خروج بني إسرائيل من مصر القديمة …مقال بقلم سيد جعيتم -جمهورية مصر العربية
خروج بني إسرائيل من مصر القديمة …مقال بقلم سيد جعيتم -جمهورية مصر العربية
طرح على صديق سؤالاً: لماذا تركز في مقالاتك على المواضيع التاريخية؟
وكان جوابي مستنداً إلى الحكمة المصرية التقليدية: من لا ماضي له، فلا حاضر له.
إن الفهم الحقيقي للتاريخ لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الكلمة المكتوبة. فالكتابة عن التاريخ المصري ليست مجرد تسلية أو ترفيه، بل هي وسيلة لتأكيد الهوية المصرية العريقة التي تمتد عبر العصور، ومن خلالها نستطيع استشراف مستقبلنا، فلو لم يُدوّن التاريخ على البرديات، وعلى الخراطيش، وعلى الحجارة وجدران المعابد، لما وصل إلينا أي علم عن حياة أجدادنا، ولتعرض تاريخنا لخطر الضياع، كما أننا نشهد في عصرنا الراهن انحرافًا متعمدًا يسعى إلى سلب تاريخنا العريق. فتارة تُروج ادعاءات بأن بني إسرائيل هم من قاموا ببناء الأهرامات، وأخرى تشير إلى أن بناة الحضارة المصرية ينتمون إلى عوالم فضائية، كما أُنتجت أفلام بواسطة شبكة نتفليكس تشير إلى أن المركزية الأفريقية كانت وراء بناء حضارة مصر و يظهر الملكة المصرية كليوباترا ذات الأصول الأوروبية في الفيلم ولون بشرتها ( أسود)، ويتم أيضًا تداول صور مفبركة ومعدلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بهدف تضليل من ليس لديه إلمام بتاريخ بلاده.
في عام 2006، كتبت موضوعًا على صفحات منتدى لؤلؤة المشرق العربي أبناء مصر، عنوانه: الآية 92 من سورة يونس ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) وتمحور البحث حول شخصية فرعون موسى، حيث تطور الموضوع ليصبح محور اهتمام للعديد من المؤرخين، من بينهم الأستاذ معتز فطين، والأستاذ أحمد سعد الدين، والمهندس أحمد سيد، وغيرهم. واستمر النقاش حوله لعدة سنوات، مما ساهم في تشكيل رأي أحادي الجانب لي لا ألزم به أحداً حول شخصية فرعون موسى وخروج بني إسرائيل من مصر، وهذا الموضوع هو ما أعرضه أمامكم اليوم.
عند تناولي لهذا الموضوع، أؤكد أنني لا أقصد إثارة خلاف أو بلبلة، بل أهدف إلى توضيح رؤيتي الشخصية التي قد تختلف مع آراء العديدين، وأحترم جميع وجهات النظر.
خروج بني إسرائيل من مصر القديمة:
هناك تباين واضح وتضارب في الآراء حول هذا الحدث التاريخي، يتضح في
تعارض آراء بعض الباحثين في التاريخ مع ما ورد في الكتب السماوية بشأن دخول اليهود إلى مصر، حيث نفى بعضهم هذه الفكرة تمامًا، ومن بينهم باحثون يهود مختصون في تاريخ الشرق الأدنى القديم مثل زائيف هرتسوغ وإسرائيل فنكلشتاين. وقد أشار البعض إلى أن اليهود قد دخلوا مصر ولم يغادروها، وأن من خرجوا فعليًا هم الهكسوس، وهو ما أكده الدكتور وسيم السيسي أيضًا وأشار إلى أن اليهود لم يدخلوا حتى يخرجوا منها . كما أفاد بأن اسم إسرائيل لم يظهر في التاريخ المصري القديم إلا مرة واحدة، وذلك في لوحة النصر الخاصة بمرنبتاح، الابن الثالث عشر لرمسيس الثاني. ويدعي أيضاً أن إسرائيل هو تحريف لاسم قبيلة يسريار أو أوسريار. في هذا السياق، يذكر الدكتور عبد العزيز صالح، عميد كلية الآثار سابقاً، في كتابه تاريخ الشرق الأدنى ومصر القديمة أن قبائل يسريار كانت تقيم في جنوب الأردن، وتُعتبر غير معروفة المنشأ، ولم تقم بدخول مصر.
وأفاد الدكتور وسيم السيسي بأن الدكتور محمد حمزة، عميد كلية الآثار الحالي، توصل إلى أن عالماً فنلندياً قام بإجراء أبحاث ودراسات في منطقة جنوب اليونان وجزيرة كريت، حيث وُجد أن اسم يسريار يتكرر بشكل ملحوظ. وقد استنتج من ذلك أن ما ذكره مرنبتاح في أنشودة النصر يتحدث عن قبيلة من شعوب البحر من جزيرة كريت، وليس عن إسرائيل. وأشار أيضاً إلى أن دراسة الدكتور رمضان عبده تتوافق مع هذا الرأي. كما أضاف الدكتور زاهي حواس بأنه لاوجود لأي برديات تشير إلى بني إسرائيل في مصر.
وشطح البعض بعيدًا بأن مصرايم التي وقعت بها القصة التاريخية موقعها في شبه الجزيرة العربية، ومن الذين قالوا بهذا الرأي الدكتور كمال صليبا.
لكن الثابت عندي هو ما جاء في الكتب السماوية (القرآن الكريم والتوراة) أن بني إسرائيل دخلوا مصر عندما استقدمهم يوسف عزيز مصر في زمن المجاعة التي اجتاحت الدول المجاورة لمصر، بينما كانت الأوضاع في مصر أكثر استقرارًا،وعلى الأرجح كان دخولهم في الأسرة المصرية الثانية عشرة، والتي حكم ملوكها لمدة 189 عاماً (من عام 1991 – 1802 ق.م). وكان دخولهم في أواخر عصر حكم الملك أمنمحات الرابع (1772 – 1763 ق.م) الذي أعقبه حكم الملكة سبك نفرو، والتي حكمت لمدة خمس سنوات حتى عام 1759 ق.م. وظلوا في مصر حوالي 430 أو 440 عاماً، وخرجوا منها في عهد أمنحتب الثالث الذي حكم مصر في الفترة ما بين 1391 ق.م. – 1353 ق.م. أو 1388 ق.م. – 1351 ق.م. (هذه الرؤية خاصة بي ولا ألزم بها أحدا).
وفقًا لما ورد في التوراة، فإن عدد الذين دخلوا مصر مع نبي الله يعقوب تراوح بين 66 و75 فردًا، شاملاً الرجال والنساء والأطفال. وبعد مرور 440 عامًا، خرج هؤلاء، حيث بلغ عدد الرجال الذين خرجوا 600,000، ولا يشمل العدد النساء والأطفال، مما قد يرفع العدد الإجمالي بعد أضافتهم إلى نحو 2 مليون.
ومن الجدير بالذكر أن القرآن الكريم لم يتناول تفاصيل حول مدة بقائهم أو أعدادهم، إذ يُعتبر القرآن كتاب تبليغ ووعظ وحكمة أنزله الله ليرشد الناس إلى الحق ليقوموا باتباعه ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (231)- سورة البقرة.
وقد سجلت اعتراضي على التضخيم المفرط لعدد الذين غادروا مصر، بالمقارنة بعدد الذين دخلوا إليها مع سيدنا يعقوب والمدة التي قضوها فيها، حيث لا يمكن أن تصل أعدادهم إلى الأرقام المبالغ فيها سابقة الذكر. كما لا يمكننا تجاهل حقيقة أن فرعون كان يقتل الذكور من مواليدهم. وقد تناول ابن حزم هذه المبالغة في عدد من خرج منهم في كتابه الفصل في الملل والأهواء والنحل. بالإضافة إلى ذلك، وصف فرعون تجمع من تأهبوا للخروج بأنهم شرذمة قليلون: ( إِنَّ هَٰؤُلَلآءِ لَشِرذِمَة قَلِيلُونَ) (54) سورة الشعراء.
إذًا من خرجوا مع سيدنا موسي عليه السلام كانوا هم من أمنوا به وهم ذرية من قومه فقط: ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ ) (83) سورة يونس.
يحتفل اليهود بعيد خروجهم من مصر، المعروف بعيد الفصح أو عيد الفطير. ويجدر بالذكر أن الفترة التي قضتها بنو إسرائيل في مصر أدت إلى تحولهم من نمط حياة البدو ورعي الأغنام إلى نمط الحياة الحضرية، حيث اكتسبوا ملكيات خاصة ومناصب، مثل قارون على سبيل المثال، كما أفترضت أن أخت سيدنا موسى كانت تعمل في قصر الفرعون، مما سهل عليها دخول القصر بدون اعتراض من الحراس، لتتمكن من الإشارة إلى أمها لإرضاع الطفل موسى.
وبما أن طبيعة اليهود تجعلهم لا يتخلون عما يمتلكونه، فإن العقل والمنطق يوجهان إلى أن من الصعب عليهم ترك أموالهم وممتلكاتهم في مصر، واكيد قد حدثت مصاهرات بينهم وبين الشعب المصري نتج عنها ذرية، وذاب من تبقى منهم داخل الشعب المصري. كما ذابت كثير من الجماعات، مثل الأكراد الذين حضروا برفقة صلاح الدين الأيوبي وعاشوا في مصر، والتتار الذين هربوا من حكم هولاكو واستوطنوا في منطقة الحسينية بالقاهرة.
وأدلل على حسن الجوار وكرم المعاملة من الشعب المصري تجاههم ، وأن بني إسرائيل الذين عاشوا في مصر لم يكونوا جميعاً مستعبدين. فقد كان الذين تعرضوا لمعاملة سيئة منهم الخونة الذين تعاونوا مع الهكسوس، والعلاقة الطيبة بين الطرفين مكنت بني إسرائيل من استعارة الذهب والمجوهرات من المصريين لتزيين أنفسهم في أحد أعيادهم، قبل أن يقوموا بالاستيلاء عليها.
،تقول التوراة (فحمل الشعب عجينهم قبل أن يختمر ومعاجنهم مصرورة فى ثيابهم على أكتافهم . وفعل بنو إسرائيل بحسب قول موسى، طلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثياباً، وأعطى الرب نعمة للشعب فى عيون المصريين حتى أعاروهم . فسلبوا المصريين).
نعود إلى قصة خروج سيدنا موسى عليه السلام وأتباعه، وتجدر الإشارة إلى أن هذه القصة لم تُسجل في البرديات أو الخراطيش أو تنقش على الحجارة أو على جدران المعابد. فقد اعتبر غرق الفرعون وجنوده هزيمة، وكان المصريون القدماء لا يسجلون سوى انتصاراتهم وأمجادهم. كما أنه لم يتم العثور على أي ذكر لقصة يوسف عليه السلام في الآثار المصرية. ويشير الأستاذ سليم حسن إلى أن يوسف، بالرغم من مكانته الرفيعة في حكومة الفرعون، لم يتجاوز كونه وزير مالية فقط.
ووفقاً لما يُقال، فإن كل عمل عظيم يُسجل على مر التاريخ كان لا بد من نسبته إلى الملك أو الفرعون، وذلك لتعظيمه والإشادة بذكره.
وفي كتاب توت عنخ آمون ومؤامرة الخروج، تأليف العالمين الإنجليزيين أندرو كولنيز وكريس هيراليد، وترجمة دار العلوم للنشر، يُذكر أن هوارد كارتر، مكتشف مقبرة توت عنخ آمون، قام بسرقة وإخفاء بردية تحتوي على معلومات كان من الممكن أن تغيّر خريطة الشرق الأوسط. وتُشير الوثائق إلى أن هذه البردية تتضمن قصة خروج بني إسرائيل، بأسلوب وأحداث تختلف تماماً عن تلك المذكورة في التوراة.
في بحثي الذي أشرت إليه سابقًا، ذكرت أن عبور سيدنا موسى عليه السلام مع المؤمنين الذين آمنوا به من قومه بدأ من بحيرة المنزلة، حيث استمروا بعد عبورها في السير لمدة ثلاثة أيام قبل أن يعبروا إلى سيناء. تتماشى هذه الرؤية مع ما ورد في التوراة.
ولا يمكن تناول موضوع بني إسرائيل في مصر دون الإشارة إلى لوحة الأسطورة المعروفة باسم لوحة بني إسرائيل، التي تُحفظ في المتحف المصري تحت الرقم 34025. هذه اللوحة هي إحدى الألواح الصخرية التي اكتشفها عالم الآثار الفرنسي سير فرناند بتري عام 1896 في خرائب معبد مرنبتاح بمدينة طيبة (الأقصر).
وكان الفرعون أمنحتب الثالث قد قام بنصب اللوحة في معبده الجنائزي الكائن في البر الغربي من طيبة، حيث تحتوي واجهتها الأمامية على نص يسجل إنجازاته المعمارية خلال فترة حكمه (1395-1363 ق.م). وبعد حوالي مائة وخمسين عامًا، نقل الملك مرنبتاح، أحد فراعنة الأسرة التاسعة عشر، هذه اللوحة إلى معبده الجنائزي. وتم تسجيل نص آخر على ظهرها أثار جدلًا وخلافًا حول هوية فرعون موسى. ففي السطرين السادس والعشرين والسابع والعشرين، وردت عبارة واحدة كانت غريبةً للغاية، وقد ترجمها معظم علماء الآثار الغربيين، وتبعهم في ذلك العديد من العلماء المصريين.
وتم تسجيل نص آخر على ظهرها أثار جدلًا وخلافًا حول هوية فرعون موسى. ففي السطرين السادس والعشرين والسابع والعشرين، وردت عبارة واحدة كانت غريبةً للغاية، وقد ترجمها معظم علماء الآثار الغربيين، وتبعهم في ذلك العديد من العلماء المصريين.
وكانت بعض ترجماتهم كالتالي:
قوم إسرائيل قد اتلفوا، وليس لديهم غلة أو بذر (عالم الآثار الفرنسي فرناند بتري.)
لقد أبيدت إسرائيل واستؤصلت (عالم الآثار الأمريكي جيمس هنري برستد.)
إسرائيل أقفرت وليس بها بذرة (عالم المصريات البريطاني سير ألان جادنر.)
إسرائيل صار خراباً وقطع دابره (ترجمة الباحث العربي فراس السواح).
إسرائيل مدمرّ، بذرته لم تعد موجودة (ترجمة العالم في الكتاب المقدس وعالم اللاهوت توماس طمسن والباحثة في الكتب المقدس إنغريد هيلم).
ويسرني أن أحد الباحثين قد تبنى وجهة نظري بشأن أعداد اليهود ومكان عبورهم، وقد نشر بحثه قبل يومين. وللأسف، لم أتمكن من نسخه لعرضه.
آمل أن يكون مقالي قد أسهم في تقديم معلومات جديدة.