العدد الثالث : بين “عقاب صلاح الدين ” و” نسر محمود درويش ” … اللوحة بريشة د. أنوار القمري
لوحة الغلاف بريشة الفنانة د. أنوار القمري
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
المقالات
الصحافة والسلطة … بقلم – أشرف الجبالي رئيس التحرير
لا شك أن وسائل الإعلام حاليًا هي الكيان الأقوى والأعظم ، فهي تتحكم في عقول وألباب الجماهير ، وخاصة مع التطور التكنولوجي الهائل .
وفي ظل وجود الشبكة العنكبوتية ، أصبح الإعلام هو المتحكم والمهيمن على المزاج العام و قادر على توجيه دفة الأحداث والتأثير في الرأي العام ، وكسر حالة الجمود و الصمت ، وربما تغيير ثقافة وفكر المجتمع من خلال تبنيه لقضايا بعينها وتسليط الضوء عليها ومن ثم تحويلها إلى رأي عام .
ولا يخفى على أحد ما قام به الإعلام في ثورات الربيع العربي ، فقد أطاح بأنظمة وقادة ومَكَّنَ آخرين ٠
وقد أُطلِق على الصحافة لقب صاحبة الجلالة ، والبعض أيضا يسميها السلطة الرابعة ، ولعلَّ هذه التسمية الأخيرة تعود إلى القرن ال ١٨ وال ١٩ … عندما تحدث المفكرالبريطاني ” ادموندبروك ” في إحدي جلسات البرلمان البريطاني قائلا : “هناك ثلاث سلطات تجتمع هنا تحت سقف البرلمان بينما في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهم منكم جميعا ” . فالإعلام يحظى بسلطة افتراضية يستمدها من الرأي العام ، بموجبها تُمكِّنهُ من التدخل في أعمال السلطات الثلاثة لمراقبة آدائها ، وأنا شخصيا أرى لكي تكون الصحافة سلطة رابعة لابد أن تكون مستقلة حسب مبدأ الفصل بين السلطات ، فكيف تكون مستقلة وهي خاضعة للسلطة التنفيذية ؟ والصحفيون خاضعون لقوانين الرقابة والمطبوعات والنشر ؟ وبالتالي ليس هناك استقلالية !!!
الصحافة يا سادة هي رحلة البحث عن الحقيقة للوصول إلى صدق الخبر أو الموضوع ، والصحفي هو لسان حال المجتمع ، فهو إنسان ثائر مشتبك دائما مع الواقع في محاولة لتغييره إلى الأفضل . والكتابة عملية ولادة مضنية قد تتم بصورة طبيعة ، وقد تحتاج لمشرط طبيب ، وقد تستلزم جراحة قيصرية .
علينا أن ندرك أن الصحافة هي إحدى أدوات نقل المعرفة للمجتمع ، وهى وسيلة من وسائل تقدم الأمم ، وكذلك هي ضمير المجتمع وصوته الجهور وقلبه النابض ، شريطة أن يتوافر الضمير اليقظ . والصحفي هو لسان حال الأمة ؛ وتقييد حرية الصحفي هو تقييد لحركة المجتمع وتطوره ونموه ، فعندما يتراجع دور الصحفي في المجتمع يتراجع معه كل شيء ؛ فلا رقابة ولا محاسبة ولا مراجعة ولا حتى شعور من المواطن بأن هناك من يحسن التعبير والعرض لمشاكله .
و أخيرا لكي نحافظ على هذه المهنة ؛ لابد أن نحرر الصحفي من القيود التي تمنعه من ممارسة مهنته ، ومن القوانين التي تكبل حريته وحركته ، حتى يصبح فعلا ضمير عصره ووطنه وشعبه
رئيس التحرير
أشرف الجبالي
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
بنجلاديش … الوعي و التاريخ بقلم د. أحمد دبيان- المشرف العام لجريدة على باب مصر
حين يشرع المحتجون فى بنجلاديش فى تحطيم تمثال الشيخ مجيب الرحمن وهو لمن لا يعلم المؤسس الفعلى لبنجلاديش أو باكستان الشرقية سابقا بالتأكيد حادث جلل . وهو إن دلّ على شئ فإنما يدل على حالة الكفر التى تعانى منها الشعوب تجاه ثوابتها التاريخية ، وهو كفر ناجم عن الجهل البيّن والعجز عن تشخيص المراحل التاريخية وتطورها ، وإمكانية التحديد الفعلى لمكامن الأزمة، و أسبابها وتوابعها.
ولمن لا يعلم الشيخ مجيب الرحمن والمعروف شعبيًا بالبادئة الشرفية بانغا باندو (و تعني حرفيًا صديق البنغال)
برز مجيب ناشطًا طلابيًا في مقاطعة البنغال خلال السنوات الأخيرة من الحكم البريطاني ، وكان عضوًا في رابطة مسلمي عموم الهند. وفي 1949 : كان مجيب جزءًا من فصيل ليبرالي وعلماني ويساري أصبح فيما بعد حزب رابطة عوامي. وفي خمسينيات القرن العشرين : انتُخب مجيب لعضوية البرلمان الباكستاني ، حيث دافع عن حقوق البنغال الشرقية ، وارتدى البدلات وربطات العنق ، ووصف بأنه لبق وحسن المظهر. وبحلول ستينيات القرن ذاته : تحول مجيب إلى الزعيم الوطني لباكستان الشرقية ، بمعطف مجيب المميز وفصاحته المؤثرة. وأصبح مشهورًا بمعارضته للتمييز السياسي والعرقي والمؤسساتي ، وقيادة حركة الحكم الذاتي المكونة من ستة مطالب ، وتحدي نظام المشير أيوب خان.
وفي 1970 : قاد مجيب رابطة عوامي للفوز بأول انتخابات عامة في باكستان. وعندما رفض المجلس العسكري الباكستاني نقل السلطة ؛ ألقى خطاب السابع من مارس وأعلن حركة الاستقلال.
و خلال حرب التحرير البنغلاديشية عام 1971 : أعلن مجيب استقلال بنغلاديش. وأعلن القوميون البنغاليون مجيب رئيسًا للحكومة المؤقتة في بنغلاديش، بينما كان محتجزًا في سجن في باكستان الغربية. عاد بطلًا إلى بنغلاديش في يناير 1972.
كان الشيخ مجيب، بصفته شعبويًا، أحد أكثر القادة الجذابين في العالم الثالث في مطلع سبعينيات القرن العشرين.
أمضى مجيب أكثر من 12 عامًا ونصف من حياته السياسية في السجن أثناء الحكمين البريطاني والباكستاني.
ونجح في تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع معظم دول العالم، باتباع سياسة الصداقة تجاه الجميع وعدم الحقد على أحد. ووقع معاهدة صداقة مع الهند، وانضم إلى الكومنولث ، وحركة عدم الانحياز ، ومنظمة التعاون الإسلامي، وعارض نظام الفصل العنصري وأرسل وحدة طبية عسكرية خلال حرب أكتوبر.
يشمل إرث مجيب دستور بنغلاديش العلماني ، وتحويل جهاز الدولة في باكستان الشرقية والبيروقراطية والقوات المسلحة والقضاء إلى دولة بنغلاديش المستقلة.
ألقى أول خطاب بنغالي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974.
شكل نظام مجيب الذي دام خمس سنوات الفترة الاشتراكية الوحيدة في تاريخ بنغلاديش. وفي 1975 : أقام مجيب الرحمن نظام دولة الحزب الواحد، الذي استمر سبعة أشهر حتى اغتياله.
لا يزال إرث مجيب مسببًا للانقسام بين البنغاليين بسبب الأزمة الاقتصادية، ومجاعة بنغلاديش عام 1974، وانتهاكات حقوق الإنسان، والاستبداد. وقد اتُهمت رابطة عوامي بتشجيع حالة من عبادة الشخصية حول مجيب. لكن معظم البنغاليين ينسبون الفضل إلى مجيب في قيادة البلاد إلى الاستقلال عام 1971.
وفي استطلاع رأي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية عام 2004، أُجمع بالتصويت على مجيب باعتباره أعظم بنغالي في كل العصور ، واحتل المرتبة الأولى في القائمة.
بنجلاديش حاليا تتبنى اقتصاد السوق والنيو ليبرالية كنظام اقتصادى ، بعكس الشيخ مجيب وتوجهاته الاشتراكية .
بنجلاديش حاليا لديها معدل نمو بلغ 7.2٪ عام ٢٠٢١ و تعد واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم.
صناعة المنسوجات متطورة جدا فيها ومعظم مصانع الشركات العالمية تنتج منتجاتها هناك .
ولكن ، ولأن المنافع فى اقتصاديات النيوليبرالية لا تمس إلا شريحة ضيقة من الشعب ، وهى لا تلقى بالا للأبعاد الإجتماعية للشعوب ؛ انتهى الحال بالمشهد الدموى فى بنجلاديش وهروب ابنة الشيخ مجيب التى تاجرت بإرث والدها المؤسس؛ فدمرته ، وانتهينا لمشهد الكفر الشعبوى بكل الثوابت التاريخية .
معضلة الجماهير حين تثور دون حاضن أيديولوجى ، وأن ينتهى بها الحال لهبات واضطرابات لا تستطيع أبدا الفصل والتمييز التاريخى ؛ لينتهى الحال دوما بردَّاتٍ ثورية يمينية تطحن الفقير الذى ثار يوما أملا فى حال أفضل .
رحم الله الشيخ مجيب ولعن كل من تاجروا باسمه ودمروا سيرته.
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
في المسافة بين “عقاب صلاح الدين ” و” نسر محمود درويش “
رؤية فكرية في سياق تاريخي بقلم د. آمنة الهجرسي – المستشار الأدبي لجريدة على باب مصر
تمهيد :
من أكثرالشخصيات التاريخية التي يعشقها الجميع بلا استثناء شخصية الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي التكريتي ؛ ذلك أنه أعاد للإسلام هيبته بعد فترات الضعف التي انتابت رأس الخلافة في بغداد من جهة وتناحر الأمراء والقواد وتكالبهم على امتلاك أكبر قدر من الأراضي لحكمها وظهور ما يسمى بـ ” عصر الدول والإمارات ” من جهة أخرى…..
حرر صلاح الدين معظم الأراضي الفلسطينية واللبنانية التي استولى عليها الصليبيون في أواخر القرن الحادي عشرالميلادي مستغلين ضعف الأمة في ذلك الوقت ، وكانت معركة حطين العظيمة التي فتح المسلمون فيها بيت المقدس بمثابة الإعلان الكبير لعودة وحدة الصف من جديد حيث هُزم جيش بيت المقدس هزيمة نكراء وقتل صلاح الدين المارق أرناط أو رينو دي شاتيون الذي وصلت به الجرأة والتبجح إلى الحد الذي حاول فيه نبش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ومهاجمة قوافل الحجيج وقطع الطرق عليهم …
وهكذا استمر النضال والتأهب لمواجهة الخطر القادم من الغرب في عصر الدولة الأيوبية وما تلاها من عصور وبخاصة عصر المماليك حيث تصدى المسلمون هذه المرة لطوفان المغول المدمر القادم من الشرق في معركة ” عين جالوت ” الشهيرة بقيادة السلطان المملوكي الأول المظفر
قطز ” محمود بن ممدود بن خوارزم شاه ” ….
كانت الرايات الإسلامية وبخاصة الراية الصلاحية تتقدم الجيوش في الصف الأول وكانت ترمز إلى القوة والشجاعة وتحمل إلى العدو رسالة مفادها القدرة على الفتك والانقضاض في ثقة تماما كما يفعل العقاب سيد الصقور قاطبة …
بمرور الوقت تسلل الضعف مرة أخرى إلى كيان هذا العالم الإسلامي الكبير مترامي الأطراف ، لم يعد أحد يرفع راية صلاح الدين … لم تعد الراية الصلاحية – بأهدافها التي انطوت عليها – تتصدر المشهد في الميادين … تُرى ماذا حدث للطائر الذي كان يتوسط الراية الصفراء في شموخ وعزة ؟!!! كيف اختفى في ظروف قد تبدو غامضة ؟!!!!
لطالما شغلني هذا الشعار ” نسر صلاح الدين ” وكثيرا ما كنت أتساءل في تعجب : لماذا يشير الناس إلى الطائرالذي يتوسط الراية الصلاحية بـ ” النسر ” ؟!!
النسر ليس شعار الراية الصلاحية أبدا ، وإنما هو العقاب سيد الصقور ، وهو يرمز للنبالة والشرف والشجاعة ، والعلماء المختصون بعلوم الحيوان وبخاصة الطيور يفرقون بدقة بين النسور والصقور بصفة عامة ، حيث أن النسور في طبيعة تكوينها طيور قمّامة تقتات على الجيف وما يتبقى من صيد السباع في الغابات ونادرا ما تصطاد بنفسها فرائس طازجة خالية من البكتريا وسائر الانتان ، وهذا هو السبب في كونها صلعاء الرأس بلا ريش يكسوه كما هو الحال في سائر فصائل الصقور … أما الصقور فهي لا تأكل إلا طازجا من صيدها فهي شريفة وهي حرة لا تقبل الخضوع ولا يتم تطويعها وتكليبها – أي الصيد بها في البرية من قبل البشر- إلا بصعوبة بالغة وما أكثر الصقور التي ماتت كَمداً بعد أسرها … أقوى أنواع الصقور هو العقاب سيد السماء بلا منازع ، وهو نفسه الطائر ذي اللون الأحمر القاتم الذي يتوسط الراية الصلاحية صفراء اللون في مقدمة الجيوش الرادعة والمدافعة عن الأرض والعرض في عصر الدولة الأيوبية وما تلاها من عصور حتى سقوط دولة المماليك على يد السلطان سليم الأول رأس الدولة العثمانية في تلك الأوقات …
إذن فنحن أمام خطأ في التسمية التي درج الناس في عصرنا هذا على تداولها فيما بينهم لأسباب قد يطول شرحها في هذا البحث المصغر …
من جهة أخرى انتابني التعجب من استخدام بعض الأدباء والشعراء – من مشاهير هذا العصر – في نصوصهم الشعرية ومتونهم النثرية للـ ” النسر ” كرمز رغم علمهم – وهذا أكيد لأن مؤلفاتهم تعكس سعة اطلاع كبيرة – بعيوبه البيولوجية وصفاته الغير محبوبة !!! … ومع قليل من التركيز وإمعان النظرفي بعض هذه النصوص اكتشفت أن هذا الرمز له إيحاءات معينة ومقصودة جدا وهي مستوحاة من فصيلة بعينها من فصائل نسور العالم الجديد التي تقطن أعالي الجبال كنسر الـ “كوندور” في جبال الإنديز في أمريكا الجنوبية وهو طائر ضخم أصلع الرأس والعنق ، عريض الجناجين فقد يصل عرضهما معا إلى ما يزيد عن ثلاثة أمتار عند التحليق وهو يعشق سكنى المرتفعات الشاهقة لأنها تعين جسده الضخم على التحليق حيث الرياح العاتية والأفق المتسع بلا عوائق ، وهو قادر على التحليق فوق قمم الجبال لساعات طويلة كما تذكر بعض المصادر … وهو من الطيور المعمرة ، فقد يصل عمره من 50 إلى 100 سنة في الأسر ، وهو لا يرتبط إلا بزوجة واحدة مدى العمر ، وقريب من هذا النسر ” نسر كاليفورنيا ” أو “كوندور كاليفورنيا ” في أمريكا الشمالية ، وهو يتحد معه في صفة مشتركة مهمة جدا وهي أن كلاهما نادر ومهدد بالانقراض وكلاهما يعشق بناء أعشاشه على حافة المرتفعات المنحدرة ويعشق العزلة ولا يترتبط بأنثى أخرى غير أنثاه …
هذه الصفات السابقة تحديدا – في رأيي المتواضع – هي ما تم توظيفه بشكل رمزي في الأدب العربي الحديث فعلى سبيل المثال نجد أن روائية كبيرة مثل ” أحلام مستنغماني” قد وظفت هذا الرمز ” النسر الوفي ” في أكثر من عمل من أعمالها الروائية مثل ” نسيان دوت كم ” و ” شهيا كفراق” ، أما الوحدة والميل للعزلة وعشق التحليق لساعات وساعات في أعالي السماء فهي الصفات التي لمحتها في نصوص المتفرد الرائع ” محمود درويش ” وبخاصة في قصيدته ” لاعب النرد ” وغيرها .. ولازلت أضع علامات الاستفهام …. لماذا هذا التوظيف تحديدا ؟ أين ذهب العقاب يا محمود درويش ؟!!!!
تحت راية العقاب :
قد يعتقد البعض أن الطائر الذي حملته الراية الصلاحية الصفراء كان يمثل شخصية صلاح الدين الأيوبي منفردا وهذا اعتقاد خاطئ ؛ فقد كان صلاح الدين رجلا فطنا أدرك من اللحظة الأولى لتسلمه مقاليد الإمارة في مصر حجم المسئولية الخطيرة الملقاة على عاتقه ؛ فقد كانت مصر لاتزال تعاني – وقتها – من بقايا حكم الفاطميين لها وما حمله هذا الحكم من خلل عقدي وأفكار مغلوطة حرص الفاطميون على دسها وتعليمها للناس في مختلف أنحاء مصر ، وقد أسّس الفاطميون الجامع الأزهر لهذه المهمة تحديدا ، وعملوا على نشر مذهبهم الشيعي على أوسع نطاق من خلاله ، فما كان من صلاح الدين إلا أن أمر بإغلاق الجامع الأزهر ، وعمل جاهدا بمساعدة العلماء المخلصين ، وبعد مشاورة الحكماء الأخيار في مجلسه على إعادة تصحيح العقيدة ونشر المذهب السني وأعاد للناس زيادة الوعي بأهمية الذود عن أراضيهم وأنفسهم ضد الخطر القادم من الغرب عبر استخدام وسائل الإعلام العصرية في ذلك الوقت متمثلة في مجموعة من الشعراء والكتاب الأفذاذ ورجال العلم والدين المخلصين ، أي أنه بدأ بإعداد الأفهام والعقول وإعادة تربيتها تربية عقدية واعية سليمة قبل كل شيء ؛ حتى يسهل إعدادهم للمهمات الكبرى …
ولماذا كتبت ” زيادة الوعي ” لأن الوعي بأهمية الذود عن البلاد والأعراض كان بالفعل موجودا لدى جميع الناس في كل الإمارات الإسلامية في تلك الأوقات العصيبة من تاريخ الأمة العظيم ؛ لكنهم كانوا بحاجة إلى راية تتوحد الصفوف والأهداف تحتها ، كانوا بحاجة إلى رؤية أشد وضوحا تسلط الأضواء وبدقة نحو هدف واحد وهو دحر المعتدين والذود عن العرض والدين ..
اتصل صلاح الدين بكل من القاضي الفاضل بحكمته وخبرته وعلمه ، والعماد الأصفهاني الأديب الشاعر صاحب البرق الشامي ومجموعة كبيرة من الفقهاء والعلماء ورجال الدين من مشاهير عصره ، وكان لا يقدم على عمل في السلم أو الحرب إلا بعد أخذ المشورة كما تذكر كتب التاريخ التي اختصت بتدوين وتأريخ كل كبيرة وصغيرة جرت في عصره ، ومن ذلك ما ذكره ابن واصل في مفرج الكروب من أن صلاح الدين كان يستشير القاضي الفاضل في كل شيء : ” ولما عزم السلطان الخروج للغزاة بدأ بزيارة القاضي الفاضل ، وكان بجوسق بن الفراش بالشرف الأعلى من بستانه ، فاستضاء برأيه فيما يريد أن يفعله ، وكان لا يأتي أمرا إلا من بابه ، وأقام عنده إلى الظهر ثم ودّعه ورحل .” ()
أما الشعراء فقد أدوا دورا كبيرا في تشجيع صلاح الدين على استعادة الأراضي من الغاصبين الغاشمين وبخاصة بعد التعدي السافر على الحجيج وقطع الطرق على الآمنين والاستهزاء بمقدسات المسلمين وتدنيسها فكان لا بد من الالتفاف حول راية واحدة هدفها تحرير الأقصى ، ومن ذلك قول العماد في قصيدة له يهنىء بها صلاح الدين على تولي المقاليد ويحثه على استعادة بيت المقدس :
وصُبوا على الإفرنج سوْط عذابِها بأن تُقسموا ما بينها القتْلَ والأسرا
ولا تهملوا البيتَ المقدسَ واعزموا على فتحهِ غازين وافترعوا البكرا
تُديمون بالمعروفِ طيب ذكركم وما الملكُ إلاّ أن تديموا لكم ذِكرا ()
لقد جمع صلاح الدين الجميع حوله بفطنته وحنكته ، ولم يتخل عن أهل الفضل التابعين للعهد الزنكي بل ضمهم إلى مجلسه ، واستعان بآرائهم جميعا واستشار أهل العلم والفقه والخبرة في كل كبيرة وصغيرة تخص الشأن العام للأمة وكان القاضي الفاضل على رأس هؤلاء إذ قال فيه : ” لم أفتح البلاد بسيفي وإنما برأي القاضي الفاضل ” ، وفي روايات تأريخية أخرى ” بقلمه ” …ولم يكن القاضي الفاضل أديبا مفوها فقط ولا رئيس ديوان متمكن فقط ولكنه كان من أهل الخبرة بكثير من الأمور وبخاصة القوات المصرية لعلاقة ديوان الإنشاء بديوان الجيش في ذلك الوقت فلم يبخل على صلاح الدين بشيء مما عرفه وتعلمه وساند صلاح الدين في القيام بالعديد من الإصلاحات العسكرية والاقتصادية وأهمها الدينية …
لم يكن الطريق إلى بيت المقدس ممهدا أمام صلاح الدين كما قد يظن البعض ولكنه كان مليئا بالمهمات الضرورية والخطوات الاستباقية كشن العديد من الحملات المصغرة الرادعة للعدو المغتصب من جهة والحملات الرادعة لغدر بعض الفاطميين والأمراء وقد ساعده في ذلك أيضا القاضي الفاضل بما له من خبرات سابقة في قصور الفاطميين ومعايشته لشخصيات ملؤها الغدر والتآمر وقد ساعد الفاضل صلاح الدين في ” كشف مؤامرة مؤتمن الخلافة وتم القضاء على شوكته وفلّ صلاح الدين شوكة الأرمن ” .
وبتحرير بيت المقدس قويت شوكة المسلمين في تلك الأوقات وأصبح يرهبهم القاصي قبل الداني ودبت روح العزة والكرامة في سائر الأمصار ولقد سجل الأدباء والمؤرخين والشعراء ذلك وسطروه في سجلات التاريخ الخالدة التي يتجاهلها كثير من المستشرقين عن عمد …
وأهم ما يجب أن نؤكد عليه هو أن هذا الفتح العظيم كان نتيجة لتوحيد الصف واستغلال الثروة البشرية الواعية المدركة للحقائق من حولها والاعتماد على بطانة صالحة النوايا ذات رؤية ثاقبة تنظر إلى ما وراء الأفق البعيد .. هذا الإدراك وهذا الوعي اليقظ والمستعد طوال الوقت كان العدو الأكبر والأخطر لكل المغتصبين والمعتدين على مر العصور؛ فاستمر بفضله عطاء بني أيوب ومن بعدهم خلفاؤهم من المماليك اللذين تربوا في بيوتهم وقصورهم تربية عقدية إيمانية واعية وأكملوا مسيرة السلف فرفعوا من شأن الجيوش وأكرموا العلم والعلماء وحققوا نهضة كبيرة وبخاصة في العصر المملوكي الأول ذلك العصر الذي شهد اجتياح المغول الهمجيين لكل البلاد في طريقهم والقضاء على الأخضر واليابس فيها .. سقطت عاصمة الخلافة بفعل المؤامرات والدسائس والمكائد ودب الوهن في أرجاء بغداد العامرة بعد أن أضاءت العالم فترة ليست بالقليلة بعلمها وتقدمها في كل مجال ؛ فكانت فريسة سهلة لوحوش المغول أعداء البشر والحضارات …
لكنهم أي المغول لم يتوقعوا أن يتم ردعهم ودحرهم إلى غير رجعة في موقعة “عين جالوت”الشهيرة بقيادة المظفر سيف الدين قطز السلطان المملوكي الأول في مصر بعد مقتل شجرة الدر… لم يكن الأمر سهلا على قطز () أيضا فقد كانت الدولة تعاني من التفكك والانشقاق بسبب الصراع على العرش وكان قطز أو الأمير محمود بن ممدود يعلم تمام العلم ما يمكن أن يصنعه المغول بأي بلد عند اجتياحها لأنه أسر وتم بيعه كعبد بعد سقوط بلاد ما وراء النهرين وآخر سلاطينها جلال الدين خوارزم الذي هو خاله ؛ فكان همه الأكبر القضاء عليهم ودحرهم ومن ثمّ التخلي عن السلطة لمن يشتهيها ، وفي سبيل تحقيق الوحدة والاستعداد للمواجهة استمال الجميع وعفا عن كل الأمراء وبخاصة المماليك البحرية واستمال قائدهم الذي سيذكره التاريخ فيما بعد بالظاهر بيبرس …. ثم تفقد جمع العلماء والفقهاء والأدباء والأخيار من رجالات الأمة وسألهم الرأي والمشورة وعلى رأس هؤلاء العز بن عبد السلام سلطان العلماء وبائع الملوك ؛ فقد كانت البلاد تمر بأزمة اقتصادية طاحنة وهو بحاجة ماسة لإعداد العدة وتجهيز الجيش وتحصين القلاع وتقوية الحصون والتتار يتقدمون كالسيل الذي لا يواجه عائقا أبدا فما كان من العز بن عبد السلام إلا أن أصدر فتواه الشهيرة في كتب التاريخ حيث أوجب على الجميع ضرورة الجهاد في سبيل الله وأنه يمكن للحاكم أن يفرض الضرائب على عامة الشعب بعد إفراغ بيت المال من كل شيء وأن يقدم الجند كل ما لديهم من غال وثمين ويحتفظ كلٌّ بركوبته وسلاحه فقط وإلا فلا يحل لأحد فرض الأموال على الناس دون مساواة بينهم ، وبالفعل عمل قطز بفتوى العز بن عبد السلام وأجراها على الجميع وقام العز بدوره بجمع الناس وحثهم على الجهاد وصد أعداء البشرية والذود عن حرمات المسلمين ومقدساتهم ، كل ذلك كان بفضل الوعي اليقظ والراسخ في العقول وبفضل علماء وأدباء أفذاذ يحملون راية الحق والقدرة على التوجيه المستنير هذه الراية تعمل على تثبيت هذا الوعي وتُبقي جذوته مشتعلة طوال الوقت وهناك حكام يعنينهم الصالح العام وتحركهم شئون الأمة ويقض مضاجعهم تعرضها للخطر فتراهم يأخذون بالأسباب ويستشيرون أولي الألباب والبصائر ويقربونهم من مجالسهم حيث مكانهم الطبيعي الذي قُدر لهم …
أعداء الوعي :
وبمرور الوقت يثبت التاريخ بقاء شعلة الوعي اليقظة في ضمائر سائر أبناء الأمة ، قد تخبو قليلا لكنها لا تنطفيء ، وقد تعاني من الإعياء الشديد نتيجة ويلات الاستعمار الغاشم والقهر والظلم وحرمان أصحاب الأراضي من مقدراتهم ، لكن الشعوب المقهورة شديدة الارتباط بوعد السماء والثقة بنصر الله لا تلبث أن تهب بمجرد توفر الفرص وبزوغ شموس الأمل ….
تعرضت مصر والشام ( جناحي الأمة وقلبها النابض ) للغزو العثماني في نهاية عصر المماليك الثاني ، وصحيح أن العثمانيين كانوا يرفعون راية الإسلام ويذودون عنه في أكثر من جبهة وبخاصة الجبهات الأوروبية ، لكن الأرض ليست أرضهم ولإحكام السيطرة وضمان منع التمرد والاستقلال عنهم عمدوا إلى إفقار المجتمعات ونهب الثروات واستجلاب العلماء والصناع والحرفيين المهرة إلى الأستانة أو استانبول للاستفادة منهم مما ساهم في تفشي الجهل والأمراض والشعور بالدونية تجاه (الباشا المحتل) كل هذه الأمور من شأنها أن تؤثر بشكل سلبي على الإدراك وتصيب الوعي في مقتل لأن تفشي الجهل تحديدا يعني الركون إلى الخرافات والأساطير والبعد عن الدين وعدم الإحاطة بما يدور على المدى البعيد من مؤامرات ودسائس يحيكها الآخر في صمت وانتظار للفرصة المناسبة ليأخذ دوره هو الآخر لقضم قطعة كبيرة من ثروات الشرق …
في ظروف مواتية استطاع محمد علي باشا الألباني الاستيلاء على الحكم في مصر” واسطة العقد ” بعد أن طرد المصريون الوالي خورشيد باشا ، وحاول أن يشيد امبراطورية تخصه ولاتتبع لأي جهة أخرى وبغض النظرعن المساوىء والسلبيات الكثيرة التي انطوت عليها فترة حكم محمد علي باشا وأبنائه إلا أنها أفادت المصريين بشكل غير مباشر؛ فقد أرسلت البعثات العلمية إلى الخارج مما سمح لهم بالاطلاع على الثقافات الأخرى والشعور بمدى التأخر عن اللحاق بركب الحضارة والتطور … هذا الشعور بالتأخر لم يصنع من السواد الأعظم منهم تابعين للآخر بل على العكس كان الوعي بقيمة التاريخ والحضارة العربية الإسلامية القديمة حاضرا ومتقدا وبحاجة إلى من يحمل لواءه لإحياء الأمة كيف ذلك ؟!!!!
لقد كانت الكتاتيب التي تعلم الناس مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم وتدبر معانيه تملأ القرى والنجوع في سائر أنحاء ” مصر والسودان ” في ذلك الوقت وتخرج طلاب العلم الذين يسافرون بدورهم إلى القاهرة للالتحاق بجامعة فؤاد الأول أو الأزهر ويطلعون على الثقافات الأخرى ويتعاملون معها ” أغلبهم ” بحذر بغية الإفادة منها وليس إحلالها محل ثقافتهم الأصيلة….. وهكذا ظهرت طبقة عريضة من العلماء المثقفين والأدباء الأفذاذ يحملون راية الوعي لإيقاظ الأمة من سباتها العميق وتاريخ النهضة الثقافية والعلمية في بداية القرن الماضي يعرفها القاصي قبل الداني ولكن كان الآخر في ذات الوقت متربص بنا ويتحين الفرص وسقط الوطن العربي أسيرا للاحتلال …
في نهاية القرن التاسع عشر استطاع الغرب تحقيق أحلام أجدادهم الصليبيين في الاستيلاء على ثروات الشرق بالقوة العسكرية واستغلال حالة الضعف البشري والمادي والمعنوي التي مرت بها الأمة العربية والإسلامية بسبب انشقاق الصف وعدم التوحد تحت راية واحدة ، لكن هيهات … تحت الرماد يخبو عدوهم اللدود (الوعي ) والذي كان بانتظار من يحمل الراية ويشعل طاقة الردع وطرد المستعمر فعلى الرغم من كل هذا الكم الهائل من الفقر والقهر والجهل والتأخرعن اللحاق بركب التقدم والحضارة الحديثة إلا أن السماء سخرت لهذه المجتمعات جماعة العلماء والمثقفين سالفة الذكر وما أكثرالأسماء كل في ميدانه وما أكثر من دفع الثمن غاليا وقدم جسده قربانا لكلمة الحق ، لكن أعداء الوعي والمنافقين من أصحاب المصالح الشخصية أكثروهؤلاء تحديدا هم السبب وراء كل تأخير ابتليت به الأمة في كل فترة من الفترات ….
لم يتوقف الشرفاء من أبناء الوطن العربي عامة ومصر والشام بشكل خاص عن الدعوة لمواجهة العدو المحتل بمختلف جنسياته وطرده إلى حيث ينتمي، لكن المشكلة كانت تكمن في عدم وجود الرمز الذي يمكن أن يوحد الجميع ويصطف الجميع خلفه تماما كما كان ” صلاح الدين وقطز وغيرهما ” ، ذلك الرمز الذي يُعنى بالشأن العام قبل مصالحه الشخصية فقد كان سكان القصور قد وصلوا إلى مرحلة من الترف والضعف – في وقت واحد – لا تسمح لهم وإن تمنوا ذلك فيما بينهم وبين أنفسهم على مواجهة تحكمات وإذلال المحتلين … وهكذا بدأ عهد الثورات والنضال ضد المحتل حتى دحره عسكريا فقط لأنه كان يعرف في قرارة نفسه أنه راحل لا محالة فعدوه اللدود ( الوعي ) لا يزال حيا متقدا وكان لابد له من القيام بالدراسات اللازمة والبحث عن نقاط الضعف التي تقتله وتصيبه في مقتل واغتيال أي رمز يمكنه أن يوجه أو يساعد على توحيد الصف والتاريخ الحديث يشهد على ذلك ….
رحل العدو عسكريا لكنه بخبثه ودهائه واستغلال حالة الضعف والفقر وعدم توفر الإمكانات أو الرموز القيادية الحقة لم يرحل اقتصاديا ولا فكريا ولا ثقافيا ، لقد قام بغزونا هذه المرة ونجح في احتلالنا والسيطرة على كل شيء حرفيا عبر هذه القنوات واستغل حالة التعطش للحاق بركب التقدم والمدنية دون وعي والشعور بالدونية تجاه الآخر ، وقام بدس السم في العسل عبر استخدام استراتيجيات تحدث عنها باستفاضة المفكر ” نعوم تشومسكي ” تحت عنوان ” الأسلحة الصامتة للحروب الهادئة ” وهكذا بدأت رحلة التشويه ، تشويه المعلم ورجل الدين وإقصاء العلماء والاحتفاء بالتافهين والتافهات في كل المجالات ، وقد انتبه لذلك الكثير من الشعراء والأدباء والمفكرين وكتبوا عن هذه الخطة الخبيثة لإماتة الوعي لكن يبدو أنه لا حياة لمن تنادي … وهكذا وجد المفكر والفيلسوف والأديب العربي وكل ذي رسالة هادفة نفسه غريبا في وطنه وبين أهله ، وعبثا كلما حاول حمْل الراية نجد الاقصاء والتشويه يقفان له بالمرصاد وربما يقدم حياته ثمنا لمحاولته إيقاظ الوعي والأمثلة كثيرة ….
وضعية النسر المنعزل ومحمود درويش؟!!!
في أعمال الكثير من المفكرين والأدباء والشعراء والمثقفين نجد مجموعة من الإشارات التي تحذر من غياب الوعي ومآلات هذا الغياب الوخيمة ، فلقد نبهنا صلاح عبد الصبور من خلال أعماله وبخاصة المسرحية منها إلى الرسالة التي يحملها الشاعر على عاتقه وأنه يجب الاستماع إليه ، ولم يترك نزار قباني شاردة ولا واردة تتحدث عن خطورة الخضوع والوهن واللامبالاة إلا ولمح لها من خلال أعماله الشعرية وكذلك فعل أحمد مطر وأمل دنقل والبردوني وغسان كنفاني و سميح القاسم ومحمود درويش وغيرهم الكثير الكثير ، لكن عامة الناس أصبحوا غارقين في بحر التفاهات وملذات الحياة والاهتمام بأخبار التافهين والتافهات واتخاذهم قدوة ومثالا في كل تعاملاتهم وأصبح الآخر مثله الأعلى ، وأصبح الناس يستمدون معلوماتهم من الأعمال السينمائية المشوَّهة والمشوِّهة وغير ذلك ،وأصبح الإلام آلة توجيه تخدم مصالح رأس المال وتوجهات أصحابه … وهكذا نجح العدو في تحقيق أهدافه من أجل السيطرة على الوعي أعدى أعدائه وحرص على تصدير المزيد من التفاهات للمجتمعات الاستهلاكية الشرهة وامتنع عن مشاركة كل ماهو مفيد ومجدٍ عن عمد… لقد دخل الوعي في غيبوبة داخل غرفة العناية المركزة وظل المثقف العربي واقفا لوحده في صحراء قاحلة لا واحة فيها ولا يسقط عليها المطر …
كان محمود درويش من الشعراء القلائل الذين تنبؤوا بالكثير مما يحدث الآن والمتتبع لأعماله الشعرية يجدها تسير في تدرج واضح وغير مقصود وإنما تنامي الأحداث وميلها إلى ما نعيشه اليوم هو الذي جعل أعمال درويش وفق ترتيبها الزمني تمثل نموذجا مثاليا للتداعي الذي أصاب جميع الأدباء والشعراء الأحرار وشعورهم بالإحباط والخيبة وبالتالي ميلهم للانعزال والانزواء بعيدا في أفق السماء الواسع يحلق كل منهم وحيدا في فضاءاته تماما كعقابٍ جريح مفطور الفؤاد تحول رغما عنه بفعل توالي الخيبات إلى نسر وحيد كنسر الكوندور العاشق للوحدة والانعزال …
لقد سقطت الراية وانمحت رمزية العقاب …نعم الساحة تعج بالرسل من حملة الرسالات الهادفة لكنها تفتقر إلى الرموز التي تعمل على توحيد الجميع واستغلال طاقاتهم ، وتفتقر إلى القوة البشرية المنفذة والتي تغط في نوم عميق داخل كهف السبات لتقتات على الهبات وتستمع بالملذات الزائفة وتقدس الأنا والانسلاخ من أصلها وجذورها ، ترتدي ” الكاتينج ” وترقص على أنغام الراب وتتشدق بلغة الآخر ظنا منها أن الحديث بلغتها الأم يجعلها في مصاف الرجعيين ونسيت المغزي من المثل القائل ” الاتحاد قوة ” وتركت مصيرها للآخر مصاص الدماء ولص الحضارات يحركها كالدمية كيف يشاء كل عودٍ على حدة فقد تفرقت الأعواد ولم تعد حزمة واحدة …
كان درويش ككل شاعر حر يحلم بالحرية والحق والعدل والسلام ، وكان وكل أقرانه من شعراء الأرض المحتلة تحديدا يحملون الأمل في الغد ويمنون أنفسهم باقتراب اليوم الذي تنال فيه أرضهم حريتها ، يقول في قصيدته الأرض :
أنا الأرض
والأرض أنتِ
خديجةُ ، لا تغلقي الباب
لا تدْخلي في الغياب
سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل
سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل
سنطردهم من فضاء النخيل()
لكن الحقيقة ستتكشف بالتدريج أمام عيني الشاعر فقد أصبح كل ” عود ” يقاتل وحده ويشعر بالمرارة والحسرة من هذا الخذلان والشاعر يشعر بألمه ومرارته ويطلق السؤال تلو السؤال :
والآن والأشياء سيدة ، وهذا الصمت عالٍ كالذبابة
هل ندرك المجهولَ فينا ؟هل نغني مثلما كنا نغني؟؟
سقطت قلاع قبل هذا اليوم ، لكن الهواء الآن حامض
وحدي أدافع عن جدارٍ ليس لي
وحدي أدافع عن هواء ليس لي
وحدي على سطح المدينة واقفٌ()
إنه وقت الاعتراف بالحقيقة المرة تلك التي فجرتها حرب لبنان ، إنه وحيد تماما فقد سقطت الأقنعة وعلى شقيقه الذي يعاني من مرارة الخذلان أن يقاتل وحده بأشلائه وأن يواجه عدوه منفردا فلا مفر :
أشلاؤنا أسماؤنا . لا …لا مفر
سقط القناع عن القناع عن القناع
سقط القناع
لا إخوة لك يا أخي ، لا أصدقاء
يا صديقي لا قلاع
لا الماء عندك لا الدواء ولا السماء ولا الشراع
ولا الأمام ولا الوراء
حاصر حصارك … لا مفر
سقطت ذراعك فالتقطها
واضرب عدوّك … لا مفرّ()
وهكذا نبدأ رحلة الشعور بالمحاصرة والاغتراب ويتسلسل اليأس رويدا رويدا وما أكثر القصائد التي يمكن أن نستخلص منها هذا الشعور لدى محمود درويش ، ومنها قوله على سبيل المثال :
أما أنت ،
فالمرآة قد خذلتك ،
أنتَ …ولستَ أنت ، تقولُ :
أين تركتُ وجهي؟
ثمّ تبحث عن شعورك خارج الأشياء ،
بين سعادةٍ تبكي وإحباط يقهقه ….
هل وجدت نفسكَ الآن؟()
ولكن لا بد له من المضي قدما لا بد من الاستمرار تحت أي ظرف :
سيمتدّ هذا الحصار ، حصاري المجازي
حتى أُعلم روحي روح التأمل :
ما قبل نفسي – بكت سوسنة
وما بعد نفسي – بكت سوسنة
والمكان يحملق في عبث الأزمنة
على الروح أن تترجل وتمشي على قديميها الحريريتين .
ولأن الشاعر يحمل في قلبه هم وطن أسير محتل يقوم بتسجيل سيرته شعريا في ديوان ” لماذا تركت الحصان وحيدا ؟ ” ويستحضر أحداث النكبة :
ههنا حاضرٌ
عابرٌ،
ههنا علّق الغرباءُ بنادقهم فوق
أغصان زيتونة ، وأعدوا عشاءً
سريعا من العلب المعدنية ، وانطلقوا
مسرعين إلى الشاحنات …()
وفي قصيدته ” أبد الصبار ” يؤكد على حتمية الرجوع وأن مآل الغزاة هو الرحيل لا محالة ، لقد رحل مع والده رغما عنه إلى جهة الريح لكن أباه يعلم حتما أنه سيعود ولهذا احتفظ بمفتاح المنزل وبدأ يوصيه :
يا ابني تذكر! هنا صلب الانجليز
أباك على شوك صبارة ليلتين ،
ولم يعترف أبدا . سوف تكبر يا بني،
وتروي لمن يرثون بنادقهم
سيرة الدم فوق الحديد ….
- لماذا تركت الحصان وحيدا ؟
- لكي يؤنس البيت ، يا ولدي ،
فالبيوت تموت إذا غاب سكانها ….()
يمر الزمن وتتوالى الأحداث والقصائد تلو القصائد والشاعر يحاول القيام بمهمته في محاولة إيقاظ الضمائر وتنوير العقول ، ومع انعدام وجود الرموز والقوى البشرية الواعية والمدركة يجد نفسه وحيدا حتى أنه بات يشعر بعدم جدوى الشرح وتطل علينا قصائده الأخيرة وتحديدا في ” لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي ” لتصرخ بهذه الفكرة في وجوهنا ؛ فهو يشعر بالخيبة ، بالخذلان ، ويشعر بعدم جدوى ما يقوم به :
نعرف الماضي ، ولا نمضي
ولا نقضي ليالي الصيف بحثا
عن فروسيات أمس الذهبية
نحنُ من نحن ، ولا نسألُ
منْ نحن ؟ فما زلنا هنا
نرتّق ثوب الأزلية ()
نعم لا أحد يريد التحرك واستعادة مجدنا القديم ، لا أحد يتعب نفسه في البحث عن هويته ، من هو ؟؟؟ لم يتبق أمام الشاعر وأمثاله سوى الأحلام بعد شعورهم بالملل من أغاني (النرجس الوطنية) فلربما يمن القدر على أحدهم بسطر من نشيد الأدبية :
نحن أحياء وباقون …وللحلم بقية
ههنا فيما تبقى من كلام الله
فوق السطر
نتلو كلمات الشكر في الليل وفي الفجر
فقد يسمعنا الغيب ، ويوحي
لفتى منا بسطر من نشيد الأبدية ()
ويبدأ الشعور بالوحدة يكبر ويكبر داخل الشاعر مع شعوره بالقتراب الأجل لكنه مصر على قول الحقيقة ، يقول في قصيدته لاعب النرد:
من أنا لأقول لكم
ما أقول لكم ؟؟
وأنا لم أكن حجراً صقلته المياه
فأصبح وجها …
ولا قصبا ثقبته الرياح
فأصبح نايا ….ا
أنا لاعب النرد
أربح حينا وأخسر حينا
أنا مثلكم أو أقل قليلا …()
إنه القدر شاء للشاعر أن يكون ما هو عليه ذلك الطفل الصغير وأن حياته مليئة بالصدف … محض قدر …هو ذلك الطفل الذي نجا بأعجوبة من أهوال المجزرة ليكون شاهدا عليها :
ولست سوى رمية النرد
ما بين مفترس وفريسة
ربحت مزيدا من الصحو
لا لأكون سعيدا بليلتي المقمرة
بل لكي أشهد المجزة ()
لقد كان طفلا صغيرا ( شاهدا على النكبة ) ولم يدع العدو وقتا له ليفكر في الغد فقد تملكه الخوف وبدأ يمارس كل أشكال الفعل :
ومشى الخوف بي ، ومشيت به
حافيا ، ناسيا ذكرياتي الصغيرة عما أريد
من الغد – لا وقت للغد
أمشي / أهرول / أركض / أصعد / أنزل / أصرخ
أنبح / أعوي / أنادي / أولول / أسرع / أبطىء
أهوي / أخف / أجفّ / أسير / أطير / أرى /لا أرى
أتعثر/ أصْفرّ / أخْضرّ / أزْرقّ / أنشق / أجهش
أعطش / أتعب / أسغب / أسقط / أنهض /أركض
…………………………… وهكذا يصف حال الطفل المرعوب والهارب في سبعة وأربعين فعلا مضارعا منسوباً إليه ( الفلسطيني المنكوب ) ثم يضيف الفعل الثامن والأربعين في صيغة الماضي منسوبا إلى الذئاب ( جنود المحتل ) والرقم 48 يذكرنا بأحداث النكبة :
ومن حسن حظي أن الذئاب اختفت من هناك
مصادفة ، أو هروبا من الجيش /
إنه يخلد قصته الأزلية ، قصة كل فلسطيني حر ومنكوب في قصيدته هذه بعد أن تجرد من ذاته في بدايتها ، ويلح على هذا التجريد بين مقطع ومقطع ، فهو يعلم بفطنة الشاعر المتمرس داخله أن الأشخاص زائلون بينما الكلمات التي تنبع من معين الحق والصدق وترقى إلى مستوى النبوءات باقية وخالدة ، ولربما آتت أكلها في يوم من الأيام :
لا دور لي في القصيدة إلا
إذا انقطع الوحي
والوحي حظّ المهارة إذ تجتهد
إنه يشعر باقتراب النهاية ويتمنى من الحياة أن تنتظره، فرغم كل هذا الألم هناك أمل يختبىء في مكان ما وهو واقف أعلى الجبل وحيدا كعادته كالنسر ولكنه في معضلة لا يستطيع بسببها النزول ولا يستطيع الطيران … يقول للحياة :
على رسلك احتضنيني لئلا تبعثرني الريح
حتى على الريح ، لا أستطيع الفكاك
من الأبجدية
لولا وقوفي على جبل
لفرحت بصومعة النسر : لا ضوء أعلى!
ولا مجدا كهذا المتوّج بالذهب الأزرق اللانهائي
صعب الزيارة : يبقى الوحيد هناك وحيدا
ولا يستطيع النزول على قدميه
فلا النسر يمشي
ولا البشري يطير
فيا لك من قمة تشبه الهاوية
أنت يا عزلة الجبل العالية!
هي أزمة كل مثقف وشاعر ومفكر ، كل شخص حر لديه وعي يقظ يحاول قدر استطاعته أن يخيب ظن العدم:
كان يمكن ، لو كنت أسرف في الحلم
أن أفقد الذاكرة
ومن حسن حظي أنب أنام وحيدا
فأصغي إلى جسدي
وأصدق موهبتي في اكتشاف الألم
فأنادي الطبيب ، قبيل الوفاة بعشر دقائق
عشر دقائق تكفي لأحيا مصادفة
وأخيّب ظن العدم
من أنا لأخيب ظن العدم؟
من أنا؟ من أنا؟
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
بالعربي البسيط – بين الفصيحة والعريف.
“عبقرية اللغة العربية في كشف الدَّخِيل” بقلم أ. إبتسام عبد الصبور – عضو اتحاد كتاب مصر – المستشار الثقافي لجريدة على باب مصر
ع : أتعجبُ كثيرا يا فصيحة، من قدرة اللغة العربية على وضع ضوابط تفصل بين الأصيل فيها والدخيل عليها.
ف: صدقت يا عريف، وهذه القواعد تساعدنا على اكتشاف الدخيل ببساطة، لعلك مُلِمٌ ببعضها.
ع : ثقي بي فصيحتي، ولنبدأ.. فليس في كلام العرب (زاي قبلها دال)
ف : حقا، لذلك كل الكلمات التي وردت فيها زاي قبلها دال تعد دخيلة مثل..(المهندز) الفارسية والتي تطورت لدي العرب فأصبحت ( المهندس)، ومثلها كلمات كثيرة… (كدرابزين و درزي التي أصبحت ترزي).
- وماذا أيضا عريفي؟
ع : ليس في كلام العرب ( جيم وصاد) في كلمة واحدة بأي ترتيب.
ف : صدقا، ومن هنا تأكدتْ أعجمية كلمات كثيرة مثل:( صولجان الفارسية و صاج التركية ويتجعص في العامية بمعنى: يجلس مستريحا)
ع: وما قولك يا فصيحة في تسمية الأعشى بأنه (صناجة العرب)؟
ف : لقبوه العجم بصناجة العرب؛ لجودة شعره كأنه موزون بميزان، فلنستكمل عبقرية اللغة.
ع : لاحظت أنه ليس في كلام العرب ( قاف وجيم في كلمة واحدة) فما قولِك؟
ف : حقا، فكلمة ( جوقة) بمعنى فرقة موسيقية أصلها تركي، وكلمة ( جاثليق) التي تطورت لدى الطوائف المسيحية إلى ( كاثوليكوس) أصلها يوناني، وقد ظهرت أعجميتها من اجتماع القاف والجيم فيها،
- هل لديك مزيد؟
ع : بالطبع، فقد وجدت أنه ليس في كلام العرب ( طاء وجيم) في كلمة واحدة.
ف: لذلك تيقنَّا أن كلمتي ( طازج و طاجن) دخيلتان علي اللغة وحين بحثنا وجدناهما فارسيتين.
ع : لذلك لا جدال في أن لغتنا العربية مضبوطة (على سنجة عشرة)
ف : تقصد ( صنجة عشرة)
-هل تعرف لماذا تُوصف الأناقة بأنها على صنجة عشرة؟
ع : آه، لقد أوقعتكَ الفصيحةُ في الفخ يا عريف؟
ف : حقا، لقد وقعت عريفي،
- الصنجة هي وحدة قياس للذهب وأقلها (صنجة عشرة) لذلك وصف بها الأنيق (وهي أعجمية دخيلة يا عريف كما سبق وأوضحنا في- صناجة-)
- سأتركك تمضي هذه المرّة، وأعدك بفخٍ لُغوي جديد في اللقاء القادم، وفِخاخ اللغة كثيرة صديقي اللدود.
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
علمناهم سبقونا. … بـ قلم .. أسـمـاء الـبـيـطـار – مدير قطاع النشر بجريدة على باب مصر
دائماً نسمعهم يقولون ” علمناهم الشحاتة سبقونا على الأبواب “
الكلمة الأولى ” علمناهم ” في حد ذاتها هي الأساس .
أما الثانية ” سبقونا ” فترجع لنا جميعاً .
فماذا سنُعلمهم ؟ و هل سبقهم لنا سيكون لنا أم علينا ؟
و هذه الأسئلة قطعا لها إجابة .
و كلٌ منا سيعرف الإجابة إن لم يكن الآن .
فسيعرفها بالتدريج أو في نهاية الرحلة .
هحكي حكاية بسيطة وبعدين ندخل في موضوعنا ..
قام الحي بقطع فروع شجرة ضخمة على رأس شارعنا ، لأنها كانت كثيفة جدا فخافوا أن تُصيب أحدا بأذى .
فحزنت على ظلها الذي لم يعد موجودا .
لكن كان حزن ابني على ” أعشاش الطيور التي كانت تحتمي بها “
انتبهت لما قاله فوجدته أعمق .
لأن الظل و من سيستظل به ما هي إلا دقائق أو ساعات من النهار
أما أعشاش الطيور فهي مسكن و مأوى لهم بالنهار و الليل ، و بالصيف و الشتاء .
تفوق الابن على الأم و لكني كنت سعيدة جداً أني استطعت أن أغرس فيه الرحمة بهذه المخلوقات الضعيفة و أسعد بتفكيره .
ندخل في موضوعنا ..
كل كلمة و كل فعل تقوم به له مردود على من حولك خاصة الأبناء لأنهم الأقرب دائما .
هناك مقولة صادقة ” أن الأبناء مرآة صادقة للبيت الذي خرجوا منه “
بمعنى أن هناك فرق
من أنك تربي أبناءك بصدق الفعل و الإيمان به و تطبيقه و أن يتعود منك ذلك في أكثر من موقف ، و ذلك حتى تربي و تثبت في ذهنه قاعدة أساسية يشب عليها .
فرق أن تتابع تصرفاته بعد أن قمت بواجبك التربوي نحوه ، و أن تتركه دون متابعة جادة و صارمة .
فرق أن تكون تصرفاتك في نفس المواقف واحدة ، بل و في كل موقف جديد تربطه بالقديم و تزيد عليه غرس قيمة جديدة بحكم الخبرة و السن .
فرق أن تقف في مرحلة ما و تتركه يتصرف أو تسمع منه عما تصرف فيه دون أن يعود إليك و تثني عليه و تشجعه أو تقومه .
و فرق ..
من إنك تفعل ذلك مرة و تغفل عنهم مرات و مرات …. .
فرق أن يجدوا تصرفاتك في مواقف متشابهه متضاربة و متناقضة .
و فرق أن تغرس فيهم شيء أمام الناس و بينك و بينهم تغرس شيئاً أخر .
البيت هو المجتمع الصغير ” الحضّانة ” التي تُأصل فيها القيم و المبادئ الصادقة و التربية الصحيحة و الصفات الحميدة
و التي لا شك إنها ستعود عليك و على المجتمع الأكبر .
علمناهم سبقونا .. و التعليم هنا ليس مرحلة ما دمنا أحياء على وجه الأرض ، إنما هو الحياة .
تنمو الأخلاق و الصفات الحميدة كما تنمو النباتات بالرعاية الدائمة .
نعم الأخلاق تنمو و تزدهر و تتأصل في الوجدان و ينعكس ذلك على طباع الشخص و تصرفاته .
و مهما مر بفترات عصيبة في حياته أخرجته عن شعوره في بعض الأحيان ، لكنه في النهاية يعود إلى أصله الذي شب عليه مهما كان
الشيء الوحيد الذي يبقى أثره في هذه الحياة هو الأثر الطيب .
و لا شيء أطيب من أن تترك ذرية صالحة جذورها سليمة مروية بالحب و الصدق و الأمانة، فتطرح فروعا صلبة قوية طيبة .
ظاهرها الصدق و باطنها الرحمة .
و ما أدراكم ما الرحمة التي نفتقدها في هذا الزمان .
الرحمة التي جعلت الابن لا يترحم على أبيه و هو بين يدي الله
بأي حجة ، و الأصعب أن تجد من يشجعه على ذلك !
” و بالوالدين إحسانا “
صحيح للأبناء حقوق على آبائهم ، و لكن للآباء قدسية خاصة يجب أن تحترم .
و ما عليك أن تفعله أن تعوض أبنائك عما فقدته، دون أن تُشهر بأبيك أو أمك .
دائما يغفل من يفعل ذلك دور الأم و الذي سيلقي المجتمع اللوم عليها إنها غرست الحقد و الكراهية في قلب الأبناء تجاه أبيهم و العكس طبعاً .
يجب أن نفصل جميعاً في الحياة بين علاقة ” الزوج بالزوجة ” و مدى توافقهما أو نفورهما
و بين قدسية الأبوة و الأمومة داخل هذه الحياة .
لأن في النهاية لن يبقى سوى غرسك .
علمناهم سبقونا .. فعلموا أبناءكم الرحمة ، و اجعلوهم شهودا لكم لا عليكم .
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
السد العالي … تنمية وحضارة وتاريخ …. بقلم عصام القيسي- مستشار التسويق بجريدة على باب مصر
قبل أيام قليلة احتفلت مصر بذكرى ثورة يوليو 1952 ، ودوماً مع تلك الذكريات تتسارع بعض الاقلام الغريبة للنيل من كل منجز ( مصري ) ومن ضمن تلك المنجزات ( مشروع السد العالي الذي يعتبر ( أكبر مشروع تنموي حضاري في تاريخ مصر ) .
ومادفعني لكتابة هذا المقال هو هذه النغمة الغريبة والموجهة للتقليل من ( انجازات ومقدرات مصر ) عبر التاريخ .
سمعنا ورأينا النيل والتقليل من مشروع ( السد العالي ) ورأينا النيل حتى من ( نصر اكتوبر 1973 وعبور خط بارليف العظيم ) وهكذا في كل انجازات مصر عبر التاريخ من ثورة يوليو من بناء الجيش المصري من الاستقلال والجلاء وطرد المحتل ومن تأميم قناة السويس .
حتى وصل الامر الى ( التقليل من اعظم بناء تاريخي ) ( الاهرامات ) ومازال الجدل دائرًا في هذا الامر وحتى الحضارة المصرية القديمة والدعاوي لنسبها الى حضارات اخرى .
وما أشبه الليلة بالبارحه … فمازالت الاقلام والدعاوي تقلل من انجازات مصر الحضارية التي تتم الآن في بناء مصر الحديثة من ( بنى تحتيه ) ومشروعات الامن الغذائي وبناء الجيش المصري .
ولعل الرغبة والعزم على بناء السد العالي والذي حول مصر الى ( دولة ) بعد أن كانت معظمها تتحول الى ( مستنقعات ) مع فيضان النيل صيفاً ، والعمل على تمويل السد العالي والذي تبعه وقوف البنك الدولي والامتناع عن تمويل السد فتبع ذلك قرار من أهم القرارات السيادية في تاريخ مصر الا وهو تأميم ( قناة السويس ) لتمويل ( السد ) وهذا القرار أكبر ( قرار ) سيادي تتخذه مصر في العصر الحديث بدلاً من تبعية الاجنبي .
وكان قرار ( تأميم قناة السويس ) ولتصبح قناة السويس شركة مساهمة مصرية 100% قرارً تاريخياً يوضح عودة السيادة والقيادة والرئاسة وحكم مصر الى الشعب المصري والى قيادة مصرية أصيلة بعد مايربو عن آلاف السنين من ( حكم المماليك والعبيد ) وحكم ( المحتل ) .
ولعل كلمة جمال عبد الناصر الزعيم المصري الشهيرة موجهًا حديثه للبنك الدولي وللنظام العالمي الذي انتزع ( فلسطين ) ووضعها في أيد عصابات ( الصهاينه ) بقوله :
( قروضكم تحت اقدامنا … وسنبني السد )
ليتغنى الشعب المصري بعد ذلك ( قلنا هانبني وآدي احنا بنينا السد العالي – يا استعمار بنيناه بايدينا السد العالي )
السد العالي ..والشدة المستنصرية :
- بناء السد العالي حمى مصر من السنين العجاف والشدة المستنصرية ( عبد الناصر )
- الدلتا الجديدة وتوشكى ووقف البناء في الاراضي الزراعية والتنمية الزراعية المستدامة ومشروعات الامن الغذائي سيحمي مصر من خطر ( المجاعة ) ( الرئيس السيسي )
للاسف يتناقل البعض الان ومع انتشار السوشيال ميديا ويردد الناس احاديث عن ( الشدة المستنصرية ) ، وكذلك عن السنين العجاف التي كانت تحدث لمصر مع نقص الامطار وتراجع نهر النيل .
وبنظرة تاريخية ورؤية واقعية ومستقبلية :
بفضل الله وحده لن تحدث الشدة المستنصرية ولن تحدث السنين العجاف ( وان زادت الاسعار وزاد التضخم وزاد الركود الاقتصادي بأي سبب ومنها الازمات العالمية )
مشروع السد العالي الذي هيأ الله ( عبد الناصر ) لمصر لبنائه حمى مصر الى نهاية الدنيا من خطر ( الشدة المستنصرية ) ونقص المياه وعدم سريان النيل ونقص الزراعات والمحاصيل الزراعية – حيث كان النيل يهدر ماءه في الفيضانات واذا قل منسوب الامطار في اثيوبيا وافريقيا ( كانت تحدث ) يقل منسوب المياه وجريان نهر النيل .
وبعد انشاء السد اصبح لدى مصر مخزون مائي استراتيجي في بحيرة ناصر تقي مصر خطر شح المياه لسنوات طويلة ان قلت الامطار .
مشروعات ( الدلتا الجديدة – توشكى – وقف البناء على الاراضي الزراعية – الامن الغذائي والصوب الزراعية العملاقة – استصلاح الاراضي والمعالجة الثلاثية – قطار الطمي – زراعة القمح )
كلها مشروعات تدخل في نطاق ( الامن الغذائي ) لمصر و( التنمية الزراعية المستدامة )
وتسابق الدولة المصرية الزمن من اجل تسريع الانتاج وتحصد ثمار تلك المشروعات لتأمين ( الغذاء ) للشعب المصري الذي تعدي 100.000.000 نسمه + 20.000.000 نسمه وافدين على مصر .
بفضل الله وبأمره وبما حدث لمصر ( لن تحدث الشدة المستنصرية ولن تحدث مجاعة ولن تحدث سنين عجاف )
وكما نقول دوما ( مصر المحروسة ) و ( الآمنه ) و( المحفوظة ) بحفظ الله وحده الكبير المتعال .
السد العالي وأهميته :
نقلا عن ا.د عباس شراقي استاذ الجيولوجيا والمياه بجامعة القاهرة
- السد العالي حمى مصر من ٧ سنوات جفاف من ١٩٨١ ٠ ١٩٨٧ هي الاشد في العصر الحديث.
- السد العالي حمى مصر من اكبر فيضان أيضا في العصر الحديث عام ١٩٨٨، وكأن الله جاء بالسبع سنوات العجاف قبله لنسحب كل المخزون حتى وصلنا الى منسوب ١٥٠ متر فوق سطح البحر اي قبل أن يتوقف السد عند ١٤٧ متر.، فاستطاع ان يستوعب جميع مياه الفيضان دون أي مشاكل، كما حمى مصر من فيضانات ١٩٩٨، ١٩٩٩، ٢٠٠٠، والثلاث سنوات الأخيرة حماية مصر من الفيضانات لاتقدر بمال.
- السد العالي أنار جميع محافظات مصر لأول مرة بكهرباء ٢١٠٠ ميجاوات كانت تشكل حوالى ٨٠% من كهرباء مصر بقيمة ١٠٠ مليون جنيه في السنة الأولى، وحاليا حوالي ٥%.
- السد العالي زاد من الرقعة الزراعية ١.٥ مليون فدان في العام التالي مباشرة بعائد انتاج زراعي حوالى ٣٠٠ مليون جنيه.
- السد العالي جعلنا نزرع طوال العام بعد ان كانت معظم الزراعة موسمية صيفية، وتوسعنا في الزراعة حتى وصلتا حاليا ١١ مليون فدان، بعضها يعتمد على مياه جوفية.
- السد العالي كان أساس الصناعة في مصر بتوفير الكهرباء لمصانع حلوان للحديد والصلب ونجع حمادى للألمونيوم ومصانع الغزل والنسيج وغيرهم..
- السد العالي حمى الآثار المصرية مثل معبد الاقصر والكرنك من الفيضانات المدمرة التي كانت السبب الرئيسي في تدمير الأسقف والأعمدة..
- السد العالي جعلنا نستغل كورنيش النيل وأكثر من ٣٠٠ جزيرة نيلية وأصبحت أغلى الأراضي بعد أن كانت اخطرها وأرخصها.
- السد العالي أنشأ نشاط السياحة النيلية بأكثر من ٣٠٠ فندق عائم وآلاف الأندية والعمارات والأبراج على ضفاف النيل.
- السد العالي حمى مصر من التخزين الاول والثانى والثالث وأي تخزين قادم في سد النهضة إن شاء الله، ولولا السد العالي لكان سد النهضة كارثة محققة.
- السد العالي غطى تكاليفه ٥٠٠ مليون جنيه مصرى (١.٥ مليار دولار في ذلك الوقت) في أقل من عام ونصف.
- السد العالي كون أكبر البحيرات الصناعية في العالم ٥٠٠٠ كم٢ يمكن استغلالها لتكوين ثروة سمكية تكفي مصر، وتكوين حوالي ٩٠٠٠ كم شواطئ على بحيرة ناصر وخيراتها يمكن ان تستغل لانشاء قرى على شواطئها ومدن خلفها، تخيلوا التعمير على ضفاف البحيرة بهذا الطول الكبير، يعني ممكن إنشاء محافظات جديدة على شواطئ البحيرة.
- السد العالي تم اختياره كأحد أعظم ١٠ مشروعات في العالم خلال القرن الماضي أفادت البشرية وتتميز باستخدام أعلى تكنولوجيا.
وفي النهاية :
أتمنى أن نثق في أنفسنا .. وأن نقدر ونثمن منجزاتنا ومواردنا … والا ننساق خلف دعاوي التقليل والنيل من مقدراتنا وامكاناتنا وانفسنا في ظل حرب فكرية اقتصادية علمية وحروب ضروس لاتضع اقلامها ابدأ والتشكيك والتقليل في ومن كل شيء وتأصيل ( الدونيه ) و ( الضعف ) والخوار لدى كل ماهو ( مصري ) .
عصام القيسي – على باب مصر – القاهرة 2024/08/02 –
أغسطس آب
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
الإخراج الفني في النص القرآني… بقلم م. مجدي سالم – رئيس قسم الدين و الحياة بجريدة على باب مصر
“حياة موسى” على شاشة القرآن.. ( 24 ).. في موسى ورسالته – 12
في المشاهد من سورة طه.. معجزة العبور.. غرق فرعون.. وإتخاذ بني إسرائيل العجل..
…..” وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى”….. من سورة طه..
سبحان الله المخرج القدير.. ما أروع الأسلوب فائق السرعة الذي روت به سورة طه لتلاحق الأحداث.. متجاوزة التفاصيل الطويلة لكل حدث.. طائرة إلى الهدف.. فسيتولى رواية التفاصيل السور التالية لها.. فسرعان ما تتجاوز تسجيلات سورة طه مأساة إعدام فرعون للسحرة.. جاءت السورة بالآيات التي يدعون فيها إلى الله.. وتلتها آيات في مآل المؤمن ثم مصير الكافر..
إن الآيات التالية لهلاكهم جاءت بإنتقام الله من فرعون وجنده وحاشيته وغرقهم.. أوحى الله لموسى أن اخرج ببني إسرائيل.. واعبر بهم البحر.. بلا خوف ولا تردد.. فيتبعهم فرعون فينطبق البحر عليهم فيهلكون جميعا.. وتشعر بإن الراوي العظيم يريد الشفاء لصدور القوم المؤمنين..
هكذا تلاحقت الآيات مع تلاحق المشاهد بأبدع تلاحق وأبدع اختصار واقتضاب.. هكذا أراد الله أن يأتي سرد المواقف والمشاهد في سورة طه.. نقلتنا الآيات (77 – 82) من مصر حيث كانوا في آتون الإستعباد.. إلى عرض البحر.. إلى غرق فرعون.. إلى كرم الله وإلى طعام السماء من المن والسلوى ينزل إليهم في سيناء دون تعب ولا عمل منهم.. إلى طغيان بني إسرائيل فيه حتى توعد ربهم لمن تجاوز الحمد والشكر منهم.. إلى بطرهم النعمة..
- ” وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي…
.. فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا… لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) …
.. فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ.. فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) ..
.. وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) ..
1) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ..
2) وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ..
3) وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80)..
4) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ
5) فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي.. وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)..
6) …..” وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) “….
وتخطت سورة طه ما كان من بني إسرائيل أن قالوا لسيدنا موسى.. عن عبدة الأصنام.. أن يجعل لهم إله كما لهم إله.. بل ذهبت السورة مباشرة إلى إتخاذهم العجل..
إن الله يخبر سيدنا موسى وقد جاء لميقاته عن فتنة قومه وقد أضلهم السامري.. فيعود موسى ليعنف قومه الذين لم يتوانوا عن عبادة العجل الذي صنعه السامري من حلي المصريين.. تلك التي الحلي التي سرقوها بحجة الإستعارة ليلة خرجوا من مصر.. فيقص عليه هارون أنه هادن بني إسرائيل للحفاظ على وحدتهم حتى يعود موسى من ميقات ربه.. وقص عليه هو والسامري ما كان من كل منهما حيال بني إسرائيل..
فيحرق موسى الإله المزيف ويلقيه في البحر.. ويبشر السامري بالنفي في الدنيا ألا يستطيع أن يمسه بشر.. أن له العذاب يوم القيامة.. وينطق أمام الجميع الشهادة بالوحدانية وبالعلم لربه..
أنظر كيف أخرج رب العالمين المشهد.. بدأ بالحوار مع موسى الذي جاء ربه مطمئنا.. قد قام بواجبه.. قد ترك هارون يتابع قيام قومهما بواجبات دينهم.. إن الله يخبره بعودة بني إسرائيل إلى المربع رقم واحد.. عادوا إلى الشرك.. وهم من ظن أنهم سيخلفوه إلى ميقات ربه.. ويترك الله لفطنة القاريء ما كان من رد فعل موسى.. وما ألم به من غيظ وغضب.. وأسف على ما قام به من جهد لدعوتهم إلى ربهم.. ويؤكد الحوار المشاعر والأحداث وما فعل موسى معهم.. وما قال لهم.. إن الموقف يشتعل بهذا الإستخفاف الذي يلاقيه به قومه.. إنهم يقرون بكل بساطة أنهم قد احتالوا على المصريين ليسرقوا منهم حليهم في ذات الوقت الذي كانوا فيه في مقام الفارين بدينهم من فرعون وملأه.. ويتعجب القاريء.. أي هجرة هذه.؟
وكيف قام السامري بصنع إله على شكل عجل.. واستغل علمه ورؤيته للروح الأمين في إنتاج تمثال لعجل له خوار.. وتصف لغة بني إسرائيل في الحوار مع هارون إلى أي مدى تبجحوا معه… وتناسوا ما علمهم موسى وما وعدهم من رحمة وغفران من ربهم.. لقد استمروا في غيهم وسيظلوا عاكفين على الشرك إلى أن يرجع موسى.. هكذا هم على مر العصور..
اقرأ مرة أخرى من سورة طه سيناريو الموقف كاملا في الآيات (83 – 98).. - وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) .؟
- قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) ..
- قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) ..
… فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا…. - قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا.؟ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) .؟
- قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا.. وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا..
…. فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) .. فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ .. - فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) ..
…. أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) .. - وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ.. وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ.. فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي.. (90) ..
- قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) ..
- قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ.. أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) .؟
- قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي.. إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) ..
- قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) .؟
- قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ.. فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ.. فَنَبَذْتُهَا.. وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) ..
- قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ.. وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ.. وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا.. لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) ..
….. إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98) …….
أراكم على خير إن شاء الله..
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️⬜️◻️
قبيلة العبابدة … بقلم سيد جعيتم – اتحاد كتاب مصر / اتحاد كتاب العرب – جمهورية مصر العربية
العبابدة
ألقينا الضوء في العدد الثاني من جريدة على باب مصر الإلكترونية على قبيلة بني الكنز التي تمتد جذورها بين مصر والسودان، واليوم نلقي الضوء على قبيلة العبابدة التي ترتبط أيضًا بمصر والسودان. وفي العدد القادم، بمشيئة الله، سنستعرض قبيلة البشارية.
تتفرع قبيلة العبابدة إلى العديد من الفروع، ويحمل كل فرع اسمًا خاصًا به، وتختلف المصادر في أصولهم، وأنا أميل إلى رأي شيوخ العبابدة، المدعوم من مصادر متعددة، الذي يشير إلى أن جذورهم عربية وأنهم ينتسبون إلى الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه، وسنورد كل ما قيل عن أصولهم:
تقطن قبائل العبابدة في المنطقة الوسطى والشمالية الواقعة بين النيل والبحر الأحمر، وفي حلايب وشلاتين وحتى حلفا… وينتشرون في الأقصر وأسوان وقنا وقفط وقوص وسنهور وأسنا وأدفو وكوم أمبو ودراو وبنبان وحتى توشكي و شرق السودان.. يُصنف سكان المنطقة ضمن عرقية (البجا)، وتُعرف المنطقة باسمهم (منطقة عرقية البجا)
والعبابدة، معظمهم من البدو الرحّل الذين يرعون الإبل والغنم، ويعتزون بأصولهم العربية (من الحجالة) المنتسبة إلى قبيلة قحطان التي عاشت في شبه الجزيرة العربية منذ قديم الزمن.
وبما أن المصادر أشارت إلى أنهم ينتسبون إلى الزبير بن العوام، ابن عمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن العبابدة عرب ساميون أكثر منهم كوشيين. وهم مسلمون سنة يتحدثون اللغة العربية بلكنة سريعة لكنها مفهومة، مختلطة بكلمات من لغة البجا.
تتميز أجسام العبابدة، رجالاً ونساءً، بالنحافة، ويفضلون معيشة الصحراء على الحياة في المدن لأنهم يحبون الحرية، والطبيعة لديهم مقدسة، و هناك مقولة شهيرة لديهم (اقطع رأس رجل ولا تقطع رأس شجرة) وتحتل شجرة الأكاسيا مكانة خاصة بين تلك الأشجار؛ حيث تُستخدم بذورها وأوراقها لإطعام الماشية، ويتم الاستفادة من أخشابها.
وهناك تعاون كامل بين المرأة والرجل في جميع الأعمال، مثل رعي الإبل وجمع الحطب وصنع الثياب وغزل صوف النعاج والجمال. وتتم تبادل الرسائل بينهم شفهيًا عن طريق الرعاة والتجار أثناء تنقلاتهم، ومن اختلطوا منهم بسكان المدن، كان منهم قضاة ومستشارون وأطباء ومهندسون وقيادات كبرى في القوات المسلحة، بالإضافة إلى البرلمانيين، ولهم تمثيل في مجلس النواب المصري، حيث يشاركون بكثافة في الانتخابات.
جدهم الأكبر عمران بن عمر بن يحيى بن عباد الصغير بن علي بن محمد بن يحيى بن عباد بن هلال بن أرق بن محمد الكاهل بن عبد الله بن حمزة عبد الله بن الزبير بن العوام (الذي سميت به قبائل العبابدة) وهو مدفون في وادي عباد بالقرب من مدينة أدفو بأسوان. ومن أجداد العبابدة أيضاً عزاز الذي ينحدر من كهيل أو كاهل، وهو جد الكواهلة في كردفان بالسودان.
والبجة هم سكان المنطقة الأصليون الذين امتزج بهم العبابدة، وقد أطلق عليهم المصريون القدماء أسماء (البجة – المِجَباري – التُرُجلُدايت – البليميون). وعرفهم الرومان واليونانيون أثناء تواجدهم في مصر. ويتفق المؤرخون على أن (المِجا) الذين ورد ذكرهم في الآثار المصرية القديمة منذ
الألف الثالث قبل الميلاد بأن الكوشيون يعيشون في الصحراء الواقعة إلى الشرق من إقليم واوات (العتباي) واستقروا في الصحراء النوبية في مصر والسودان وأجزاء من إثيوبيا، وهم أسلاف البجة الحاليين. وكانت تربطهم صلة قرابة وثيقة بقدماء المصريين، ويتجلى هذا في التشابه الواضح بينهم.
حارب البجا الهكسوس مع أحمس، ومن قبله مع والده سقنن رع وأخيه كامس من الأسرة الثامنة عشر، كما حاربوا الرومان الذين أطلقوا على العبابدة (أبناء الجن).
وهم حماة حدود مصر، وقد مجدهم رمسيس الثاني وأطلق عليهم اسم ميجا (الرجل المحارب) لقدراتهم العالية في الحروب.
كانت قبائل البجا تعبد الآلهة المصرية، خاصة الإله أوزوريس وزوجته الآلهة إيزيس. ثم اعتنق بعضهم المسيحية، حتى دخل الإسلام إلى مصر، وحصل تصاهر بين العرب المسلمين والسكان الأصليين.
في عام 275 قبل الميلاد، شيد بطليموس الثاني ميناء برنيس لاستيراد الأفيال من أفريقيا لاستخدامها في الحروب، وتطور الميناء إلى مدينة ومركز تجاري في العصر الروماني. وتم بناء عدة طرق لربط برنيس بمدن وادي النيل إلى أقصى الشمال، حتى الموقع الذي تحتله مدينة أشمون، وتوجد بالمنطقة معالم تاريخية منها معبد سكيت ومناجم الزمرد الرومانية، وأجزاء من الطرق الرومانية القديمة. كما أن منطقة برنيس تحتوي حاليًا على مطار يربط المناطق بشلاتين وحلايب ورمادا.
ارتبط البجا بالعمل في التعدين، حيث شاركوا المصريين القدماء في استخراج المعادن والصخور النفيسة من الصحراء الشرقية، وأبرزها الذهب والزمرد. وكان بعضهم يعمل في التنقيب عن الذهب بمحمية وادي العلاقي، وهو أحد أودية الصحراء الشرقية القاحلة على بعد 180 كيلومترًا جنوب أسوان، تبلغ مساحة الوادي 23800
كيلومتر مربع، وعمل العبابدة كقصاصي أثر، ولديهم مهارة في تقفي أثر الجمال والبشر، وساهموا في ملاحقة المهربين
الخارجون عن القانون، ومنهم أدلاء لطرق القوافل التجارية، حيث يعملون بالتجارة، خاصة تجارة الإبل ورعي الأغنام وجمع الأعشاب الطبية. كما أن بعضهم اشتغل في الزراعة في الأرض التي وزعتها الدولة على أبناء القبيلة في وادي خريت في السبعينيات، وزرعوها بالقمح والقصب، وبعضهم يصيد الأسماك، وكان سلاح حرس الحدود المصري في بدايته يتكون من أفراد قبائل العبابدة والبشارية، وكانوا أدلةً للحجاج المصريين في طريق الحج القديم حيث يرافقونهم إلى ميناء عيذاب، القديم (المكان الحالي لحلايب)، ومنه يتوجه الحجاج إلى جدة في طريقهم إلى مكة، قبل اكتشاف طريق الحج البري الحالي عبر شبه جزيرة سيناء والذي استخدم لأول مرة عند ذهاب السيدة أم خليل (شجرة الدر) زوجة الملك الصالح إلى الحج.
وعندما تعرضت أماكنهم للجفاف، نزح بعضهم مع مواشيهم بالقرب من مصادر المياه على ضفاف النيل، وامتزج بعضهم بسكان
المدن المصرية.
ذكر الأستاذ محمد الطيب في موسوعته:
بعد قيام محمد علي باشا بغزو المنطقة كان للعبابدة دور رئيسي في ضم أقاليم السودان إلى مصر. فقد أمدوا الحملة التي قادها إسماعيل كامل، نجل محمد علي باشا، لضم منطقة سنار، وكذلك الحملة التي قادها محمد بيك خسرو لضم كردفان بالجمال لنقل المؤن والذخائر والأفراد للقتال في صفوف الجيش الزاحف صوب الأراضي السودانية، بالإضافة إلى أن لهم دور كأدلاء و مرشدين في دروب الصحراء، ولا سيما الطريق الشرقي الذي يربط بين السودان ومصر عبر
صحراء العتمور، ويعتبرون أنفسهم سلاطين الصحراء. تنقسم قبيلة العبابدة إلى أربع فروع رئيسية:
ـ الجميلية، والعبوديين، والفقراء، والعشاباب.
يتميز أفراد قبيلة العبابدة بروح الترابط والتضامن بينهم، حيث يحافظون على تاريخ عائلاتهم وفروعهم ويحترمون أسماء مشايخهم ويفتخرون بأصولهم. ومن فروع بطون العبابدة:
ـ العبوديين والشناتير: البدقاب، الدريمساب، السبيعاب، العطلاب، الضروساب، الأدياب، القيسناب، الفواليه، والعمراب. ويسكنون في قنا وكورسكو
والنوبة (قرية السيالة وقرية المحرقة) ويتواجد بعض منهم في مناطق شرق وغرب النيل وهم الديكان.
= الفقراء والمليكاب: – العتمن – الويكتاب – العبدارجل – النمراب – السبايبه – المحموداب – السروراب – العكارمة – الرشاريش – الغنادير – السعدلاب – الحازماب – الغانماب –
الكراماب – الغوالية – الحميداب – الكلالسة – السعد حمداب – الفهيداب – البرياب، ويسكنون (مدينة دراو بمصر ومدينة برير بالسودان).
=العشاباب: العوضلاب – الديدناب – الشافعاب – العبدناب – السيدناب – الفراجاب – الجامعاب – القيزجاب، ويسكنون.
محافظة البحيرة – وإدفو شمال محافظة أسوان.
=الجميلية: ويسكنون (مدينة قنا – وجبل الأولياء بالسودان).
عادات وتقاليد العبابدة:
ـ الأفراح:
تختلف المظاهر الخاصة
بالأفراح بين قبائل العبابدة لاكتسابهم بعض العادات
و التقاليد الخاصة بالمناطق التي يقيمون بها، فالمقيمون في النوبة يتبعون نفس الطقوس الخاصة بأهل النوبة، وكذلك المقيمون في المدن دخلت على عاداتهم عادات أهل المدن في الاحتفال بالأفراح. ومع ذلك، فإن العائلات المقيمة في مناطق حلايب وشلاتين ورمادا قد احتفظت بمعظم عاداتها.
وطقوسهم القديمة، فلا يجوز الزواج في شهري محرم وصفر، ويفضل الزواج في أشهر ربيع الأول وربيع الآخر وجمادى الأولى وجمادى الآخرة وذو الحجة. كما يختارون توقيت الأعراس خلال الأيام القمرية للشهور العربية، وهي أيام 13 و14 و15. وتبدأ ليالي الأفراح بـ (الشيلة) حيث تحمل كل قبيلة أشيائها الخاصة وهدايا الفرح لتذهب إلى حفل الزفاف. وقديمًا، كان الترتيب للعرس يستغرق حوالي ثلاث سنوات، وكان يتم في موسم الأمطار وموسم القوافل التجارية لضمان حضور أكبر عدد من الأشخاص.
والاحتفال كان يستمر سبعة أيام، أما الآن فأصبحت فترة الاحتفالات تستمر لمدة ثلاثة أيام فقط، وتُقام وليمة في اليوم الأخير.
عندما يُقْبِل شاب على الزواج، يكون من الأفضل اختيار بنات العم والخال، أو إحدى بنات القبيلة. يرسل العريس برغبته لأهل العروس وهدية تُسمى (الألوم) بعدها يقوم والد العروس بأخذ موافقة كبار القبيلة، وبعد موافقتهم يرسل العريس للعروس هدايا تُسمى (بهدو)، وتتكون من ثياب وسكر وحلوى وتمر وبُنّ وفول سوداني، ومن ضمن الهدايا الحرير الأحمر المطرز.
بالأصداف والخرز وريش النعام (الشندئته)، ويتم الاتفاق على المهر وغالبًا ما يكون من الإبل أو الغنم، وبعد ذلك تُذبَح الذبائح.
بعد تحديد موعد الزواج، تعزل العروس في منزل والديها، ويُمنع العريس من رؤية عروسه لمدة شهر قبل الزفاف حتى يشتاق إليها. ويتم اختيار منزل الزوجية، وغالباً ما تقوم أم العريس باختيار المنزل.
وتحمل السيدات زعف جريد النخل مربوط بخيط من الصوف وتسمى (السنكواب)
وعند المنزل المختار تتعالى زغاريدهن، وتطوف والدة العريس حول منزل الزوجة وهي على بعيرها، هي ومن معها ويزغردن إعلاناً للفرح والابتهاج. وتُبنى البيوت من طوب وملاط وتتميز بأسقفها.
المبنية على شكل قبة، يشهر العريس سيفه ويطوف حول المكان المنزل معلنًا حمايته لبيته وزوجته، في المناطق الصحراوية، يتكون مسكن الزوجية من خيمة أو منزل مشيد من ألواح الخشب
والفروع الميتة من الأشحار ومن القصب التي يرصونها مع الصوف المنسوج، ويقيم حالياً الكثير من العبابدة في مساكن بنتها الحكومة في محمية وادي الجمال وفي أبو غصون وحماط.
نعود لمنزل الزوجية…وتُعلق إشارة بيضاء من القماش على المنزل دلالة على وجود زفاف، وتعتبر دعوة عامة للجميع للحضور الزفاف، وبعد ذلك تُذبح الذبائح ويُعد الطعام.
في يوم الزفاف، تقوم العروس بتحنية قدميها ويديها، كما تتحنّى قريبات العروس والعريس. ورسومات الحناء جزءٌ مهمٌ من طقوس الزواج، ويشارك الأبناء في ليالي السمر بالأغاني وإلقاء الشعر، ويرقص الشباب رقصةً يسمونها التربلة، ويتسلحون في الرقصة بالدرع والسيف وسط دائرة من أقرانهم. يهزّون رماحهم مع القفز على نغمات آلة الطنبورة، ويمزجون ذلك بالغناء الذي يمجّد شجاعة وأمجاد العبابدة.
يرتدي العريس جلباباً أبيض، ويمر بين المدعوين، وفي يده كرباج يضرب به أصدقائه بين الصدر والبطن دليلاً على قوته. وكلما كان الصديق أقرب إلى العريس، فإنه يخصه بالضرب.
وسط تهليل الحاضرين الذين يحرصون على ارتداء زيهم التقليدي (السواكني) المكون من القميص الأبيض الواسع المعروف بـ (البوجا) والسديري وحذاء أو صندل.
لا يعرف العبابدة قائمة المنقولات، حيث إن العريس هو المسؤول عن تجهيز منزل الزوجية بكافة مستلزماته، ما عدا المطبخ الذي تقوم العروس بتجهيزه حسب قدرة أسرتها، كما أنهم لا يعترفون بالخلع، لأن الزواج لديهم مقدس.
عندما يرزقون بمولود جديد، يربطون الحبل السري في أعلى شجرة أو يُدفن قريبًا من المسجد أو يُرمى في البحر. أما إذا كانت أنثى، فيُدفن الحبل السري خلف البيت دلالة على رغبتهم في استقرارها في المنزل. وعندما يرزقون بذكر، يطلقون اسمه على أفضل الإبل وتصبح ملكًا للمولود.
يحلق شعر البنات عند الختان، وفي حفل الختان، وفي حفل سبوع المولود، تُذبح الذبائح ويأكل منها الجميع.
الوجبات الأساسية:
الوجبة الأساسية لديهم هي اللحم المشوي على أحجار البازلت (السلات)، والمشروب الرئيسي هو البن المحوج.
بالحبّهان والأعشاب (الجبنة) والخبز يُسمى الجابوري (القبوري) مطهياً على الرمال الساخنة. ويتناولون اللحوم في المناسبات الخاصة كما يتناولون الأسماك. وغالباً ما يعتمد نظامهم الغذائي على القمح والبقول، خاصة العدس والأرز والزيت.
ومن عاداتهم أن المرأة لا تحلب الإبل ولا الأغنام، ولا يحلب الحليب سوى الرجال ولا يشربون منه إلا بعد أن يرشف منه رجل ضيف ويسمى عليه بسم الله.
حل النزاعات:
رغم تواجد الكثير من العشائر في المدن، فإن معظم نزاعاتهم تحل بالمجالس العرفية فيما يعرف بالحوكمة، وزعامة القبيلة تنتقل من الأب إلى الابن، وفي حالة الطلاق واحتدام الخلاف، يتم الطلاق بالتراضي. فإذا كانت الزوجة هي من تطلب الطلاق، فتتنازل عن حقوقها، أما إذا كان الرجل هو من يريد أن يطلق، فيتنازل عن منزل الزوجية بجميع مقتنياته.
الأعياد والاحتفالات:
يحتفلون بالأعياد الإسلامية، وموالد أولياء الله الصالحين، وموالد شيوخهم المبجلين.
الموت والدفن.
لا يحدد العبابدة أماكن كمدافن لدفن الموتى، بل تُستخدم قبور فردية حيث يُدفن الموتى في المكان الذي توفي فيه الشخص ما لم تكن هناك وصية بموقع محدد. كما لا توضع شواهد قبور ولا علامات لتمييز القبر.
وللعبابدة ممثل لهم منتخب في مجلس النواب المصري عن منطقة حلايب وشلاتين وهم يشاركون في الانتخابات بكثافة.
المصادر:
- كتاب الزواج والبيئة في منطقة شلاتين (جيهان حسن مصطفى).
- كتاب موسوعة القبائل العربية.
- كتاب العبابدة والبشارية: حماة الصحراء (عثمان الأمير).
- كتاب في بلاد العبابدة (د. سمير محمد خواسك).
- كتاب معجم قبائل العرب القديمة والحديثة (عمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغني كحالة).
- قبائل العرب في مصر (الدكتور عبد العظيم عبد السلام الفرجاني)
- كتاب نسب قريش للمصعب الزبيري.
- كتاب البيان والإعراب للمقريزي.
- موسوعة القبائل (للطيب).
ـ مقالات منشورة في الجرائد والمجلات المصرية (مجلة أكتوبر – صدى البلد – بوابة الأهرام – اليوم السابع – مجلة الجمعية المصرية الجغرافية).
آراء لكل من: أحمد لطفي السيد – اللواء صلاح التايب – اللواء رفعت الجوهري – كوثر عبد الرسول .
بقلم: سيد جعيتم
جمهورية مصر
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
رجال في الإسلام بقلم مدحت رحال – فلسطين
من العشرة المبشرين بالجنة
من أصحاب الشورى الستة للخلافة
إنه :
( عبد الرحمن بن عوف )
التاجر الناجح
الثري
المؤمن الأريب
أسلم في الساعات الأولى للدعوة على يدي أبي بكر ، قبل أن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ،
فهو من المبكرين في الدخول في الإسلام ،
فهو ثامن ثمانية .
هاجر إلى الحبشة الهجرتين
ثم إلى المدينة .
شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها ،
آخى الرسول عليه الصلاة والسلام بينه وبين ( سعد بن الربيع) ، فقال له سعد :
هذا شطر مالي ( أي نصفه ) فخذه
وتحتي امرأتان ، فانظر أيهما أعجب إليك فأطلقها وتتزوجها )
فقال له عبد الرحمن :
( بارك الله لك في أهلك ومالك .دلني على السوق فأنا امرؤ تاجر )
وخرج إلى السوق فاشترى وباع وربح
كان محظوظا في التجارة إلى الحد الذي أثار عجبه ودهشتهه فقال :
( لقد أراني لو رفعت حجرا لوجدت تحته فضة أوذهبا )
ومما زاد تجارته نجاحا وبركة أنها لم تكن له وحده ،
بل كان لله فيها النصيب الأوفى ،
يصل به أهله وإخوانه ، ويجهز به جيوش المسلمين ،
كان يقض مضجعه أمر واحد ،
قال له الرسول صلى الله عليه وسلم مرة :
لقد رأيتك تدخل الجنة حبوا .
فاقرض الله يطلق لك قدميك .
ومنذ أن سمعها وهو يقرض الله قرضا حسنا ،
فيضاعفه الله له أضعافا كثيرة ،
وبلغ من سعة عطائه وعونه أن كان يقال :
( أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله ) ،
ثلث يقرضهم
وثلث يقضي ديونهم
وثلث يصلهم ويعطيهم .
ورغم ثرائه وسبقه ، فقد كان متواضعا لم يعرف الصلف والكبر طريقا إلى نفسه ،
حتى لو رآه غريب وهو بين خدمه ما استطاع أن يميزه من بينهم ،
وبقدر جوده كان بلاؤه في سبيل الله ،
أصيب يوم أحد بعشرين جراحة ، تركت إحداها عرجا دائما في إحدى ساقيه ،
كما سقطت بعض ثناياه فتركت هتما واضحا في نطقه وحديثه ،
وعندما اختار عمر بن الخطاب ستة وجعل الشورى فيهم ليختاروا من بينهم الخليفة الجديد ، كان ابن عوف أحد الستة .
بل ولقد فاتحه بعض الصحابة بأحقيته في الخلافة ،
فقال :
( والله لأن تؤخذ مدية فتوضع في حلقي ثم يُنفذ بها إلى الجانب الآخر ، أحب إلي من ذلك )
وعندما اجتمع الستة ولم يتوصلوا إلى اتفاق ، اقترح ابن عوف أن يتنازل أحدهم عن حقه لأصحابه على أن يكون له حق اختيار الخليفة ،
فلما لم يتنازل أحد ، أعلن عبد الرحمن عن تنازله عن حقه .
وتم اختيار عثمان بن عفان خليفة كما نعرف ،
ولم يكن اختيار ابن عوف للخليفة محاباة ،
ولكنه كان اختيارا وفقا لوجهة نظر رآها .
وأمضى الباقون اختياره ،
وعندما كان عبد الرحمن بن عوف يجود بأنفاسه الأخيرة ، عرضت عليه أم المؤمنين عائشة أن يُدفن في حجرتها إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر تكريما له .
فاستحيا أن يرفع نفسه إلى هذا الجوار تأدبا مع الرسول وصاحبيه .
كما أنه كان على موعد وعهد مع ( عثمان بن مظعون ) ،
أيهما مات بعد الآخر أن يُدفن إلى جوار صاحبه .
وبينما روحه تتهيأ لرحلتها الأخيرة تغشته سكينة الله .
ولعله كان يسمع صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ عهد بعيد يبشره بالجنة ويقول :
(( عبد الرحمن بن عوف في الجنة )
رضي الله عنه وعن سائر الصحابة أجمعين
مدحت رحال ،،
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
شعر الفصحى
” هو الصبح “…. بقلم الشاعر و الناقد الكبير أ. السيد حسن ” مدير عام البرامج الثقافية بالإذاعة المصرية و نائب رئيس اتحاد كتاب مصر
هوَ الصبحُ
يُضْنِيهِ مَا أَثْقَلَكْ
فيا أيُّها المُستباحُ استفِقْ
ويا أيُّها المُرتضِى
أن توزَّعَ فوقَ الليالِى
حَكَايَا –
أَفِقْ
هوَ الصبحُ يطلبُ منكَ انتماءكَ لكْ
هوَ الصُّبحُ يُشقِيهِ صَمتُكَ
يُشقِيهِ نُطقُكَ
يُشقِيهِ أنْ يَسألَكْ
إِلامَ انتثارُك فوقَ المَرايا ؟!
إلام ارتضاؤكَ أن تُستباحَ
وأنتَ الخبيرُ بما كبَّلَكْ؟!
مَرَايَاكَ مَا كُسِّرَتْ مِنْ أَمَامٍ
مَرَايَاكَ مَا كُسِّرَتْ مِنْ وَرَاءٍ
مَرَايَاكَ قَد كُسِّرَتْ دَاخِلكْ
فيا أيُّها المُستباحُ استفِقْ
ويا أيُّها المُرتضِى
أن توزَّعَ فوقَ الليالِى
أَفِقْ
هوَ الصبحُ يطلبُ منكَ انتماءكَ لكْ
مارس 1991
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
غُصصٌ وسِراج ….شعر: أيقونة الضاد د.وجيهة السطل – عالمة اللغة العربية و المستشار اللغوي لجريدة على باب مصر
ماذا أقولُ وقلبي ملؤه غُصَصٌ
تسري، فيَشرَقُُ بالأنّاتِ في شمم
يَهُبُّ منتفضًا في وجهِ مغتصبٍ
يصبُّ فوق الأعادي جامَ منتقم
يقول يا وطني قد أقفرتْ سُبُلي
لابُدَّ من عودةٍ، لا بدَّ من هِمم
يا مسلمون وهل ماتتْ ضمائركم
والله أخرجكم من خِيرَةِ الأُمَمِ
والعُرب فوضى وقد أضحت خزائنهم
بالمال ملأى، وخُلوًا من شذا القِيَم
ربّاه إنّا شعوبٌ أدمنتْ وجَعًا
كأننا أمّةٌ تعتزُّ بالألم
أطفالُ غزةَ في جوعٍ وفي ظمأٍ
ويسبحُ القومُ في بَحرٍ منَ النِّعَمِ
هلْ حاتمٌٌ رجلٌ يُعلي أوائلكم ؟
وهم جياعُ ولا تُنجون مِنَ سقَمِ
9-أَشبعتمونا خسيسًا من مواقفكم
شجبًا ولا سامعٌ في هيئةِ الأمم
أرض مباركةٌ تصغي لصمتهم
تصغي لِمَا رسم الأحرارً من حِكم
فمِن شُواظٍ ترى أنقاضَ أسلحةِ
ومِن مُسَيّرةٍ، نارًا بمضطرِم
الله أكبرُ منها النصر مفتتًحٌ
(وإلِّ يسين) نيرانٌ على أُكُم
وغزةٌ تضربٌ الأمثال للدنيا
تسمو منازلها والمسلمون عُمي
تصوغُ منها سلاحًا في حِمى وطنٍ
صدورهمْ في الوغى درعٌ من الشمم
15-هذا المُلثَّمً مصباحٌ يغلِّمُنا
ليس النضالُ بغيرِ الصبر يستقم
يذيعها صرخة تحيي جبابرة
عودوا لسيرتِه فالظلمُ لم يَدُمِ
وإنه لَجهادُ الصامدين بها
أو نلتقي زمزًا، تزهو بمختتم
ناشدتك الله أمي وانسجي أملا
فالنصرُ آتٍ بإذن الله ذي الكرم
يبقى الشهيدُ سراجًٌا نستضيءُ به
فيملأُ الدربَ نورًا في حِمى العَلَم
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
حروفُ اللّيل … بقلم الشاعر القدير أحمد موسى- لجنة حماية اللغة العربية – اتحاد كتاب مصر و المستشار الأدبي لجريدة على باب مصر
كُلُّ حُرُوفِ اللّيلِ حَيَارَى
تَأخُذُنِي للَوَهْمِ بَعِيدًا
في ظُلُمَاتِ التِّيهِ وَتَهْرَبْ!
إِنْ أَصْغَيْتُ لِزَفْرَةِ قَلبِي
– عِندَ صَهيلِ الرُّوحِ جُمُوحًا –
تَهْجُرُنِي الكَلِمَاتُ وَتَذهَبْ!
صَوْتٌ مَسْجُونٌ في صَدري
.. بَينَ ضُلُوعي
تَحتَ سِيَاطِ الصَّمتِ يُعَذَّبْ
صِدْقًا أَم كَذِبًا؟
لا أَدْرِي!
وَهْمًا؟ حُلمًا؟ حَقًّا؟ عَبَثًا؟
لا أَتَحَرَّى، لا أَتَرَيَّبْ
لَيسَ لِرُوحِ العاشِقِ مَثوى!
لَيسَ لِعَقلِ الذَّاهِلِ مَأربْ!
أَقبَلُ كُلَّ حَديثٍ يُرْوَى
في حَاناتِ الشَّوقِ
وَأَشرَبْ
أقبِسُ بَعضَ ضِياءِ حُرُوفي
مِن وَمْضِ ” الَّلاوَعْيِ “..
وَأَكتُبْ!
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
في خيمة الليل … شعر د. جمال مرسي- شاعر النيل المعاصر و رئيس منتديات قناديل الفكر و الأدب و المستشار الأدبي لجريدة على باب مصر
أرق أرق..
الليلُ يَسكُنُ خَيمَةً شِتوِيَّةً
نَسَجَتْ خُيُوطَتَها الكَوَاكِبُ و النُّجُومُ..
وثَبَّتَت أَوتَادَهَا فَي الأَرضِ أَرسَانُ الأَرَقْ .
مُتَأَهِّبٌ لِلنَّومِ،
أَرخَى فَوقَ عَينِ الكَونِ سِتراً أَسوَدا .
وعلى بِسَاطِ الأرضِ نَامَ مُمَدَّدا .
نَظَرَت إلى الأُفْقِ البعيدِ عُيُونُهُ .
هُوَ لا يَكادُ يرى يَدَيهِ
ولَيسَ يَسمَعُ في الفَضَا إلاَّ الصَّدَى
أَحلامُهُ مَاتَت عَلَى شَفَةِ السؤالِ
تَنَازَعَتهَا وَحشَةٌ،
ونُيُوبُ ذئبٍ بَربَرِيٍّ ..
لَم يَزَل يَطَأُ الجِراحَ، النَّهرَ،
ضِحْكاتِ الصِّغَارِ، الوَردَ،
آياتِ الكِتَابِ،
منازِلَ الشُّرَفَاءِ،
مَكتَبَةً ..
بِكُلِّ صَغِيرةٍ و كَبِيرَةٍ زَخَرَت،
وحِبراً داعَبَت قطراتُهُ وَجهَ الوَرَقْ .
أَرَقٌ، أَرَقْ .
الليلُ يَسكُنُهُ الأَرَقْ .
وأنا سَأَسكُنُ خَيمَةَ اللَّيلِ الذي أَبصَرتُهُ
يَبكِي لأَوَّلِ مَرَّةٍ
ولَطَالَمَا صَدَرَت عَلَى سَاعَاتِهِ أَحكَامُهُمْ .
هُوَ ظَالِمٌ،
هُوَ مُظلِمٌ،
هُوَ بَاعِثٌ لِلحُزنِ فَليُشنَقْ عَلَى بَابِ الفلقْ .
أَو تُحبَس الأَنسَامُ عَنهُ
يَنُوءُ بِالنَّجْمَاتِ، بِالقَمَرِ المُنِيرِ بِأفْقِهِ،
بِسكُونِهِ،
بِجَلالِهِ،
بِجَمَالِهِ،
بِسَوَادِهِ،
يَهوِي إِلَى أَرضِ النِّفَاقِ فَيَحتَرِقْ.
يَا أَنتِ هَيَّا نُوقِدُ النِّيرَانَ،
أَضيَافُ الدُّجَى قَد أَقبَلوا..
مِنْ كُلِّ فَجٍّ حَامِلِينَ جِراحَهُمْ، و وُرُوُدَهُم،
وكُؤُوسَ لَهفَتِهِم إِلَى شَهدِ اللِّقَاءِ
فَهَيِّئِي مِن خَيمَةِ اللَّيلِ الوِسَادَ
وعَطِّرِيني مِن أَرِيجٍ لَيسَ يَعرِفُهُ سِوَانَا
رُبَّما لَو تُهتُ عَنكِ يَدلُّنِي سِحرُ العَبَقْ .
أَرَقٌ أَرَقْ
الليلُ يُوشِكُ أَنْ يَنامَ على ذِرَاعِ الفَجرِ
قد ثَقُلَت عليهِ همومُهُ .
أَتُراهُ يتركني وحيداً ..
لا نديمَ سوى التذكِّرِ ..
حين يقطعُ طيفُكِ القَمَرِيُّ آفاقَ اْغترابي
تاركاً لي قصةَ الحُبِّ الطفوليِّ،
ابتسامَتَكِ البريئةَ،
لونَ عينيكِ،
الرؤى،
قاموسَ أيامِ الرعونةِ و النَّزَقْ .
أرَقٌ أرَقْ .
الليلُ يَضحَكُ لِي،
يُوَدِّعُنِي،
ويَمضِي حَيثُ يَأْخُذُهُ الصَّباحُ إِلى البَعِيدِ
ولَم أَزَل أَقتَاتُ عُشبَ الحُزنِ
أَلتَحِفُ الأَسى،
والنومُ يأبى أَن يُصَالِحَ مقلتي .
…
جمال مرسي
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
ببنَ النَّرجيلةِ والأفعى… بقلم الشاعر محمد عبدالرحمن كفرجومي – رئيس قسم الفصحى بجريدة على باب مصر – سوريا
١-وسؤالٍ ظلًّ يُراوِدُني:
هَلْ تحوي النَّرجيلَةُ نَفْعا؟!
٢-أًمُدَخٍّنُها يَسْتَعذِبُها
بِدُخانٍ يَنْفُثُهُ قِمْعا ؟!
٣-فَمُهُ قد أمْسى مِدخَنَةً
ما أقبَحَهُ هَذا الْوَضعا !!
٤-وَكَعَبدٍ يُقْعي جانِبَها؛
يُصخي لِلْبَقْبَقَةِ السَّمْعا..
٥-لا يَعلَمُ أنّ بِها سُمًّا
وببطءٍ تَصرعُهُ صَرعا..
٦-وَتُسَبِّبُ أمْراضًا شَتَّى
قَد فاقَت في عَدَدٍ تِسْعا ..
٧-تَحويها بيْنَ ثناياها
بِالْمُدمِنِ تَزرعُها زَرعا ؟!
٨-هَذي النَّرجيلَةُ في شَكْلٍ
وبِمَضْمونٍ أختُ الْأَفْعَى..
٩-لَهُما طَبعٌ هُوَ مرذولٌ
والنَّرجيلَةُ أرذَلُ طَبعا..
١٠-فالأفعى تَسعى هاربةً
لَكِنْ هِيَ تلبِدُ لا تَسعى..
١١-لَوْ أنَّ الْأمْرَ بِمَقْدوري
لَقَمَعتُ النَّرجيلَةَ قَمْعا..
١٢-ومَنَعتُ جَميعَ مُحِبِّيها
أنْ يَأتوها أًبَدًا قَطعا..
١٣-وأُعاقِبُ مَنْ يَتَعاطاها
وَنَواصِيَهُمْ أسْفَعُ سَفْعا..
١٤-كَيْما يَخلو الْعالمُ مِنْها
فَهِي السُّمُ النّاقِعُ نَقْعا..
١٥-أوْلى أنْ نَصرِفَها عَنَّا
أن نَسْتَغنِيَ عَنها أَدعى!!
١٦-هَلْ أدرَكْنا فرقًا جَمًّا
بَيْنَ النَّرجيلَةِ والْأفعى؟!
السبت ١٤٤٦/١/٢١هج. ٢٠٢٤/٧/٢٧م.
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
نضال الروح … شعر أ.د. إسلام حمدي عبد المقصود – مصر
هَلْ غَادَرَ المَكْسُورُ لَوْحَةَ حُزْنِهِ
أَمْ قَدْ تَرَاهُ مِنَ الهُمُومِ مُحَطَّمَا
هَلْ سَوْفَ تَنْدَمِلُ الجِرَاحُ بِعُمْقِهَا
أَمْ سَوْفَ أَرْقَى عِندَ فَجْرٍ مُرغَمَا
أَنَّت حُرُوفِي وَاسْتُثِيرَتْ مَهْجَتِي
وَحَظِيتُ لَيْلًا فِي حَيَاةٍ مُظْلِمَا
أَنَا مَا أَرَدْتُ النَّوْحَ لَكِنْ لَمْ أَشَأْ
أَنْ أَرْتَضِيهِ عَلَى طَرِيقِي مَعلَمَا
فَنَهَضْتُ مِنْ تَوِّي أُقَاوِمَ وِحْدَتِي
فَشَرِبْتُ مِنْ كَأْسِي شَرَابًا عَلْقَمًا
وَخَلَقْتُ مِنْ ضَعْفِي جَوَادًا قَادِرًا
أَنْ يُعْتَلِيهِ وَأَنْ يَطَالَ الأَنْجُمَا
كُلُّ الأَمَانِي بِالْعَزِيمَةِ تُجْتَبَى
وَقَدِ ارْتَضَيْتُ الدَّهْرَ فِيَّ مُعَلِّمَا
فَكَسَرْتُ قَيْدِي وَانْطَلَقْتُ إِلَى السَّمَا
نَسْرًا قَوِيًّا فِي الفَضَاءِ مُعَظَّمَا
يَا طَالِبَ العُلْيَاءِ فِي هَذِي الدُّنَا
سَتَنَالُ إِنْ تَصْبِرْ بِصِدْقٍ مَغْنَمَا
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
“مجنونة ” على البحر الكامل
بقلم وليدالحريري الشوالي /سوريا
روحُ الـقَصيدةِ أنـتِ .. أصـلُ مَـراجـعي
صـمتُ الـخَيالِ وصـوتُ نـبضِ الـوَاقِـعِ
يـا أكـثرَ امـرأةٍ تَـسِحُّ أنـوثَـةً
وأرقَّ مـا هَـمَسَتْ شِــفاهُ أصـابِـعي
إنِّـي أحـبُّكِ.. هٰـكذا .. مـجنونَـةً
مـغرورةً .. تَـحتلُّ عـرشَ تـواضُـعي
يـا مَـن إلـيكِ الـشِّعرُ يـرجِـعُ وَحـيُهُ
وَبِـوَجـهِكِ الـقَمَريِّ كُـلُّ مَـطالِـعي
إنّـي أحـبّكِ .. والّـذي جَـعَلَ الــهَوىٰ
ما بـيننا .. شـوقاً وَصَـبَّ مَـواجِـع ِ
عـوديْ .. عـساهُ الـشِّعرُ يـرجِـعُ ضـاحِـكاً
مـا عـادَ يَـنفَعُ أنْ تـبوحَ مَـدامِعي
وتـقدّميْ شَـغَفاً بِـفَيضِ مَـشاعِـرٍ
مـايـنبَغي في الـحُبِّ أنْ تـتراجَـعي
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
سَكرَةُ الحُب …محمود عبد الرحمن
– مصر
إنَّ الذي فِي سكرةِ الحُبِّ انْزوى
قلبٌ تصحَّرَ في الغرامِ،
وقدْ هَوَى
أعيَا الفؤادَ جفاءُ مَنْ…
كانوا لنا مثلَ الهواءِ،
وكلُّ مَنْ يهوَى…هوَى
ويلٌ لمنْ ذاقَ الفِراقَ
ولم يزلْ….
يدنو…
لمن أسقاهُ كاساتِ النَّوى
يشكو لنجمِ الليلِ….
غربةَ قلبهِ،
ويتمتمُ الآهاتِ عمَّا قدْ نوَى
ماذا نوى غير الأنين…
يصبُّه فوقَ الصبا….
من غير شافٍ أو دَوا؟!
غيرَ الأنينِ…
ملازمٍ لصبابتِي،
والجرحُ فوقَ الصدرِ….
مدَّدَ واستوَى
ماكان “قيسٌ” في الغرامِ….
دليلَنا
فحبيبُ “ليلى” لم يذقْ…
إلا الجوَى
يهوى المفارقُ
أن يلوكَ عذابَه
يُسقى بنارِ الشوقِ دهرًا…
ما ارتوَى
“أطلالُ ناجِي” في الفراقِ…
مدينةٌ لرفاتِ صبٍ
بالعذاباتِ اكْتوى
أمضيتُ عمري يا حبيبي….
راحلًا
والهجرُ في قلبِ القصيدةِ….
مُحتوَى
تبًا لكل العاشقينِ
ألم يروا
أن الغرامَ لهم بلا نارٍ شَوى
حملوا الذنوبَ
ولا سبيلَ لتوبةٍ
فأجاءهم نحو الصراطِ
وما احْتوى
فامسكْ كتابَك باليمينِ
ولا تسلْ
أو لُم فؤادك؛
إنّه قلبٌ غوى
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
اِستغفرَ القلبُ … شعر رشا عادل بدر- المنصورة / مصر
اِستغفرَ القلبُ الكليمُ مليا
ليراك كي تحيا القصيدة فيا
لأشم عطرَ الشوق في النبض الذي
يشتاق أن تلقي الثياب عَليا
لأرتب الأفكارَ حين يهدني
قلبي الذي ارتكب الغرام رضيا
فيك ارتكبتُ خطيئتي وعشقتُها
وتبعتُ وهميَ حين كنتَ تقيا
لي ألفُ نبضٍ في ضلوعِ قصيدتي
عتقت منها عشقيَ الأبديا
ونزفتُ من عيني دموعَ نبوءتي
لتكون لي بين الزمان وليا
فأضأتَ في كفي شموعَ صبابةٍ
لنهيم في أرض الخيال سويا
فتسيل من دمنا عطورُ محبةٍ
فأضم فيك زمانيَ المنسيا
وترتب النجماتُ بوصلة الرؤى
لنقيم فيها عشقنا الأزليا
تا الله ما غابت سلافُك عن دمي
صليت فيها فرضَك القدسيا
وعلى جبين الشمسِ كنتُ أميرة
خلّدت رسمُ الحب أندلسيّا
تلك الحروفُ الغافياتُ على يدي
نزفتْ دموعا رُكّعا وبُكيا
وتريد أن ترتاح بضع دقائق
كيما نهدهد طفلنا القمريا
والله ما اخترت الغرام لأضلعي
فالعشق كان محتّما مقضيا
أنت الذي صلصلتُ طينَك من دمي
وأنا عشقتك كي تكون نبيا
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
فِي هِجْرَةِ الْمُخْتَارِ …. شعر بقلم/ شُكْرِي عِلْوَانَ- مصر
( مَاذَا تَقُــولُ بِهِجْرَةِ الْمُخْتَــــارِ)
فِي ذِكْرِهَــا مَنْدُوحَـة ُ الْأَسْـــرَارِ
فِيهَا الْأَمَانَةُ وَالْكَرَامَــةُ وَالنَّـــدَىٰ
وَالْخَيْرُ عَـــمَّ بِرَوْضَــةِ الْأَخْيَــارِ
نُورٌ أَضَــاءَ الــدَّرْبَ حَيْثُ مَحِلُّهُ
فَضِيَاؤُهُ قَــــدْ طَـــــمَّ بِالْأَنْــــوَارِ
هِيَ هِجْرَةٌ فِي إِثْرِهَا طِيبُ الثَّوَىٰ
وَقَــــرَارَةٌ بِمَوَاطِـــنِ الْأَنْصَـــــارِ
نِعْــمَ الْإِخُوَّةُ فِي رِحَـــابِ رَسُولِنَا
حُـــبٌّ حَوَتْــهُ أُضْلُعُ الْأَصْهَـــــارِ
وَتَوَالَـــتِ الْأَحْدَاثُ طُــرًّا تَنْقَضِي
فَتَوَحَّـــــدَ الْأَسْيَـــادُ بِالْأَمْصَـــــارِ
حَــــوْلَ النَّبِيِّ الْهَـــاشِمِيِّ تَحَلَّقُـوا
وَالْفَضْـــــلُ وَالتَّمْكِيـنُ لِلْأَطْهَــــارِ
وَاللهُ أَعْطَـى الْمُــــؤْمِنِيـنَ مَكَانَــــةً
قَـــدْ خَصَّهُــمْ بِمَنَـــازِلِ الْأَبْـــــرَارِ
فَرَوَوْا بِطَاحَ الْأَرْضِ مِسْكَ دِمَائِهِمْ
حَتَّى اسْتَعَـادُوا الْعِــــزَّ بِالْإِصْــرَارِ
يَا أُمَّـةَ الْمُخْتَـــــارِ تِيهِى وَاسْعَـدِي
بِالْهِجْــــرَةِ الْعُظْمَىٰ وَبِالْأَحْـــــرَارِ
يَا رَبِّ صَـــلِّ عَلَـىٰ حَبِيبِي أَحْمَـــدٍ
وَأَعِـــــدْ إِلَيْنَـــا نُصْرَةَ الْقَهَّــــــــارِ
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
أشرعة الخلود بقلم محمود صالح
تعـاتبنـي وتســألُ عـنْ شـــرودي
وتبحث في الجوانحِ عن نشيدي
.
فهـلْ سيـفـيـدُهـا حرفٌ خـجـولٌ
يثـيــرُ النـقْــعَ فـي وجْـهِ العبـيـدِ
.
تســائلُني كـأنْ لــمْ تــــدْرِ مـــاذا
يُـحـــاكُ مِـنَ العـواصـفِ للــورودِ
.
أنـا يـا غـادتـي أغلـقْـتُ سطــري
عـن الـتـشبيـبِ واللّحـنِ البلـيـدِ
.
ولمْ تـعُـدِ الـعـطور تثير شـوقـي
ولا نـايُ الهـوى يغـري قصيــدي
.
هنـالك إخـوةٌ لـي حـيــنَ عــدنـا
أعـادوا الـــرُّوح للأمـلِ الـتـلـيـــدِ
.
أحـاطـوا القدسَ نهــرًا من دمـاءٍ
تـحَــــدّى كــــلَّ أفّـــــاكٍ مــــريدِ
.
يـلـطّــخُ كـــلَّ مــحـتــالٍ جـبـانٍ
ويُــغْــرِقُ كــلَّ شــارونٍ عـنـيـــدِ
.
ومـــدُّوا للسمــاء حـبـــال طـهـرٍ
من الأرواح فـي شـــوقٍ فـريـــدِ
.
شهــــيـدٍ مُقْــدمٍ يـبــكــي إذا مـا
تأخّـــر دورُه خـلـــفَ الـشـهـيـــد
.
وأمٍّ تـنْــهــــرُ الـدَّمْـعــــاتِ بـــأسًا
وتـقـتــحــمُ المعــاقـــلَ بالولـيــدِ
.
وما زالتْ فلـولُ الوهْــنِ حـيــرى
مـتـيَّـمـــةً بـأبــخــــرةِ الـيــهــودِ
.
وتعـزفُ للشعــوبِ النــايَ سكْـرًا
بأغـنـيــةِ الـســــلام وبالحــدودِ
.
ولا تـدري بـــأنَّ الــعـريَ طـــاغٍ
ولـيـس لـهـمْ إلـيهِ مِـنْ مـزيـــدِ
.
فهـلْ مِـنْ قـــائــــلٍ لــهــمُ بـأنّـا
سـئـمْـنــا منْـهـمُ ذلَّ الـقـعــودِ؟
.
فـإمّـا أن تعـــودوا الـيــوم مـنَّـا
بأشرعـــةِ الجهــادِ إلى الخـلـودِ
.
وإلا فانـعـمـوا بـالـجـــاه لـكـــنْ
بعـيـدًا عـن مجــابهــة الأســودِ
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
نجوى الأماني …. شعر أدهم النمريني
سَقانا النّأْيُ بالحرمـــانِ قَهْرا
وصِرنا نرتوي بالآهِ قَسرا
ونَحبو نَحو بابٍ للأمــاني
ولكنَّ اللقــا قد قالَ عُذرا
أنجلسُ تحتَ ذاكَ البدر ليلًا
ونقطفُ من رياضِ الشّوقِ زَهْرا؟
ونسرقُ من عيـــونِ الليلِ دمعـًا
ونبني في خدودِ الصّبحِ جِسرا؟
لأنّ الشّوقَ يجرحُ فـي شَهيقٍ
بَكينا من زفيــرِ الوَجْدِ شِعرا
وما زالَتْ تُحَدّثُنــا الأمــاني
وكم فيهـــا دَفَعنا العُمْرَ مَهْرا
صَمَتْنا كم صَمَتْنا دونَ بَوْحٍ
ولكنَّ العيــــونَ تُبيحُ سِرّا
فَفيها من بليـــــغِ القولِ بادٍ
وفي حَدَقاتِها ما صــارَ جَهْرا
ننامُ على اشْتيـــــاقٍ كلَّ ليلٍ
ونمسي في حَديـدِ القهرِ أسرى
نُفَتِّشُ عن هَوانا فـي ظلامٍ
فتصفعُ حُلْمَنا فـي الليلِ ذِكرى
نميلُ إلى السّكـــونِ وليسَ فيهِ
سِوى الآلام إذْ ما ساقَ قَهرا
عسى الأيـّامُ تُسْعِفُ في لِقـــاءٍ
وتُشْعِلُ في فَتيــلِ الشّوقِ فَجْرا
ونبقى رهنَ ذاكَ الرَّوضِ حَتّى
يُعانِقنا الهوى ونفوح عِطرا
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
دعوة الإصلاح … بقلم الشاعر نزهان الكنعاني – العراق
صلاحُ القلبِ يوحي بالتلاقي
ويوصي النفسَ في صدقِ العِناقِ
ففي نبذِ التخاصمِ و التجافي
إلى الأشجانِ عَدْوي بانطلاقِ
دموعُ العين من بعد التأسّي
تريكَ السعدَ في صبِّ المآقي
لفي النبضاتِ حُسنُ الظنِّ يودي
إلى الإيثارِ ما بينَ الرفاقِ
أبرُّ الناسِ من بالخيرِ يسعى
يحوزُ النصرَ في أبهى سِباقِ
كريمُ النفسِ من نثرَ التحايا
كضوعِ الوردِ في روضِ الوفاقِ
أرى الدعواتِ بالإصلاحِ تسري
كعذبِ الماءِ في مجرى السواقي
لذيذُ الطعمِ في الظمآن دوماً
هِي الرشَفاتُ من عذبِ المذاقِ
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
《عِنّاب》شعر أحمد رستم الدخل الله – سوريا
ما لِلفؤادِ تَرَقرَقَت أعتابُهُ
وتعدّدت من بَسمِها أسبابُهُ
حسناءُ أعلَت نبضَهُ وتسارَعَت
دقّاتُهُ وتوطَّدَت أطنابُهُ
للهِ قلبٌ قد تَسمّرَ واجفاً
لُفِحَت من النّورِ البهيّ قِرابُهُ
ما عاد يجدي أيُّ نفعٍ بعدما
كَثُرَت مع الحُسنِ البديعِ طِلابُهُ
عِنّابُ خَدِّ العامريةِ ذُوِّبَت
وتخمّرَت عند الدّجى أكوابُهُ
وكأنّهُ الشّهدُ الذي ما قُدِّرَت
لِشِفاهِ إنسٍ في المَذاقِ رِضابُهُ
مَن يرتجي لَثمَ الكؤوسِ كمَن بدا
خَشِعاً تلوّعَ في الشّقاءِ خِضابُهُ
رُدّي عليهِ عِبادَةً ومَناسِكاً
قد يَستَحيلُ مع الذَّهولِ مآبُهُ
ما كان يحتملُ الهوى بِكُهولةٍ
فَضَحَت عيوناً فَاستُشِفَّ عَذابُهُ
لولا المكانُ والازدحامُ ومَن رأى
لاصطفَّ في شِعبِ الصّلاةِ رُهابُهُ
شكواهُ – مَن ذا يشتكي من نِعمَةٍ
فيها تلظّى واكتَوَت أسرابُهُ
فالنّارُ دائرةٌ تُحيطُ مكانَهُ
لا النّارُ تَنهَرُ أو يُشدُّ رِكابُهُ
إنّ المُقامِرَ لو أطالَ خسارةً
قد يُقتدى رغم الذُّنوبِ عِقابُهُ
فِرقان أحيا ميِّتاً من قَبرِهِ
صمتٌ وبَسْمٌ بل هُمّا رُغّابُهُ
ويجودُ في خُدَدِ الجمالِ ويُغتَنى
رغم التَّمنُّعِ والذُّهولِ خِطابُهُ
ويقولُ ما عَجِزَت أشاعِرُ حِقبةٍ
في الماجديةِ أو نست كُتّابُهُ
مَن خاضَ في مَهدِ الشّبابِ تعشُّقاً
أرداهُ في عهدِ المَشيبِ شَبابُهُ
سهمُ الهيامِ مُصوّبٌ في مَقتَلٍ
مَن لم يُمِتهُ مُعَذَّبٌ نشّابُهُ
والعِشقُ باقٍ لا يُنالُ بِسُبَّةٍ
وتُزارُ رغم المُكرَهاتِ رِحابُهُ
أحمد رستم دخل الله .. A, R, D
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
القصة القصيرة
فناجين الوطن … قصة قصيرة بقلم / عبدالله عبدالإله باسلامه ـ اليمن/ ذمار
24 فنجانا من الصيني الأصلي مع صحونها المطلية بالذهب (الحقيقي) كما تؤكد أمي لكل من يدخل بيتنا يتفرج على هدية الملك الخاصة لجدي نظير إخلاصه ووطنيته، والذي لم يهنأ – كما تقول أمي – بسبب قيام الثورة وإعلان الجمهورية.
لكن مع تولي أبي منصبا كبيرا عادت أمي لتخرج الطقم وتقدم القهوة للضيوف حتى فاجأنا موته بسكتة قلبية إثر انقلاب الثوار .
كانت مهمتي وأختي الصغيرة مراقبة الفناجين خوفا عليها من السرقة، والتأكد من عودتها إلى قواعدها سالمة في الصحن الفضي. بحذر نحملها، وبحذر أكبر نعيدها إلى مغسلة المطبخ بانتظار مغادرة أم حسن التي تدخل إصبعها الشبيه بالمخلب في حلقة الفنجان وتظل تراوحه بين حجرها وفمها الذي لا يكف عن الحديث عن ولدها حسن الذكي القوي الشجاع… وعن أمنيتها امتلاك طقم فناجين مماثل تقدمه هدية لأمي دليل محبة.. وكي تتذكر موضوع توظيف حسن عند قريب لنا فترد أمي:
- سأفكر في الأمر .
بخروجها تسرع أمي إلى المطبخ، تحصي بسرعة عدد الفناجين، تبتسم لنا مكررة وعدها لي بالدراجة الهوائية، ولأختي بالفستان.
برفق تغرق كل فنجان مع صحنه على حده في الماء النظيف.. تجففه بالمنديل القطني .. ترفعه نحو الضوء.. تبقيه عند مستوى عينيها تقلبه وتتفحصه.. وتتفقد الصحون والحواف المذهبة ..تفتح الصندوق الذهبي وتضع كل فنجان في مهده الوثير، تغلقه بإحكام متمنية أن لا تخرجها مجددا.
لكن بعد بضعة أيام فقط نشبت الحرب، وانظم خالي إلى (الجيش الوطني)، ثم أصبح قائدا كبيرا يتردد اسمه بين الناس، وتدفع صدى انتصاراته الناس لزيارتنا، أمي التي أصبحت أخت القائد أخرجت الطقم، تقدم القهوة وهي تتحدث بفخر، وتدعو الله أن ينصره على أعداء الوطن.
تؤمن أم حسن – بصوت عال – على دعاء أمي، ثم تميل نحوها وتهمس:
- ماذا فعلت بشأن حسن؟ هل أخبرت سيادة القائد ؟
لكن الأخبار وصلت عن هزيمة الجيش، تحت ضربات المقاومة الوطنية التي انخرط فيها أخي الكبير .
ظهر ضيوف من نوع آخر يتحدثون عن بطولات أخي الذي صار فجأة قائدا كبيرا للمقاومة فصارت أمي (أم قائد المقاومة الوطنية) تدعو الله وهي تقدم القهوة أن ينصره، وتجاهد في إخفاء قلقها على مصير خالي، وحدها أم حسن من كانت تدعو الله أن ينصر الجميع .
أما أنا وأختي فقد أصبحنا نقدم الفناجين في صحنين، في كل صحن 12 فنجانا أحدهما قهوة مرة لضيوف أصدقاء خالي، والثاني قهوة سكر لضيوف أصدقاء أخي، ومع عودة الجيش إلى قوته تحولت الحرب بين الطرفين الوطنيين إلى كر وفر، كما اختلطت علينا الفناجين .
وأصبح النقاش في ديواننا يحتد، والحوار يشتد ويتحول إلى ملاسنة وتوتر يصيبني وأختي بالقلق والخوف على الفناجين التي ترتفع وتنخفض، وأحيانا تتأرجح فوق صحونها مصدرة أصواتا تجعل قلبي يرتجف ويهوي بين ساقي، أما أمي فقد عصبت رأسها بربطة سوداء مكتفية بالصمت. وتكرر وعدها لأم حسن بأنها ستتوسط أن يكون إبنها مرافقا للقائد المنتصر سواء أكان أخي أو خالي، لكن بعد أيام قليلة وقع كليهما أسرى لدى طرف ثالث يدعى (الجبهة الوطنية) .
أصبحنا نقدم القهوة مُرة لجميع الضيوف الذين فترت بمرور الأيام زياراتهم ثم شحت وانقطعت، وحدها تجلس أمي تحدق بقلق في الفناجين المقلوبة على أفواهها بانتظار خبر الإفراج عن الأسرى، وكلما نما إلى علمها شيء من الشائعات بعثتني إلى بيت أم حسن أدعوها لزيارتنا فتتعذر قائلة (نسيت)، في آخر مرة قالت: سأفكر في زيارتكم.
لم نر أمي بكت في جنازة أبي الملفوف بالعلم الجمهوري يوم دفنه كما رأيناها تبكي ساعة أصيل، تأكدت فيها أخبار تولي حسن زعامة البلد. فتحت أمي الصندوق وأخذت تقبل الفناجين واحدا واحدا قبل أن تسجيها برفق داخل تجاويفها الموسدة بالقماش المخملي، وتلف الصندوق بشرائط الهدايا، وتحمله إلى بيت أم الزعيم حسن.
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
ضحكة أمي … قصة قصيرة بقلم /إلهام فخري ـ مـصـر
اعتادت أمي كل وقفة عيد الأضحى أن تعد لي ولأخوتي المتزوجات ما أفاء الله عليها من طيور مرباة فوق سطحها . مع عدد من الرقاق المقدد في الفرن الريفي..
هذه عادتنا نحن في الارياف.. بالأمس سهرنا الليل بين حناياها وعلى فراشها ما بين ضحكة وفكاهة.. متدثرات نحن بدفء كلماتها.. كادت عيوننا من الضحكات يظن من يراها أنها باكية.. نعم عيوننا باكية.. ابكتها ضحكات أمي.. ونكاتها.. ونوادرها.. وشئ من ذكرياتها التي لا تمل من صبها في أذاننا ليل نهار..
بالامس كانت قسمات أمي غير كل أمس.. ضحكاتها غير كل صباح… نوادرها غير كل مساء.. نور وجهها غير كل الدوائر القمريه الماضيه.. في موروثنا اعتدنا أنه عندما تنغلق عيوننا ضحكا. نتبعها بعبارة (خير اللهم اجعله خير)..
كما لو أننا نستكثر على أنفسنا لحظات السعادة.. فمنتهي السعادة لنا هو بداية لحدث حزين…
القلب مقبوض.. الفكر شارد. . نظرتنا لبعضنا البعض ونحن بين حناياها فيها تساؤل.. و ألسنتنا تنطق خفية. ثم ماذا بعد؟… كنا متشبثات بأمي في هذه الليلة وتمنينا أن لا تنزعنا عن قربها اية قوة..
وحال لساني يقول.. ماذا سيحدث لو توقفت عقارب الساعة عند ثغر أمي.. وظللنا متدثرات بغطاء عطفها.. ماذا لو اعتذرت الشمس عن الشروق في الصباح..؟
ماذا سيحدث لو اعتذرت لزوجي وأولادي عن الرحيل هذه الليله لأستزيد من نهل أمي..؟ وأنفاس أمي . وقهوة أمى .. وشربة ماء من يد أمي..
لكن العقارب أبت عن التوقف.. والشمس أصرت على الشروق.. وانا راودت زوجي وأولادي على الرحيل..
ليأتي الصباح غير كل صباح.. أسمع طرق أخي الصغير علي الباب باكرا.. مندهشة من عجلة امي في إرسالها ما أفاء الله عليها..
ألم يكن بمقدورها الانتظار ضحا حتى نستيقظ..؟ مازال الطرق مستمرا .. وقبل أن ألقى بتذمري على أخي يبادرني قولا (ماتت أمك)..
لتموت كل صباحاتي.. وتغرب كل شموسي.. وترحل عن ثغري كل ابتساماتي . وتنطفئ عيوني بكاء لا ضحكا.. لتبقى نوادر أمي… وكلمات أمي.. وحب أمي
وصوره معلقة على الحائط لأمي.
تمت
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
الطائش … قصة قصيرة بقلم / متولي بصل ـ مـصـر
غدا سيكون أول يوم لي في كلية الهندسة التي أصرَّ أبي على أن أدخلها! يريد مني أن أصبح مثل فخر قريتنا المهندس ( حسب الله الكفراوي )؛ ولهذا جاء معي بنفسه إلى مدينة دمياط؛ ليؤجِّر لي سكنا مناسبا.
جل زملائي يسكنون الآن في شقق قريبة من الكلية؛ بحيث يتشارك كل ثلاثة أو أربعة في شقة، لكن السماسرة أقنعوا أبي بأن شقة صغيرة مكوَّنة من : حجرة؛ وصالة؛ ومطبخ؛ وحمام، أوفر وأفضل لي ! والعجيب أن أبي اقتنع بكلامهم، فإيجار هذه الشقة مائة وخمسين جنيها، بينما كان المبلغ الذي سيدفعه كل شهر لو تشاركت مع مجموعة من زملائي لا يقل عن أربعمائة جنيه!
أعطاني مبلغا كبيرا من المال يكفيني أكثر من أسبوع، وودَّعني عائدا إلى القرية، وبمجرد أن غاب عن ناظري – وأنا أتابعه من الشرفة الصغيرة التي لا تزيد عن مترين – فوجئت بضيفين ثقيلين على قلبي، يدخلان بلا استئذان؛ ليحوِّلا ليلتي تلك إلى أطول ليلة في حياتي.
لم أشعر بالوحدة قط طيلة عمري الماضي، ولم يداهمني أي إحساس بالغربة وأنا في القرية بين أهلي وجيراني وأصحابي، لكن في تلك الليلة الطويلة تعرفت عليهما عن قرب، وأيقنت أن تلك المعرفة ستدوم أكثر مما أتخيَّل.
لم أستطع النوم ليس فقط بسبب شعوري بالوحدة، أو إحساسي بالغربة، بل بسبب الرائحة الكريهة، والتي لا أعرف مصدرها؛ وأسراب البعوض والذباب التي تطير حولي في كل مكان مثل طائرات الهليوكوبتر الصغيرة، والمصيبة الأكبر في الصراصير المجنحة الكبيرة! يبدو أن أبي استأجر مطارا للحشرات، وليس شقة أبيت فيها!
عندما أشرقت الشمس اكتشفت مصدر الرائحة النتنة، وكل هذه الحشرات البغيضة، فأمام الشقة في الناحية الأخرى من الشارع جدار قديم، وللأسف الشديد يعتبره أهالي الحي بمثابة مقلب القمامة العمومي.
كيف عميت أعيننا أنا وأبي عن رؤيته، كيف لم نشم تلك الرائحة العفنة ونحن نتفرج على الشقة بالأمس؟! لقد دفع أبي إيجار السنة مقدَّما، وأتعاب السماسرة، كيف سنخرج من هذه الورطة؟! أجَّلت التفكير في هذه المشكلة مؤقتا، فاليوم هو الأول لي في الكلية، ومن الضروري أن أنسى كل تلك الهموم المستجدَّة، وأركز في دراستي. وأنا أمشي نحو الكلية بدا لي كل شيء غريبا، بين الإسفلت والأسمنت فشلت كل محاولاتي اليائسة للبحث عن أي حياة خضراء تألفها روحي، أصاب الزكام أنفي من كثرة الأتربة، وعوادم تلك الآلات التي تتحرك في كل اتجاه، يجرفني الشوق إلى رائحة قريتي، وهوائها النقي البكر المنعش،ونخيلها وأشجارها الوارفة، فالأشجار هنا قليلة، والمساحات الخضراء تبدو وكأنها صناعية بالمقارنة بما في قريتي الجميلة.
لا أدري كيف استطعت قضاء هذا الأسبوع في تلك الشقة المنكوبة، وعندما جاء أبي لزيارتي، وسمع ورأى ما أنا فيه؛ أسرع إلى السماسرة، ودارت معركة حامية، فأبي رغم طيبته الشديدة التي تبدو في ملامح وجهه، وكلامه، إلا أنه جبار إذا غضب، ولا يقبل أبدا أن يتلاعب به أي شخص مهما كان، وصل الأمر إلى أن يضربهم، وأن يصيب أحدهم بإصابات بالغة! لدرجة أنهم طلبوا له الشرطة؛ فتدخَّل بعض الناس من أصحاب المروءة، وانتهت المشكلة بالصلح، لكن لم يتم حل مشكلة الشقة، وظهر لنا جليَّا أنه من المستحيل أن نسترد ما دفعناه؛ لذلك أخبرت أبي بأنها سنة وستمُر بالطول أو بالعرض، ثم إن البحث عن مكان آخر بعد أن بدأت الدراسة بالفعل سيكون كالبحث عن إبرة في كومة تبن .
أعطاني زيادة عما أحتاجه للأسبوع المقبل، وقبل أن يودِّعني، ويعود إلى القرية، قال لي :
- لا تحمل هما يا ولدي! سأحل هذه المشكلة إن شاء الله سبحانه وتعالى، فقط ركز في دراستك، ولا تُخيِّب ظنِّي فيك!
أعرف أبي إنه عنيد، وإذا انتوى أمرا فسينفذه، إنه لا ييأس أبدا، ولا يعرف الاستسلام.
مرَّ شهر، وعدت إلى قريتي لأقضي يومين بين أهلي، وعندما رجعت إلى الشقة؛ فوجئت بأن الخرابة التي أمامي اختفت، لم يعد لها وجود! لا يوجد أي أثر للقمامة؛ كما تم طلاء الجدار؛ وغرس بعض أشجار الزينة الصغيرة حوله! سألت صاحب محل البقالة الذي عند ناصية الشارع؛ فقال لي : - لقد شبَّ حريق هائل؛ وارتفعت ألسنة النار حتى كادت تحرق البيوت القريبة، واستمر الحريق ساعات قبل أن يتمكن رجال المطافئ من إخماده! ومن وقتها وأهل الحي يحرصون على عدم إلقاء أي شيء في هذا المكان، خوفا من اشتعال حريق آخر، وكما ترى قاموا بتجميل المكان، وزراعة أشجار الزينة فيه.
ابتسمت، وأنا أتخيَّل أبي وهو يسكب الجاز، ويُشعل النار في مقلب القمامة، ثم ينطلق بسيارته ربع النقل، ويبتعد دون أن يشعر به أحد! كم أتمنى لو أصبح مثله في حزمه، وقدرته على اتخاذ القرارات، وقدرته على تنفيذها، إنه نموذج ناجح للديكتاتور الصالح الذي يوظف ديكتاتوريته لخدمة رعيته.
بدأت أشعر ببعض الراحة في شقتي الصغيرة، بعدما اختفت الحشرات، وزالت آثار الرائحة، وقررت بالفعل ألا أخيّب ظن أبي، سأحاول التأقلم مع دراستي الجديدة في كلية الهندسة، النظريات والمعادلات بالنسبة لي كالدواء المر، لكنني سأتجرعها من أجل تحقيق حلم أبي.
استطعت أن أكبت ميولي الأدبية شيئا فشيئا، وأن أهندس اتجاهاتي، فبعد أن كنت أقرأ في وقت فراغي قصيدة أو قصة أو رواية، بدأت أقرأ كتبا علمية تناسب مناهج الدراسة في كلية الهندسة، كانت البداية صعبة جدا، لكن بمرور الوقت اعتدت الأمر.
وفجأة وبدون مقدمات حدثت مشكلة لم تكن في الحسبان، ولم يكن لي أي ذنب فيها، وكادت هذه المشكلة تنهي دراستي في هذه الكلية، وتقضي على مستقبلي! فقد كان من بين الطلبة، شاب مستهتر؛ مشاغب؛ كثير التهريج؛ اشتكى منه معظم الأساتذة بسبب أفعاله الصبيانية التي يقوم بها، لدرجة أنه في إحدى المحاضرات رمى بلية زجاجية نحو الأستاذ الدكتور؛ فنظر هذا الأخير نحونا، وسأل : - من رمى هذه البلية ؟
فوجئت بعدد ممن حولي يُشيرون بأصابعهم نحوي! فسألني غاضبا: - ما اسمك ؟
قمت مذهولا، وأقسمت له بأغلظ الأيمان أنني لست صاحب البلية، ولا علاقة لي بما حدث، لكن شهادة هؤلاء الأنذال أصحاب ذلك الشقي، ألصقت التهمة بي؛ فتوعدني وأقسم أن أكون من الراسبين هذا العام! فعلت المستحيل لإقناعه ببراءتي فلم يُصدِّقني؛ فأيقنت أنني لا محالة راسب، مهما ذاكرت، ومهما فعلت، وظهر الحزن على وجهي وأنا أقابل أبي في نهاية الأسبوع، لم أستطع إخفاء أو كتم شيء مما حدث؛ فأخذ يُطيِّب خاطري، وقال لي: - كل مشكلة ولها حل، إن شاء الله سبحانه وتعالى ستنجح رغم أنف هذا الأستاذ، ورغم أنف هؤلاء الكلاب.
لكنه قبل أن ينصرف سألني عن اسم الأستاذ؛ واسم ذلك المشاغب الذي تسبب لي في هذه المشكلة؛ فقلت: - الدكتور اسمه دكتور أحمد السوداني، والطالب اسمه حسن محمود البقري
قبل الامتحانات بأيام فوجئت بالطلبة يقولون أن الدكتور السوداني أصيب وهو في طريقه للكلية، وتم نقله إلى المستشفى، وأن حالته خطرة جدا ! تعجبت، وسألت عما حدث، فقيل لي : - حادث .. لقد اصطدم بسيارته في شجرة!
حزنت لأجله؛ ودعوت له بالشفاء؛ وذهبت لزيارته – رغم سوء الفهم الذي كان بيني وبينه – وتألمت كثيرا وأنا أراه في الجبس! وانتهت امتحانات السنة الأولى، ونجحت، والعجيب أنني لم أجد اسم زميلي المشاغب في كشف الناجحين، لقد تعمَّدت أن أبحث عنه، إذ لم أره طيلة فترة الامتحانات، فضولي يقتلني لمعرفة سر اختفائه، ولكن نفسي لا تطاوعني أن أسأل عنه أي واحد من شلته بعدما كادوا يدمرون مستقبلي بشهادتهم الزور.
وشاءت الأقدار أن أعرف سبب اختفائه المفاجئ، وأنا أركب بجوار أبي في سيارته، وكنا نعبر “ميدان سرور”، وأبي يبحث عن مكان يركن فيه السيارة؛ لنترجَّل منها ونشتري جهاز الكمبيوتر الذي وعدني به، كمكافأة لنجاحي، طلبت منه أن يُهدِّئ من سرعة السيارة؛ حتى أتأكد من أن هذا الشخص الذي في الجبس، ويسير على عكاز ويسنده بعض الأشخاص فقد كان يبدو لي وكأنه هو نفسه ذلك المشاغب “حسن”، وبالفعل كان هو، وكان من معه يحاولون مساعدته للدخول من باب مركز الآشعة، ربت أبي على كتفي، وابتسم ابتسامة كبيرة، وهو يقول لي :
– يا ولدي إن لم تصنع قدرك بيديك، فلن تستطيع العيش في هذا العالم!
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
هيت لك ….قصة قصيرة بقلم صلاح عويسات -فلسطين.
كلما طلبت منها طعاما أو شرابا حدجتني بنظرة متعالية..
-ألا تشبع؟! بطنك كبيرة،يجب أن تخفف من وزنك
إنها زوجتي الخمسينية،أصبحت متدينة جدا،لا تفارقها المسبحة،تصوم اﻹثنين والخميس واﻷيام البيض،وهذا جعلني سعيدا في بداية اﻷمر،فأنا أيضا أحب الدين،وأعظم شعائر الله،لكن لي ظروفي الخاصة،فأنا أتناول ثلاث مرات من الدواء كل يوم،فلا أستطيع الصيام،أحافظ على الصلوات المفروضة فأنا لست فاسقا،ولكن عندي كل شي بوقته،هي تريد التقرب لله ،لا أنكر عليها،ولكن أن يصيبها الغرور،فتزدريني وتتعالى علي فهذا أصبح يسبب لي العصبية والغضب..
كنا في سابق اﻷيام،نستمتع بشرب الشاي بالنعناع صباحا على شرفة المنزل،نفرح بشروق الشمس على صوت فيروز،اﻵن تحرم سماع اﻷغاني،وترفض الجلوس معي إذا استمعت إلى لحن من الزمن الجميل،لم تعد ترافقني لدعوات اﻷفراح كالسابق،بحجة وجود اﻷغاني،رغم أن اﻷغاني من سماعة الدي جي، وليس هناك مطرب ولا مطربة،وليس هناك اختلاط .
في البيت تلبس طوال وقتها لباس الصلاة،وحينما أطلب منها لبسا آخر لي وفي بيتها فقط
ترد علي بابتسامة ساخرة: احنا كبرنا على هالشغلات،يا رجل إلى متى تتبع شهواتك؟! خلاص انتبه ﻵخرتك،بكرا بنموت و…
أرد عليها بغيظ: هل إذا تمتعنا بالحلال من طعام وشراب وغيره،نذهب إلى جهنم؟!!
ترد ببرود أعصاب
-الله يهديك،انتوا الرجال صعبين،وجدالكم من غير فائدة.
أحاول أحيانا تقبيلها فتهرب مني بحجة أنها لا تريد أن ينتقض وضوؤها.
كم أحاول إقناعها بأن المتع الحلال لا ضير فيها،
فتجيبني :صحيح أن الحلال مباح،ولكن النوافل أحسن منه ،فهي تقربك من الله ،بل وتجعلك وليا من أولياءه ..
مشكلتي أنني محيط بكل ما تحتج به من أدلة، والمؤمن لا يستطيع رد الدليل،فكان لا بد لنا من حل وسط،لكنها مصرة على مواقفها،أقول لها: أنت الوحيدة من نساء هذه الدنيا التي يجوز لي التمتع بها من غير إثم ومن غير أن تضاف إلى صفحتي سيئات،أما باقي النساء فمحرم علي حتى النظر إليهن…
فتسألني:هل تعرف متى تغادر هذه الدنيا؟ إن هي إلا أنفاس،قد تدخل ولا تخرج،فلا بد من الاستعداد ليوم الرحيل وهذا من التقوى
- صحيح، ولكن لا تنس نصيبك من الدنيا،واﻹنسان مركب من روح وجسد، ولا بد من التوازن في التعامل
تذهب إلى المطبخ وتحضر فنجان من القهوة لتسترضيني
-لماذا لم تحضري لك فنجان - أنا صائمة فاليوم الخميس
-وغدا الجمعة أعلق ضاحكا
تقطب جبينها ،وتدعو ربي أن يهديني وتغادر المكان في هدوء
لم يبق لي سبيل سوى أن أتزوج من أخرى،فأنا لا أستطيع احتمال كل هذا البرود،راقت لي الفكرة،ودارت في مخيلتي صورا جميلة
ناديتها قائلا: سأدعك تتعبدين كما تشائين،وتزهدين في الدنيا مثلما تريدين،لكني سأتزوج… - هذا حقك،والشرع أحل لك أربعة،هل تريد أن أبحث لك عن عروس؟
-لا شكرا،سأتدبر أمري
لم يمض كثير وقت، حتى كانت زوجتي الجديدة تملأ علي حياتي، متأنقة متعطرة دائما،مهتمة بي إلى أبعد الحدود…احتجبت زوجتي الأولى ثلاثة أيام ،تحضر لنا فيها الطعام ، وتحرص كل الحرص على ألا أراها،أدق عليها باب غرفتها ﻷطمئن عليها فتجيبني بكلام رقيق ناعم،دون أن تسمح لي بالدخول ، من خلف الباب ،كنت أشم رائحة البخور والعطور،في اليوم الرابع خرجت في كامل زينتها،بلباس شفاف يكشف مفاتنها،ركضت إلي وعانقتني متسائلة بدلال ألم تشتاق لي؟
قلت: بلى.
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
نوبة بكاء أخيرة …بقلم مها الخواجه – مصر
قبل أن تغمض عينيها، أمسكت هاتفها، وبيد مرتعشة فتحت صفحتها على الفيس بوك، تسارعت دقات قلبها، وبعينين متلهفتين بحثت في تحديث القصص، لكن سرعان ما انطفأت تلك اللهفة عندما لم تجد ما اعتادته منه في مثل هذه الأوقات.
تجمعت الدموع في عينيها وهي تتذكر ما اعتادت أن يفعله في كل مرة يتخاصمان فيها، ورسائله التي كان يتركها مخصصة لها وحدها في قصصه، قاومت الأوجاع التي تجتاح نفسها وجسدها ومدت طرف سبابتها لأعلى الشاشة المضيئة ضاغطة علامة البحث، اعتلت شفتيها ابتسامة خالطها حزن لظهور الاسم الوحيد الموجود بها، حدثت نفسها: “مَن غَيره كنت أبحث عنه يوما ..”
بضَغطة أخرى انتقلت الشاشة إلى صفحته الشخصية، جالت بعينيها فيها فترقرق الدمع، ثم سال، حافراً مجراه على خديها، هذه الدموع التي لم تتوقف طيلة أسبوع منذ آخر محادثة جمعتهما.
جعلت تطالع صورته بعد أن فتحتها وكبرتها لتنهل من ملامحه أكثر وأكثر، ومن بين دموعها أطلقت زفرة تغبش لها سطح الهاتف فمسحته برفق ممررة أصابعها على قسمات وجهه.
ودت لو استطاعت لمسه الآن، قربت الهاتف من وجهها، كادت أن تلثم الصورة لكنها توقفت فجأة، وتحول بكاؤها الصامت إلى نشيج متواصل.
لم تعد تتذكر عدد المرات التي تخاصما وتصالحا فيها، لكنها تتذكر أنها -كل مرة- كانت هي التي تبادر إلى مصالحته والتودد إليه حتى تعود أواصر صلتهما كما كانت.
تحركت يدها لتضغط علامة الرسائل لكنها أحجمت عن فعل ذلك، تقطعت أنفاسها وهي توجه له اللوم على ما بدر منه هذه المرة نحوها، تكاثرت دموعها بينما تتذكر كلماته التي جرحت كرامتها وأهانها بها، كلماته التي ذبحتها من الوريد إلى الوريد، وغيابه الذي تجسد لها قبراً عميقاً مسكوناً بذلك النداء الذي لا يكف.
مسحت بيدها على وجهه واحتضنته بعينيها لمرة أخيرة قبل أن تغلق الهاتف الذي ضمته لصدرها، و بيدها الأخرى أطاحت بكوب الماء وشريط الدواء الفارغ فتناثرت قطع الزجاج على الأرض، ثم راحت في نوبة بكاء توقفت مع ارتجافة أخيرة لجسدها.
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
النقد
” ترنيمة الفراق ” للشاعر د. حسان محمد الشناوي ، نقد الدكتورة فطنة بن ضالي – المغرب
قصيدة “ترنيمة الفراق” للشاعر حسان محمد الشناوي قصيدة غنائية على الشكل العمودي، موضوعها غربة الشاعر، ويظل موضوع الغربة والاغتراب بمفهوميهما الواقعي والاجتماعي، والإبداعي الرمزي، من المواضيع التي تستأثر باهتمام الشعراء وغالبا ما ترتبط بالحنين إلى الوطن في بعديه الحقيقي والرمزي. وقد بنى الشاعر قصيدته على أربعة مقاطع ضمّنها لوعة الفراق وكآبة الأشواق، في سلاسة أسلوب وفي إيقاع معبر دال على حالة الشاعر النفسية، فعلى مستوى المعنى والدلالة؛ وصف ألم الفراق وتأثيره عليه بالسهر والاضطراب، كما قرر أن أشواقه وحبه ملازمان له في غربته، وأن ذكرياته تُسيل دموع عينه، للدلالة على تأزم حاله، ويستمر في وصف الكآبة والملل وما يعتريه من حنين، إلا أنه يتعلل بالصبر والأمل، فيوصي نفسه بالوفاء والترنم بالود رغم ما يقاسيه من عناء وألم. يبدو أن الموضوع مألوف، لكنها تجربة الشاعر في الحياة المؤثرة التي تخلق عالمه الشعري بخصائصه الرمزية المميزة، وقد عبر الشاعر عن التجربة بطريقة موضوعية هادئة غير مبالغ فيها، يعالج الموضوع باتزان حيث يحدوه الأمل في تغيير الحالة النفسية التي يعيشها.
وهكذا، دل الشاعر عن حاله هذه الحزينة المضطربة بمعجم ألفاظه متقابلة المعنى، بدءا بعتبة العنوان الذي جمع بين لفظة “ترنيمة ” التي تحيل على الشدو والطرب وما في معنى ذلك من فرح … مضافة إلى لفظة ” الفراق ” التي تحيل على معنى الحزن، والكآبة، والأشواق وما يتبعها، ولعل الشاعر هنا بهذا الانزياح عن العلاقة المألوفة بين الدال والمدلول في إسناد غير مألوف، يعبر على أن الغربة غربة مؤقتة قد تزول بزوال أعراضها ، فيحدث اللقاء بعدها، ذلك الأمل الذي يؤمن به الشاعر دائما، في لقاء أحبته وقد أشار إليهم بضمير الجمع في قوله “أفارقكم”، وانسجاما مع هذا الطرح يتقاسم القصيدة معجمان اثنان أحدهما دال على الحزن “أفارقكم، دموع، المرارة ، لوعة، الجحيم، استعر، الكآبة ، العناء، الملل…”وثانيهما دال على الفرح” الحب، الأمل، لحن، الود، ترنمي…”، وإن كان هذا المعجم بشقيه ينتمي إلى الحقل الوجداني فإن معجم الحزن يهمن في القصيدة. تركيبيا تعتمد القصيدة الأسلوب الخبري بجمله القصيرة، وهي خالية تماما من الجمل الانشائية، واستعمل الشاعر الأفعال المضارعة الدالة على الحاضر بكثرة مقارنة بالماضية والأمر، وهي مسندة إلى ضمير المتكلم الذي يحيل على الشاعر وعلى معاناته الفراق ، كمان وظف الجمل الإسمية القصيرة لتأكيد ثبوت الحال، أما على مستوى الإيقاع فالقصيدة منظومة على البحر الكامل التام ثلاث تفعيلات في الشطر الأول ومثلها في الشطر الثاني، إلا إن الشاعر وزعها على مقاطع أربع حسب الدفقة الشعورية والوقفة الدلالية والعروضية، فجعل كل مقطع يتكون من بيتين، ولما كانت التقفية والتصريع يلعبان الدور الكبير في تحقيق الإيقاع القوي في القصيدة العربية إلى جانب الوزن إيقاعا خارجيا، وهو إلى جانب الإيقاع الداخلي من العناصر الأساسية المكونة لموسيقى الشعر، فقد جعل الشاعر المقطع الأول مقفى وهو البيتين الأولين في القصيدة كما جعل البيت الأول من المقطعين الثاني والثالت مقفى كذلك، بينما البيت الأول من المقطع الأخير مصرعا إذ جاءت عروضه تابعة لضربه بزيادة. و الأبيات الأولى في المقاطع ؛ الثاني والثالث والرابع جاء رويها مخالف لروي المقطع الأول، فروي القصيدة هو الراء في المقطع الأول والأبيات الثواني في كل المقاطع، أما في أبياتها الأوائل فهو على التوالي : “ع ، ل ، ء ” .إننا أمام ظاهرة إيقاعية في الشعر العربي تتيح للشاعر حرية التصرف وتعطي للقصيدة تنويعات موسيقية، تمكن الشاعر من توسيع دائرته التعبيرية الفنية إيقاعا ودلالة باختيار تشكيلات قصيدته داخل الشكل العمودي، ومن ذلك ما ذكره ابن رشيق في كتابه العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده.
” فمن ذلك الشعر المسمط، وهو أن يبتدئ الشاعر ببيت مصرع، ثم يأتي بأربعة أقسمة على غير قافيته، ثم يعيد قسيما واحدا من جنس ما ابتدأ به، وهكذا إلى آخر القصيدة “.
ومن هنا، يمكننا اعتبار هذه القصيدة قصيدة مسمطة، إذا راعينا فيها عدد التقسيمات وتغيير القافية في أبياتها، لكنها احتفظت دائما في نهاية كل قسم بنفس القافية المقيدة والروي الموحد. وإذا ما اعتبرنا نوعا آخر يسمى مخمسا، وهوكما عرفه ابن رشيق “أن يؤتى بخمسة أخرى في وزنها على قافية غيرها كذلك، إلى أن يفرغ من القصيدة، وهذا هو الأصل، وأكثروا من هذا الفن حتى أتوا به مصراعين مصراعين فقط، وهو المزدوج، إلا أن وزنه كله واحد وإن اختلفت القوافي “. ومع هذا فقد امتحت القصيدة من المخمس وإن اقتصرت على أربعة اقسام وبالنظر إلى طريقة كتابتها التي فرضتها وسائل التواصل الاجتماعي فنجدها مكتوبة على طريقة المصراع. وعليه فإننا سنعتبرالقصيدة مسمطة على أربعة أقسام، وتسمى ” القافية التي تتكرر في التسميط عمود القصيدة ” ويمثلها في هذه القصيدة أخر كل بيت ” والقافية من آخر حرف في البيت إلى أول ساكن يليه من قبله مع حركة الحرف الذي قبل الساكن ” في كل مقطع مع آخر بيت المطلع، وبهذا فقد جمع الشاعر “عدة سلوك في ياقوتة أو خرزة، ثم نظم كل سلك منها على حدة باللؤلؤ يسيرا. ثم جمع السلوك كلها في زبرجدة”. مما يدل على نفاسة هذه القصيدة، فهي واسطة عقد في جيد الإبداع.
إن القصيدة تتخذ عتبة الفراق نواة لوصف الحال وتتفرع عنها جميع الأوصاف بما فيها الأمل والتصبر مفتاح للعيش ورضى النفس، وساهم المعجم المستعمل في تعميق هذا المعنى، وكذلك انسجام كل ذلك مع البنية الإيقاعية في القصيدة حيث بناها الشاعر على البحر الكامل الطويل الحركات، وقد خففها بجوازات تسكين الثاني المتحرك، ونوع تشكيلات الوزن والقافية، وهذا ما جعل القصيدة تشد إليها انتباه القارئ.
ينم هذا عن تمرس الشاعر بالنظم ومعرفته العميقة بقواعده وتشكيلاته التي تتيحها ثقافته الواسعة باللغة العربية وعلومها والشعروفنونه ونقده. حتى جاءت القصيدة على السهل الممتنع ولا غرو في ذلك فشاعرنا فياض الطبع غزير المعرفة يَخبر اللغة ومكنوناتها، ينسج عن سجية وصفاء ذهن وخاطر.
مراكش في2024 /8/6 :.
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
حتى لا ننسى غزة .
تأملٌ لصورةِ ( الأنا والآخر) في قصة
” النفق” للمبدع الأستاذ محمد كمال سالم…بقلم عبد الرحيم خير
يغلب على النصوص التي تستمد فكرتها من تجاربَ تحكي عن حياة الناس وصراع الشعوب أن تعبّر عن الإنسان؛ فتقدم للمتلقي صورة يمكنه من خلالها أن يصدر حكمًا ينحاز فيه لطرف ويتعاطف معه، ويدين الطرف الآخر ويضمر له البغض والعداء، ويبدع الكاتب حين يلزم نفسه الحياد؛ فيصف صورة الإنسان ويشكّلها ويجعل الحكم لها أو عليها مستمدا من مواقفها وأفعالها دون تدخل منه.” وقد جاء الحديث عن حياد الكاتب في كلام أستاذنا محسن الطوخي وقراءته للقصة”.
هذا وتتشكّل صورة الإنسان عبر مجموعة من المقومات تتداخل فيما بينها لتعطي انطباعا عنه يمكن من خلالها وصفه والحكم عليه، والمقومات التي تُشكّل صورة الإنسان كثيرة: ومنها ” ثقافته وفكره ولغته وبيئته وجماعته التي يتعامل معها فيؤثر فيها ويتأثر بها ويحيا بفكرها وأخلاقها”، وهي صورة قد تتعدى الأفراد فيمكن أن نسحبها للحكم على الجماعات و الشعوب والبلاد، وذلك لأن الفرد هو واحد من جماعته يحمل صفاتهم ويعبر عن أخلاقهم وفكرهم واعتقادهم.
وفي قصته ” النفق” أبدع الكاتب حين عرض ذلك عبر صورتين متباينتين، حدد ملامح وتفاصيل كلّ منهما، صورتان تحملان الفكرة وتعبران عن مضمون الحكاية وحقيقة الصراع وهما( صورة الأنا و صورة والآخر) .
صورة الأنا المعبرة عن صاحب الأرض والمكان، المدافع عن أرضه المتمسك بهويته، والمتسلح بعقيدته، المتحصن بإيمانه، والثابت على مبادئه، الذي أخلص لقضيته فكان رمزا للصمود والثبات، لا يتزعزع رغم قصف المدافع وتحليق الطائرات وهدم البيوت، والذي مثله “الشيخ أكرم” وقد أجاد الكاتب وصف شخصيته المُمثلة لكل مقاوم ومجاهدٍ للمعتدين؛ فهو القابض على مصحفه بما تحمله دلالة القبض من الحرص والتمسك وعدم التفريط، وما توحيه دلالة القدم ( الأصفرِ العتيقِ / البلدةِ العتيقةِ ) المعبرة عن الأصالة والعراقة والتاريخ، فهو الحريص على جيرانه والمتفقد لإخوانه، وهو أيضا حامل الأمانة وكاتم الأسرار، الذي يضحي بنفسه ولا يترك مكانه الذي يحميه رغم ما يحيط به من خطر وأهوال.
وصورة أخرى؛ هي صورة ( الآخر/ الغريب ) الذي يمثل المعتدي المحتل بوحشيته وإجرامه وكذبه، صورة تجلّت ملامحها في الأسيرة الهاربة على إثر القصف والتي تُنبئ عن خسة المحتل ودناءة طبعه وفساد أخلاقه، فرغم حمايتها وحفظ حياتها إلا أنها جاحدة لم ترع العهد، ولم تحفظ الجميل، صورة تظهر وجه المعتدي القبيح، الذي يبدع في قلب الحقائق وممارسة الكذب والتدليس، صورة عبّرت عنها شخصية الأسيرة التي نجت بعد أن حماها المقاوم بنفسه، لأنها أمانته المأمور بحفظها وحمايتها وإن كانت من المعتدين، ورغم أنها من الأعداء إلا أنه افتداها بنفسه دفاعا عنها وحماية لها امتثالا لأمر دينة ووصايا نبيه وأداء لمهمته ووظيفته، فمنحها شاله وألبسها سترته، إلا إنها تركته للموت وفرّت هاربة، و حديثها للشيخ الذي اكتشف أمرها، ثم أكاذيبها للنجاة ” أنا مدنيةٌ ليس لي ذنبٌ… أُقسمُ لك إني أتألمُ لهم مثلَكم” ولخسة طبعها فقد عادت لتدل المعتدين على مكان الشيخ
وموضع النفق بعد أن احتمت بمقاتلين وتحصنت بدبابة من خلفها، وهو دليل على خسة المعتدين وسوء أخلاقهم، فهم أسود حين يحتمون بالطائرة والدبابة وجبناء مفزوعين حين تدور رحي الحرب وتكون المواجهة.
صورتان متباينتان تؤكدان على حقائق بات الجميع شاهدا عليها؛ حقيقة الحرب التي يشنها المعتدي الغاصب فيهدم البيوت ويقتل البشر ويقتلع الأشجار، وهو ما يؤكد على همجيته وحقده ورغبته في الحرق والتدمير والإبادة الجماعية، إبادة جماعية عبر قصفٍ وتدميرٍ للبشر والشجر، وهو ما يدعو للدهشة والاستغراب؛ دهشة أظهرها سؤال الشيخ للأسيرة الهاربة….( أخبريني حقا، مالَكم وأشجارَ الزيتونِ، لمَ تكرهونَها وتقتلعونَها؟!).
وحقيقة أخرى؛ حقيقة المعتدي- مدنيا كان أو عسكريا-، فهم سواء في نقض العهد واختلاق الأكاذيب وتزييف الحقائق. حقيقة أكدها كلام الأسيرة الكاذبة ووعدها الذي أخلفته وقسمها الذي حنثت به ..(أُقسمُ لك إني أتألمُ لهم مثلَكم)
وحقيقة ثالثة هي حقيقة المجاهد والمقاوم وما يروج كذبا وتدليسا عن قسوته وفظاظته وسوء معاملته للأسرى والمعتدين، أكاذيب كشف زيفها هذا الحوار بين الشيخ والأسيرة الهاربة ورحمته لها وإشفاقه عليها، كما أكد كذبها من قبل موقف “أمجد” البطل الشهيد الذي كان حارسا عليها وقد منحها شاله وألبسها سترته حماية لها وحفظا لحياتها.
وحقيقة أخيرة هي حقيقة الصراع والحرب التي لا هدف للمحتل منها إلا اخضاع المقاومين وكسر شوكتهم التي أرقته وأذاقته الويلات، إذ الحرب في الأساس هي حرب الهوية التي يريدون طمسها ومحو معالمها ولازال الشعب المقاوم بصبره وثباته وجهادة عقبة في هذا الطريق.
” النفق” قصة شاهدة على مقاومة شعب صابر ومقاوم لعدوان المحتل وهمجيته وكذبه وتدلسية، أكد كاتبها على لحمة الشعب والتفافه حول المقاومة مهما تعرض لقتل ودمار وتنكيل، وأكد أيضا على حقيقة مهمة وهي أن الشعب هو المقاومة والمقاومة هي الشعب وأن الشيخ أكرم هو واحد من هؤلاء الذين يؤدون كل الأدوار ويقومون بكل الوظائف والمهام.
أطيب الأمنيات بدوام التوفيق والعطاء للمبدع الرائع الاستاذ محمد كمال سالم.
النص : “النفقُ”
يجلسُ الشيخُ أكرمُ هادئا مطمئنا فوقَ عتبةِ المسجدِ، يرتلُ القرآنَ ترتيلا، بينما المدافعُ تدكُ المدينةَ دكًا.
أيُهُما كان يُلقي سَناهُ الوضاحَ على وجهِ الآخرِ؟!
الشيخُ الطاعنُ في الكِبَرِ، بلحيتهِ الفِضيةِ العظيمةِ ووقارِهِ الآسرِ للقلوبِ، أمْ هذا المصحفُ الساكنُ بين راحتيهِ، وقد أثرتْ قبضتاهُ في غلافهِ الأصفرِ العتيقِ قِدَمَ البلدةِ العتيقةِ؟!
يتصافحانِ في سكونٍ، تحيطُهما هالةٌ من نورٍ، وكأنهما انفصلا عن هذه المدينةِ وارتقيا وقد أخذا عهدًا من آلاتِ التدميرِ ألا تقربَهُ ومصحفَهُ.
انفجارٌ مدوٍ في بيتٍ مجاورٍ غيرِ بعيدٍ، تطايرتْ الشظايا بالقربِ منهُ، أصدرَ تكبيرةً وقام منتفضًا، هذا بيتُ صديقي أخي”أبو عمارِ”، كان يصلي معي صلاةَ العصرِ.
يعاونُ أهلَ الحارةِ في رفعِ الأنقاضِ، وإغاثةِ سكانِ هذا البيتِ، يَصيحُ بين الفينةِ والأخرى (أبا عماارٍ) لكن لا مجيبَ.
ساعاتٌ صعبةٌ مريرةٌ، نساءٌ وأطفالٌ استخرجوهم تتدلى أجسادُهم بلا حياةٍ، صوتُ أنينٍ واستغاثاتٍ صادرةٍ من بين الركامِ، أحدُ المسعفينَ يضعُ فمَهُ بين الحجارةِ المهشمةِ يصيحُ (أمجدُ أمجدُ هل تسمعُني؟ إياك والأمانةَ، هل أنت عائشٌ؟)
يحِلُ الظلامُ بين رائحةِ البارودِ والموتِ، وما زال المجرمونَ يمنعونَ سبلَ الحياةِ عن القطاعِ من كهرباءٍ وماءٍ ووقودٍ، تتوافدُ فرقُ الإنقاذِ من الأهالي، بينهم أجانبٌ، ربما كانوا من الصليبِ الأحمرِ أو مراسلي الصحفِ.
يعودُ حيثُ ترك مصحفَهُ متعبًا، بعد أن أخرجوا كثيرا من الشهداءِ ومن الجرحى، أحدُهم يؤكدُ وجودَ أحياءٍ في البدرومِ وقد سمِع استغاثاتِهم.
يقاومُ الإرهاقَ، يراقبُ باهتمامٍ عملياتِ الإنقاذِ الجاريةِ تحتَ مصابيحِ الهواتفِ الواهنةِ، يسألُ بين الفينةِ والأخرى: هل وجدتم أبا عمارٍ؟
تؤلمُهُ بشاعةُ الموتِ والانتقامِ الغاشمِ، يمزعُهُ صرخاتُ النساءِ وبكاءُ الأطفالِ بينما كان يقتربُ منه شخصٌ غريبٌ،
يبدو أنه مصابٌ يكابدُ محاولةَ الوصولِ إليه، نهض الشيخُ ليعاونَهُ، يأخذَ بيدِهِ، يُجلسُهُ إلى جوارِهِ، يتفرسُ وجهَ الرجلِ الشاحبَ في الظلامِ، كان مخضبًا بالدماءِ، يرتعدُ بشدةٍ ويتألمُ في صمتٍ:
هل إصابتُكَ خطيرةٌ، هل كنت تحتَ الركامِ أم أصابتْك شظيةٌ، لمَ لا تتكلمُ؟ يحاولُ الشيخُ أكرمُ أن يتبينَ ملامحَ الرجلِ، لم أرَكَ تصلي معنا من قبلُ، هل أنت غريبٌ عن الناحيةِ، لم لا تجيبُني؟! دعني أساعدْك، يُمسكُهُ من كَتفِهِ يحاولُ أن يفتشَ عن جرحِهِ ومصدرِ نزيفِ الدماءِ، فيصدرُ صرخةً قويةً، رفع الشيخُ يدَهُ عنه سريعا: أنت امرأةٌ!!
ولكنْ هذهٍ سترةُ الرجالِ ال… ارفعي تلكَ الكوفيةَ عن وجهِكِ دعيني أراكِ، يستعينُ بضوْءِ هاتفِهِ الصغيرِ، يتفحصُها جيدا وهي تحاولُ أن تخفيَ ملامحَها عنه.
صوتُ تكبيراتٍ تأتي من ناحيةِ الردمِ، يسألُهم:
هل بينهم أبو عمارٍ؟ لا، هذا أمجدُ وقد نال الشهادةَ تحتَ الركامِ.
يحوقلُ الشيخُ ويتمتمُ ثم يواجهُهَا:
أنتِ إذاً أمانةُ الشهيدِ أمجدَ رحمهُ اللهُ وهذا شالُه وهذه سترتُهُ سترك بها، أليس كذلك؟ أستحلفُك بالله أيها الشيخ الطيب أن تساعدنَي على الهربِ (نطقتْها بلغةٍ عربيةٍ ركيكةٍ) ثم أضافت:
أنا مدنيةٌ ليس لي ذنبٌ، هم اختطفوني من أمامِ بيتي وزوجي غائبٌ ولا أعرِفُ ما مصيرُ أطفالي (تجهشُ بالبكاءِ متوسلةً) ولكننا نعرِفُ مصيرَ أطفالِنا، يشيرُ إليها والأطفالُ الذين أخرجوهم من تحت البيتِ وقد سحقتْهم الأنقاضُ.
أُقسمُ لك إني أتألمُ لهم مثلَكم، ونتمنى لكم الخيرَ والسلامَ فلم تكرهونَنا؟! نحن لا نكرهُكُم، نحن نقاومُكُم وقد اغتصبْتُم بلادَنا وبيوتَنا عُنوةً تتمتعونَ بخيراتِنا بينما نحن نعيشُ على الحافةِ وطعامُنا الكفافُ، وإذا ما حاولْنا المقاومةَ والتعبيرَ عن الغضبِ، كانت قوتُكم الغاشمةُ تقتلُ النساءَ والأطفالَ وتقتلعُ أشجارَ الزيتونِ، أخبريني حقا، مالَكم وأشجارَ الزيتونِ، لمَ تكرهونَها وتقتلعونَها؟!
لستُ منهم، أرجوك، كل ما أريدُهُ منك أن تدلَّني على طريقٍ آمنٍ؟ ربما تركتُكِ ترحلينَ، لكنْ ليس لكم ها هنا طريقٌ آمنٌ، أنتم غرباءُ مهما طال عليكم الأمدُ.
حركةٌ مرتبكةٌ وزحامٌ يقتربُ منهما، نساءٌ تنوحُ وهديرُ صوتِ الرجالِ يحملونَ جريحا ينزفُ، أحدُهم يأمرُهُ:
¬افتح النفقً يا شيخُ أكرمُ. حاضرٌ، هذا صديقي أبو عمارٍ.
يٌسرعُ الرجلُ، يحركُ يدا خشبيةً جِوارَ بابِ المسجدِ فينكشُف مدخلا في الأرضِ تحت العتبةِ التي يجلسُ عليها، يعودُ ويغلقُها فورَ أن يختفيَ فيها الرجالُ يحملونَ الجريحَ، يلتفتُ الشيخُ يبحثُ عنها، فلا يجدُها؛ ينتبهُ أنه كان لا يجبُ أن يفتحَ النفقَ أمامَها!
تمرُ الأيامُ ثقيلةً تحتَ النيرانِ وتحتَ القصفِ، وبين همهماتٍ بأن المغتصبَ سيقتحمُ المدينةَ بريا، والشيخُ لا يغادرُ عتبةَ المسجدِ، فإذا بفرقةٍ هجوميةٍ للنازيينَ الجددِ تقودُها امرأةٌ، كانت تُشيرُ لفوهةِ الدبابةِ أن تتوجَهَ إلى الشيخِ وإلى العتبةِ الجالسِ عليها.
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
الفنون التشكيلية
مشاريع تخرج طلاب كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية
مشروع تميمة الحضارات للطالبة بسمة عصام …. اشراف د. منى رجب و المعيدة منة عباس
يجمع المشروع بين الحضارة الإسلامية واليونانية و المصرية القديمة ، وتم وضع كيلوباترا كمركز وعنصر اهتمام لأنها تدل على الإسكندرية ، وأيضا تم استخدام عناصر أخرى تدل على المدينة مثل السلسلة و عناصر أيضا تدل على هوية الإسكندرية . مع وضع حلول تشكيلية للخلفية بطريقة مميزة و رموز تدل على الفلكور أى التراث الشعبى.
الخامات المستخدمة :
رخام و مايكا وحجر رملى و ازملط خزفى .
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
اسم المشروع تميمة الحضارات
للطالبة :- تسنيم الكردي
اشراف :- د.مني علي رجب
والباشمهندسة :- منه عباس
إن الفن هو مؤرخ للحضارات و هو وسيلة لتوثيق الهوية الثقافية من خلال تسجيل مختلف الرموز و الزخارف.. يعتبر الفن هو مرآة الشعوب و يساعد على معرفة عاداتهم و تقاليدهم.
كانت مصر مهدا للحضارة المصرية القديمة ، و حاضنة للعديد من الثقافات ، و خاصة مدينة الإسكندرية حيث امتزجت بها الحضارة المصرية القديمة مع الحضارة الإغريقية والرومانية و القبطية والإسلامية.
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
الاسم : روان أشرف محمد عبد القادر
اسم المشروع : تميمة الحضارات
تحت اشراف دكتور/ منى على رجب
باش مهندسه /منة الله محمد عباس
جمعت الطالبة فى المشروع بين أشكال الحضارات المصرية على مر العصور ، بداية من العصر الحجرى (عصر انسان الكهف) ، والحضارة المصرية القديمة، والفلكلور الشعبى ، وبعض الحروف الرومانية القديمة، وبورتريه لموديل ترتدى زى( الملكة نفرتيتى ) الزوجة الملكية العظيمه وسيدة المنطقتين.
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
الأدب و النثر
تقلبات الحياة … خاطرة بقلم خلود أيمن ـ مـصـر
هبَّت النسائم العليلة التي تُداوي النفوس العليلة التي أصابها من داءات الدنيا الكثير ولم تَعُد قادرة على تحمُّل المزيد ، فانتعشت بغتةً وسَرى في أوصالها بعض قطرات السعادة فارتجَّت من فرطها ، ثم قررت أنْ تتخذ منهاجاً آخر في درب الحياة الخاص بها حتى تتمكن من التأقلم على أية ظروف تواجهها دون ضَجر أو تأفف ، فقد علمت أنَّ التقلبات كما تُصيب المناخ فهي تَلْحَق بالنفس البشرية التي لا يدوم لها حال إذْ تتبدل من حين لآخر بحسب الظروف المواتية التي تتعايش معها أو قد تُجبَر عليها في بعض الأوقات ، فعلى المرء أنْ يكون مرناً حتى يتمكن من تقبُّل الأوضاع أياً كانت والتكيف معها بقدر المستطاع وألا يترك نفسه إلى أنْ يقع فريسة لأي شعور يطارده أو ظرف يهاجمه حتى لا يعصف به ويفتك بقوته فيقع صريعاً له ويجعله يائساً غير قادر على مواصلة تلك الحياة أو متحلِّياً برحابة الصدر التى تُمكِّنه من الاستمرار بنفس الوَهج والحماس الذي كان عليه مُسبقاً ، فكل أمر في الدنيا متاح وممكن فلا علينا أنْ نفقد الأمل فهو بمثابة بصيص الضوء الذي ينير لنا وقت الحَلكة والظلام الدامس قبل أنْ تستحيل حياتنا إليه للأبد بلا قدرة على رؤية الضوء أو لَمْحِه ولو من على بُعْد فذلك من أقسى ما قد يَمُر به المرء …
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
” ماذا أناديك ” …بقلم رويدا المصري – لبنان
و….أقف أمام رموشك..
وكأنني غريبة..
بعدما كنت ..
أسكنتك روحي…
تتبختر فيها…..بحرية..
تختال….في شرايين قلبي..
وتفسح بكفيك..أضلعي..
و كأن.. همساتك…
تحصي.. و..تحدد …
عدد أنفاسي..
تتلاحق.. كأمواج البحر…
لو كانت دافئة…
ولو أحسست… أنها متعبة..
تخنقني غصاتي….
فكيف صرت غريبة…؟؟،
وأنا..من كنت في مدرستي..
أنادي….كل تلميذ…..وتلميذة…
باسمه…..واسمها..
وعلمتهم أسماء كل شيء..
حتى ما لا نراه .. بالعين..
كالحب… الحلم…..والحرية..
إلا أنت…لا أعرف..
بماذا أناديك…وكيف..
وكأنني…. لا أعرف اسمك..
أو….عن قصد….أتجاهله..
كي أناديك.. عمري..
يا سر عمري..
أنا…. لا أعرف..
إلا..ان أناديك عمري..
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
ق. ق. ج و الومضات و الرباعيات
باقة من الومضات القصصية بقلم: عاشور زكي وهبة – مصر
تعاسةٌ
امتلأتِ الجيوبُ؛ فرغتِ القلوب.
عجزٌ
هجرتْه الأحلامُ؛ استوطنتْه الآلامُ.
كفاحٌ
عصرَ القلمَ؛ صرعَ الألمَ.
صراعٌ
تكالبوا على الكراسي؛ تكرَّستِ المآسي.
تعتيمٌ
اكفهرَّ الواقعُ؛ ازدانتِ المواقعُ.
تنافسٌ
توحَّدَ الخُطَّابُ؛ تعدَّدتِ الأسبابُ.
صيامٌ
تسلسلتِ الشياطينُ؛ تحرَّرتِ المسلسلاتُ.
عبوديّةٌ
تخلَّصوا من الطاغيَّةِ؛ أخلصوا للزبانيَّةِ.
أمومةٌ
وهبتهم عينيها؛ عيَّروها بالعمى.
رِدَّةٌ
أجَلُّوا النقلَ؛ أجَّلوا العقلَ.
مكانةٌ
زيَّفوا التاريخَ؛ توَّجتْهم مزابلَه.
وطنٌ
اتّفقَ الفرقاءُ؛ تفرَّقَ الشعبُ.
خبرةٌ
قذفوه بالأحجار؛ شيَّدَ بها حصنًا.
نميمةٌ
تنقَّبتْ؛ نقَّبوا في دفاترها القديمة.
الأحد 2023/3/19
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
غُبن …بقلم : نزار الحاج علي
أخيراً اشتريت البيت الذي كنتُ أحلمُ به طوال عمري، بيت ريفيّ حقيقي في فنائه شجرة، وتحت ظلّها كلب ينبح.
لكنّ من أوّل ليلة اكتشفتُ أنّ الشجرة تجذب إليها الطيور عند المغيب، أمّا الكلب فقد كان نباحه لا يهدأ طوال الليل.
و لأنّي أهوى الهدوء…قطعتُ الشجرة، ودسستُ السمّ للكلب.
في الصباح راودني شعور بأن الصفقة لم تكن مناسبة لي… لذلك أفكر ببيعه والبحث عن بيتٍ ريفيٍّ حقيقي…في فنائه شجرة، و تحتها كلبٌ ينبح.
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
انتصار … بقلم جمال الدين خنفري – الجزائر
سددت ضربتها بقوة، حققت مبتغاها، كسوها لباسا على غير مقاسها، التزمت بحكمة الصمت، انتصرت على انتقاص أنوثتها، راجعوا انتكاساتهم بمرارة.
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
شعر العامية
اوعي تخاف … اشرف الشناوي شاعر عاميه البرامون
– المنصوره
اوعي تخاف
لو بكره ماجاش
أو حلمك من عرقك باش
لو قلبك لساه بيدق
يبقى اضحك مطلعش معاش
وارسم على كل حيطانك
احزانك واغسلها بنور
واستني الفجر اللي معدي
على باب الدوور
الشمس هتدخل وتدفي
القلب البردان
والليل هايلم في احزانه
زي الغربان
والصبح هايطلع ويغني
بأحلى الالحان
محلاها الدنيا اما بتضحك
بعد الأحزان
فتحس بروحك كدا طايره
وسط الملكوت
لو مات الحلم اللي في قلبك
يبقى انت تموت
واوعاك الوجع المتبعتر
ياخدك لبعيد
ويسيبك عالشط لوحدك
أو يكتب عالقبر شهيد
قوم غني وكمل مشوارك
لو باقي في عمرك
يوم واحد
راح تاخد م الدنيا
دي تارك
وتعيشها سعيد
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
جناح مكسور……بقلم وحيد علي الجمال- مصر
فكرت ابيع قلبي المعطوب
مع كام شريان ووريد تعبان
طلعوا من الخدمة في عامنول
مع حبة كسر ف أحزاني
وبواقي الخردة المركونة
في مشاعر ماتت مقتولة
من قبل ماتطلع في الصورة
على نعش الموت المتكركب
بحكاوي ف روحي بتتسرسب
وكأنها رجعت تترتب
وتصحي الموت من دواويني
روبابيكيا بتسكن أحلامي
ملهاش ولا حصر
فيه منها قديم خالص جدا
مركون ع الرف
والباقي اتحول في شروخه
فتافيت مع كسر
كل اما اشتاق واحلم بيها
تنفض أجزائي و تعصرني
لازم في الآخر توجعني
مش عاوز حاجة تفكرني
أو حتى تمر تسمعني
ودمع فوق حبر قصايدي
وترجَّع طيفك ل ملامحي
واتمني سنيني ترجعني
واطلب من قلبك يسامحني
ماانا كنت زمان ببكي وجودك
وطلبت تعدّيلي حدودي
من غير ما تثوري على سطوري
دلوقتي احلوت دواويني
وبقيت مطلوب؟؟!!
مش هما قالولك كدا عني
أن انا صعلوك !!!
ماأنفعشي أكون سندك أبدا
ده الشاعر عمره ما يتحمل
أحزان الموت
دا بيبني قصور جوه هوامش
وفي لحظة وثانية بتتلاشى
وينام مفطور
طب ينفع حلمي اللي اتعرى
يتستر تاني في أحلامك
من غير مايوقع لجنابك
على أي شروط
طب ينفع تاني يقوم يأذن
يتحدى شيطانك ويرتل
ويعلي الصوت؟؟؟!
ويشيل في دموعك يتوضى
ولا يرجع تاني مع وجودك
مكسور الذات
كان نفسي أجيلك…
وانا بايع ف الخردة جروحي وأحزاني
مجبور الخاطر مع طيفك
ولا عمري يكون لي جناح مكسور
…….وحيد علي الجمال……….
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
اقولك ايه… بقلم شيماء عادل- مصر
طب اقولك ايه
وانت الوداع
كان جزء منه ف طلتك
ما طلعش من نظرة عنيك تمسك بإيدك فرحتك
وتداوي عمري من الوجع
يا خسارة الدمع اللي عشش بالسنين
جوه ضريح القلب مهزوم م الفراق
بتعيش في دور المجروحين
عامل حزين علي حبنا
كان فين قرارك وقت ما نويت الرحيل
كان ذنب مين تعدم برئ
وتسيب لقلبي في محنته
يضل الطريق
ما لقيتش حتي ف طلتك
نظرة برئ
◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️◻️
خريطة …شعر چيهان النجار – مصر
يا شعر اكتب تاريخ وسجل لحد امتى هتأجل….
مافيش وقت للتأجيل مافيش تبجيل لسيرة الموت
مافيش فايدة
ف ناس عايشة على التهليب وع التأنيب
وف الهايفة بتتصدر
مافيش مصدر غير القافية ووزن حلال
مافيش إحلال ولا تجديد عشان نبني
غير المعنى ياشعر ….اكتبنا واستعنى
/وعبر على ودعنا
وعاش فينا بنور الله
مستني نعيم الصبر
ينادي الأقصى
يترجاه
بحق دمانا راح ترجع وشهدا لشهدا هنسلم….
بحق يتيم بيتألم
وختم خطاوي بتعلمّ
دمانا مش مجرد لون
دمانا العون
ع الآتي :
وهاتي يا أرضنا وهاتي من كل قبيلة رجال وشيلي لبطن بنتي عيال
ولو حتى ف يوم ماتوا وفاتوا السكة منكسرين أكيد
راجعين….
معانا الحق دق مدق
وزال النقمة بالحكمة هزمنا النجمة والشياطين نزعنا سلطة السلاطين
حفظنا النعمة حفظتنا
و حق الله والختمة…..
وزال الغم وعياله أسرنا سلطته وماله
وزارنا القاصي والداني
وابني جوه أحضاني
ورافع راية التوحيد
كتبنا الدرس للتشيد بدرنا للربيع تمهيد بحق التين والزيتون شهيد المسك والياسمين معانا صورة محفورة لشهيد ضحى وفدا روحها معانا خريطة لفلسطين .
عدد مميز وجميل، من أجمل المقالات مقال السد العالي