هو البحر أنت… شعر د. جمال مرسي
هو البحر أنت… شعر د. جمال مرسي
لِزَامٌ عَلَيكِ
لِزَامٌ عَلَيَّ
ونَحنُ نَخُوضُ الخِضَمَّ الجَدِيدَ
أَيَا رَبَّةَ البَحرِ و اليَاسَمِينِ المُطرَّزِ بِالحُزنِ
أَن نَتَرَوَّى .
هُوَ العُمرُ كَالمَاءِ مُنفَلِتاً
مِن أَصَابعِ نَشوَتِنَا
رَاقِصاً كَالسَّرَابِ عَلَى وَقعِ رِيحٍ
تُضَاجِعُ نَخلةَ أَيَّامِنَا البَاقِيَهْ .
أَيَنبُتُ نَعنَاعُ شَوقٍ
عَلَى صَخْرَتيِّ انتِظَارِي؟
أَمِ المَوتُ والرِّيحُ يَقتَلِعَانِ جُذُورَ اصطِبَارِي؟
عَلَى بَابِ قَصرِكِ
أَفنَى وَحِيداً
تُدَثِّرُنِي بِالمِياهِ يَدُ البَحرِ
تَحمِلُنِي للنِّهايَةِ أَموَاجُهُ العَاتِيَهْ .
هُوَ البَحرُ عَينَاكِ ..
فَلتَرفُقِي
إِن حَمَلتِ عَلَى هُدبِ مَوجِكِ
قِصَّةَ أَمسِيَ
لِلهَاوِيَهْ .
هُوَ البَحرُ سِرِّي و طُهرِي
وأَنتِ جَزِيرَتُهُ النَّائِيَهْ .
فَكَيفَ سَتُقلِعُ مِنِّي إِلَيكِ مَرَاكِبُ أَحلامِيَ الوَاهِيَهْ؟
وكَيفَ تُقَاوِمُ طَيشَ الرِّمَاحِ،
جُنُونَ الرِّيَاحِ
وتِلكَ الجِرَاحِ الَّتِي أَنبَتَت فِي ضُلُوعِ الكَلِيمِ
أَزَاهِيرَ أَحزَانِهِ القَانِيَهْ .
هُو البَحرُ أَنتِ .
دَعِينِي،
ومَا قَد تَبَقَّى مِنَ العُمرِ أُرسِي الشِّراعَ
عَلَى شَاطِئِ النُّورِ
فِي شَفَتَيكِ
فَأَقتَاتُ كَالطَّيرِ عُشبَ الأَمَانِي
أُدَاوِي جِرَاحِي بِصَوتِكِ حِينَ يَقُولُ: حَبِيبِي
ونَبضُكِ فِي رِحلَةِ العُمرِ زَادُ الغَرِيبِ
أَشُدُّ بِهِ ظَهرَ لَحْظَاتِيَ الفَانِيَهْ .
فَلا تَهجُرِي الرَّوضَ
يا أُقحُوانَتَهُ الزَّاهِيَهْ .
هُوَ البَحرُ أَنتِ
أُحَدِّثُهُ كُلَّ لَيْلَهْ .
عَنِ الطِّفلِ فِيَّ تُعَاوِدُهُ الذِّكرَيَاتُ
عَنِ الطِّفلِ يُمسِكُ ظِلَّهْ .
يُسَابِقُهُ فِي الحُقُولِ الفَرَاشُ
فَيَسبِقُهُ كَي يَفُوزَ بِقِطعَةِ حَلوَى
تُقَدِّمُهَا كَفُّكِ الحَانِيَهْ .
هُوَ البَحرُ أَنتِ
أُحَدِّثُهُ عَن أَدَقِّ التَّفَاصِيلِ
عَن نَزَقِ الوَلَدِ الغَجَرِيِّ الذي ضَعضَعَتهُ المَوَانِئُ
وهْوَ يُنَقِّلُ أَقدَامَهُ فِي البِلادِ البَعِيدَةِ
بَحثاً عَنِ الخُبزِ
يَحرُسُهُ أُخطُبوطُ المَرَافِي
عَنَ الثَّوبِ
يَستُرُهُ مِن هَجِيرِ الشَّوَارِعِ، بَردِ المَنَافِي
عَنِ الخَيطِ يَرتِقُ أسمَالَهُ البَالِيَهْ .
هُوَ البَحرُ أَنتِ
أُحَدِّثُهُ عَن بِلادِي التي أَثخَنَتهَا الجِرَاحَاتُ طَعنَا
وعَربَدَ فِيهَا لُصُوصُ البُنُوكِ
وظُلمُ المُلُوكِ
وضَاقَ بِهَا النِّيلُ ذَرعاً فَأَلقَى بِأَشرِعَةِ الصَّمتِ
فِي البَحرِ حُزنَا
فَمَا كَفكَفَ الفَجرُ أَدمُعَهُ الجَارِيَهْ.
هُوَ البَحرُ أَنتِ
أُرَاوِدُهُ .. مَا تَبَقَّى مِن العُمرِ .. عَن نَفسِهِ .
فَيحمِلُهُ المَدُّ نَحوِي
ويُبعِدُهُ الجَزرُ عَنِّي
يُعَاتِبُنِي نَورَسُ القَلبِ إِن غِبتُ عَنكِ
وإِن غِبتِ عَنِّي
فَيَزجُرُهُ نِسرُ صَدِّكِ يَا طِفلَتِي القَاسيَِهْ
هُوَ البَحرُ أَنتِ .
فَإِن جَفَّ بَحرُكِ،
كُلُّ المُحِيطَاتِ بَعدَكِ،
كُلُّ الفَضَاءَاتِ بَعدَكِ،
لا تَحتَوِينِي .
فَكُونِي …..
وكُونِي …..
وكُونِي ….