نجمة أخرى أعلقها على سماء الذكرى ….بقلم سفانة بنت إبن الشاطئ


نجمة أخرى أعلقها على سماء الذكرى ….بقلم سفانة بنت إبن الشاطئ

في ذكرى وفاة الوالد ٢٩-أبريل عام ٢٠٠٨
نجمة أخرى أعلقها على سماء الذكرى
فسلاما لروح نشتاق إليها ولا ننساها
ذكرى رحيل والدي رحمه الله الشاعر الكبير ابن الشاطئ “اسماعيل ابراهيم شتات”
من جديد يجذبني الياسمين حتى وإن اكتسى يومي اللون الأسود .. لكن هذا اليوم لم يجذبني إليه هندامه الأنيق الأبيض .. بل جذبني عطره الذي مهما اقتربت أو ابتعدت عنه يبقى فواحا ليبقى إحساسي بنضارة الياسمين مستمرا ..
هكذا هي الذكريات .. و هكذا هو الشعور بمن كان موطنهم القلب ورحلوا اعنا وابتعدوا..
وبين بكاء على ذكرى مزقت أوراق النبض منذ سنين، وابتسامة فاقدة التأهيل لا تمت للفرح بصلة، إحساس يتنامى و أنا مصلوبة على عقارب الوقت أقضي أتأرجح بين أنياب ذكرى وفاة والدي رحمه الله الشاعر الكبير (الفلسطيني – الجزائري الدمشقي – العراقي …..) إسماعيل إبراهيم شتات” ابن الشاطئ” الذي عاش عمره رافضا أن تختصر هويته على خارطة وطن واحد ..
كان قلبه رحمه الله يتسع لكل شبر من أمتنا .. ولكل قلب يدير شؤونه الضمير .. و يرتقي بتعامله مع الآخرين و يشعر بمعاناة الآخرين، ويساهم دوما في وضع حجر الأساس لكل من يؤول قلبه وروحه للإنهيار .
كل عام وفي مثل هذا اليوم ترفرف فوق سمائي نوارس تعشق الترحال، تصرُّ على التحليق طويلا بين سُحب الربيع الذي تربطنا به مشيمة وثَّقت ذكريات شتى لي و لوالدتي الحبيبة رحمها الله و لإخوتي أشقاء الروح، كلها تصبُّ في ربوع الجزائر الحبيبة، أيام الطفولة أو المراهقة ..حيث كانت الطبيعة تحتضن ضحكاتنا .. لعبنا عفويتنا .. براءتنا ..وكانت أحلامنا تطير مع الفرشات برشاقة، و أمنياتنا كألوان البساتين مزركشة بشقائق النعمان والمارغريت و البنفسج،
وعلى جنبات الطريق ينتشر شجر شامخ كالصنوبر وشجر آخر مثمر، كان هذا المنظر الخلاب في سهول متيجة في ولاية المدية و ما حولها وهي السهول التي اشتهرت بزهورها دوما ..ومنها يستورد الأوربيين هذه الزهور فتتحول لعطور فاخرة ..
كنا دوما نطوي المسافات على صوت فيروز و ووديع الصافي وشمس نصر الدين .. وكنا نحفظ أغلب أغانيهم و استعراضاتهم رغم صغر سننا .. لأن الوالد رحمه الله كان من عشاق السيدة فيروز ..وكنا نرى السعادة ترتسم على محياه، وتنعكس بريقا في مقلايه أو من خلال ابتسامات متلاحقة تبث الحماس فينا
أذكر للآن مشاكسته لنا حين يترك فجأة مقود السيارة ليصفق معنا بكلتا يديه.. فنصرخ جميعا بصوت واحد ” بابا لاااااا أرجوك لا تفعل “ثم يضحك طويلا واضعا يديه على المقود من جديد ويقول مازحا لا تخافوا هيّا اكملوا الغناء …
لا أعلم لم تلاحقني هذه الذكريات حين يتقدم الربيع خطوة باتجاه الطبيعة ليتمدد بتؤدة على أريكتها الفارهة معلنا انتهاء موسم من التقلبات العاصفة، حيث ما فتئ الشتاء يلطمنا بين غضب وغضب
لكن رغم مزاجيته وصقيعه كنت أشعر بالدفء الذي لا يمكن وصفه يأتي من جمر كلمات والدي من حرارة رده حين تربت على كتفي من مدفأة حضنه الذي لا ينسى أتساءل دوما “هل والدي رحمه الله مختلف بهذا القدر عن كل الآباء .. أم كما يقال كل فتاة بوالدها معجبة .. صدقا لا أعلم ..”
لذا سأترك كل من يقرأ هذه الكلمات أن يعود ادراجه إلى حيث كان عالمه مختصرا على أسرة مكونة من أب و أم و أخوة و أخوات .. ويسأل نفسه هل كان لكم أب مثالي مثل أبي ؟؟
هذا بعض من حديث دار بيني و بين الياسمين هذا الصباح .. صباح كانت جدائل شمسه مبعثرة .. و شريطتها الستان باهتة كئيبة .. لكن الياسمين قرر أن يشاركني حزني،
لم لا وأنا والشمس كوالدي رحمه الله اعتدنا كل يوم أن نرتشف القهوة على إيقاع مرح يداعبه صوت فيروز .. و زقزقة عصافير شغوفة لا أعرف للآن هويتها .
لكن اكتشفت الآن ونحن في الظهيرة على غير عادتي لم أشرب القهوة ولم أستقبل موكب الصباح بصوت فيروز، بل كانت دموعي تسبق ذكرياتي على طريق الحنين وها أنا أُشغل نفسي بالكتابة كي لا تصلني زقزقة العصافير لتربك قلمي من سحرها وحاليا أشعر أنني ضقت ذرعا من كل شيء إلا من ضمة حنان تحتويني من والدي أو من دفقة حب ينقلها لي ذاك بريق الساحر من عينيه أو ربما أنا بأمس الحاجة لإيماءة رضا لروحي تعكسها ابتسامته الساحرة ..!!؟
رحمك الله يا والدي الحبيب فذكرى رحيلك الذي يصادف هذا اليوم مرتبطة بمشيمة الذكريات العطرة والتي تشبه كثيرا أريج الياسمين، لذلك هي تختال بين عروق الروح حتى النفس الأخير ، لن يختصرها هذا اليوم مطلقا وإنما هي كلمات تكاد لا تصف إلا ما يطفو على السطح أما في العمق فهنالك ما لا يمكن وصفه بالكلمات،
و من جديد ها أنا أعلق في سماء المجد وعلى صدر الخلود نجمة 17 ليزيد العقد نجمة أخرى لكنها في مرارتها لا تختلف عن مرارة النجمة الأولى ..