نوبة بكاء أخيرة …قصة قصيرة بقلم مها السيد الخواجه


نوبة بكاء أخيرة …قصة قصيرة بقلم مها السيد الخواجه

قبل أن تغمض عينيها، أمسكت هاتفها، وبيد مرتعشة فتحت صفحتها على الفيس بوك، تسارعت دقات قلبها، وبعينين متلهفتين بحثت في تحديث القصص، لكن سرعان ما انطفأت تلك اللهفة عندما لم تجد ما اعتادته منه في مثل هذه الأوقات.
تجمعت الدموع في عينيها وهي تتذكر ما اعتادت أن يفعله في كل مرة يتخاصمان فيها، ورسائله التي كان يتركها مخصصة لها وحدها في قصصه، قاومت الأوجاع التي تجتاح نفسها وجسدها ومدت طرف سبابتها لأعلى الشاشة المضيئة ضاغطة علامة البحث، اعتلت شفتيها ابتسامة خالطها حزن لظهور الاسم الوحيد الموجود بها، حدثت نفسها: “مَن غَيره كنت أبحث عنه يوما ..”
بضَغطة أخرى انتقلت الشاشة إلى صفحته الشخصية، جالت بعينيها فيها فترقرق الدمع، ثم سال، حافراً مجراه على خديها، هذه الدموع التي لم تتوقف طيلة أسبوع منذ آخر محادثة جمعتهما.
جعلت تطالع صورته بعد أن فتحتها وكبرتها لتنهل من ملامحه أكثر وأكثر، ومن بين دموعها أطلقت زفرة تغبش لها سطح الهاتف فمسحته برفق ممررة أصابعها على قسمات وجهه.
ودت لو استطاعت لمسه الآن، قربت الهاتف من وجهها، كادت أن تلثم الصورة لكنها توقفت فجأة، وتحول بكاؤها الصامت إلى نشيج متواصل.
لم تعد تتذكر عدد المرات التي تخاصما وتصالحا فيها، لكنها تتذكر أنها -كل مرة- كانت هي التي تبادر إلى مصالحته والتودد إليه حتى تعود أواصر صلتهما كما كانت.
تحركت يدها لتضغط علامة الرسائل لكنها أحجمت عن فعل ذلك، تقطعت أنفاسها وهي توجه له اللوم على ما بدر منه هذه المرة نحوها، تكاثرت دموعها بينما تتذكر كلماته التي جرحت كرامتها وأهانها بها، كلماته التي ذبحتها من الوريد إلى الوريد، وغيابه الذي تجسد لها قبراً عميقاً مسكوناً بذلك النداء الذي لا يكف.
مسحت بيدها على وجهه واحتضنته بعينيها لمرة أخيرة قبل أن تغلق الهاتف الذي ضمته لصدرها، و بيدها الأخرى أطاحت بكوب الماء وشريط الدواء الفارغ فتناثرت قطع الزجاج على الأرض، ثم راحت في نوبة بكاء توقفت مع ارتجافة أخيرة لجسدها.