبر مع الطفل يظل مخزنا في اللاواعي؛ وعلى أساسه تبنى كل علاقتنا معهم ويؤثر ذلك عليهم في علاقاتهم مع الآخرين؛ فالعقل الباطن يحاكي ضمنيا النمط الذي تبرمج عليه في كل العلاقات القادمة في جميع مراحل حياتهم. فهم أمانة عندنا ومن أجلهم لابد أن نصبح أفضل.
انتظرونا … ومعا خطوة بخطوة من أجل أبنائنا
تحياتي.. دكتورة/ سعاد عبد السميع حسين