أمنيات ضائعة …قصة قصيرة بقلم عبد الأمير عبد الأمير
أمنيات ضائعة …قصة قصيرة بقلم عبد الأمير عبد الأمير
خدشت هدوء القرية صباحاً، تلك الزغاريد التي انطلقت مدوية من بيت جيراننا، بعد أن تُعَافَى ولدهم على يد الشيخ (X) من مرض أَلمَّ به منذ أسبوع، كما تؤكد أمه، بعد أن عجز الأطباء عن مداواته، هو ذات الشيخ الذي بَشَّرَ (قبيلة) بالحمل بعد أن اتهموها بالعقر، الأمر الذي تناقلته قريتنا بسرعة انتشار النار في الهشيم، مع أن قريتنا لا تملك أياً من شبكات الإنترنت الحديثة، وتخلفها وفق تصورات المدنية الحديثة، لكنها تفوق سرعة ال 4G بأضعاف مضاعفة، في نقل الأخبار، وهنالك عناصر مهمتها هذه الوظيفة، وتقوم بها مجانا، ومثل هذه الأخبار تتصدر العناوين، لأنها (مطلباً للعديد) من المرضى، ولكل من يعاني الهم والضجر، وللعازبات والمطلقات، والمشكلات العائلية، ولجلب الحبيب، والتحكم في الزوج، وفي قريتنا الصغيرة الشيخ لديه الحلول السحرية لكل هذه المعضلات.
غالبا ما تقوم بعملية نقل هذه الأخبار نساء متخصصات في تنميق الخبر وتلميعه، وقد تقوم بالتحليل ومراجعة التاريخ والأخبار الماضية لتأكيده، ونقله بطريقة مشوقة للنساء اللائي يقمن بدورهن في توحيد المعلومات لتعلن على العائلة في نشرتي أولاهما بعد الغداء، والثانية بعد العشاء، بينما يتناول أفرادها أقداح الشاي، مع فسحة للأخبار العاجلة قبل النوم إن وجدت، بدءاً من أخبار السوق، مرورا بأخبار القابلة زكية، ونتائج كشفاتها، وحتى انشقاق فاغنر في روسيا الاتحادية، وغالبا ما تنهي المُعلِنة، بعد أن ولغت في دماء الناس وأعراضهم، بقولها:
‘استغفر الله العظيم، ما علينا، خيه لا تگولين فلانة گالت”.
ويأتيها الرد بسرعة البرق :
” خيه سرچ ببير”.
وقبل غروب شمس ذلك اليوم تجد أن القرية كلها اجتمعت في بئر واحدة.
ومن اليوم التالي بدأت تتوجه حافلات الركاب الصغيرة، بعد اتفاق عدد من النساء والرجال حاملين ما تجود به بيوتهم من دجاج وبط وزيوت وسلال الخضروات والغلة، بالإضافة إلى المال، الذي يمنحونه للكشف، على أن يعودوا بغنيمة أكبر أو كمية كبيرة من المال، كقرابين للشيخ الجديد، في حال حَلَّت بركاته عليهم، أولئك المساكين يمكن لكلمة من الشيخ أن تغيرهم، أو أن تجعلهم يشعرون بالسعادة، تلك السعادة التي تصنعها نفوسهم بالأساس، ولم أُفلِح حتى في منع زوجتي، رغم حديثي المطول معها، وأن الله هو المعطي، وكوني من القلة القليلة التي حصلت على شهادة جامعية في القرية، وأن ذهابها يشكل دافعا للآخرين، فقد ذهبت حاملة النذور له، بدعوى أنها ليست أقل شأناً من فُلانة، بدأت حلول الشيخ تخلق الكثير من المشكلات، وترهق العوائل، بسبب ظروفهم المادية الصعبة، وزيادة طلباته المكلفة، لذلك قررت التوجه إلى مركز الشرطة وتقديم شكوى ضده، استمع الضابط إلى شكواي، وحينها طلب مني الذهاب مع المجموعة التي تتوجه إليه في المرة القادمة، لأعلمهم بموعد الرحلة والاتصال بهم عند الوصول، لمسكه بالجرم المشهود، وفي الطريق إلى الشيخ قررت أن أمارس عليهم بعض ألعاب الباراسيكولوجي، اعتمادا على معلومات خزين البئر الواحد، فأخبرت إحداهن إنها حامل بذكر، مؤكداً نبوءة القابلة، وأعلمت آخر بعودة ابنه الجامعي من بغداد بعد شهر واحد، لعلمي بانتهاء امتحاناته، وأخبرتهم بأني أتوقع أن الشيخ لن يكشف على معظمنا لسبب ما، هكذا حدثتني نفسي، وأن الشيخ لن يمارس عمله بعد اليوم، وأنهم سيرونه منكسراً ذليلاً، وصلنا دار الشيخ، وبدأ بعملية الكشف، كان ينبئهم بما سيحصل لهم في المستقبل، لكن المشعوذ لا يعلم أن العساكر الذين اتصلت بهم قادمون لاعتقاله في باحة منزله، أخرجوه مصفدا، وهو يرجو تركه واعداً بالتوبة، وسط ذهول الموجودين، نظر بعضهم إلى بعض، ثم ركز الجميع نظرهم نحوي، وتمسكوا بأذيالي قائلين : بركاتك يا شيخنا.
تمت