نبض القلم … قصة قصيرة بقلم د/ نجوى محمد سلام( الفراشة الحالمة)


في مملكة الدمي التي صنعها لي صغيرة بقلم وكتاب ، عشت كل ما نسجته أبجديته ، شخصياته التي احتلت أركان غرفتي نبشت في مناطق روحي المحرمة ، وبجراءة كانت تنحو منحي مناطقها الشائكة .

حكاياته ببنيتها السردية وكاميراتها القصصية التي كان يكتبها صباحاً ويقصها علي مسامعي ليلاً كانت تعزف في حجرتي موسيقي الأوركسترا ، أشم روائح أبطاله التي تشاركني متعة الرقص ليلاً ، أبطال ترسم لي أبواب الخروج من عتمة وحدتي ، وتسمعني بوضوح أصوات صرير الأبواب المغلقة حين تُفتح علي مصراعيها لانطلاقي نحو مجرة النور بأجنحة انعتاقي .

عرائس محبته التي كانت تصنعها يداه ، غزلت صكوك رغبتي في التحرر من موروثات الشرق القاتلة ، رغبتي الأكيدة التي ليس ثمة رجوع عنها ، بئر أفكاره كان عميقاً جداً وبارداً جداً كما يليق بعاشق ، سقطت فيه بحثاً عن خلاص .

طفلة مسكونة بالفزع ذات روح مضطربة حولتها أهازيجه وعرائسه التي تمارس ضجيجها ليلاً لساحرة يفرغ في عقلها شهوة بنات أفكاره بمتعة ثم يتركها فريسة للنوم ، النوم الذي لا يسكت وحوش رغبتها في الطيران ، ولا يطفئ ظمأ روحها للحظة مغامرة مجنونة .

تختلف الحياة في حجرتي عن الحياة خارجها ، لم أكن أجرؤ علي ممارسة القسوة إلا علي نفسي ، ولم أكن أملك سلطات التمرد لأنسلخ من ثوابث فكرهم العقيم لبراح فكره العميق إلا حينما يأتي المساء وينفرد بي في حجرتي .
أساطيره التي لم أعرف هويتها النفسية إلا بعد وفاته ، أساطير مرهقة في الانصات لها ، لأنها متعددة في القضايا التي أثارتها بأعماقي ، عتبات قصصه ونهايتها تدثرت بالجرأة الصادمة ، مقاطعه السردية القصيرة التي احتار خيالي في ملاحقتها شكلت عالماً عجائبيا بيني وبين أبطاله ، بحثت في المسكوت عنه بأعماقي طفلة وفضحته للعلن حين صرت أنثي .

التعري الواصل لحد الجرأة الصادمة وكشف الستار عن المسكوت عنه في العلاقات المتداخلة والمتناقضة بين أبطال أساطيره كشف ملامحه لي حين حدثني عن أهمية الأحلام وقيمة الخيال ، الإنطلاقة الحقيقية من ضيق الجسد إلي براح الروح في محاولة للوصول إلي منتهي الإنسانية التي هي الهدف الأسمي لكل الأديان علي اختلافها .

شعرت مع أساطيره بالامتنان له ، هو الوحيد الذي رآني كاملة ، تعامل معي بمحبة وإخلاص ، علمني بصمته البليغ صفوة المشاعر ، وعلمتني لغته بديع الكلام .
بعد رحيله مضيت في الحياة أحمل بطاقة هويته و طاقتي المكبوتة ، أريد الخروج من شرنقتي لأحقق ما كان يصبو إليه وتعلمني إياه حكاياته الليلية ، انطلقت أحمل إرثه من قلم وكتاب يكتظ بتفاصيل أساطير أبي في شوارع روحي لإجراء إصلاحاته المطلوبة ، إصلاحات أعطاب روح بكل ما فيها ومن فيها ، بطقوس تتبدل وتختلف كل ليلة ولا أملك منها فرار ، طقوس معربدة في حنايا روحي ، طقوس لفني شذي أريجها ، فألهبت حماسي وسرقت حواسي .

هالة من نور كنت أترقبها كل ليلة ، تهتك خجلي ، وتغتال ترددي ، وهج يتسلل شعاعه يخصني وحدي ، أغرق قلبي في نشوته ، وهج يتلبسني ويتمدد في خلايا دمي ، لا أعرف حتي الآن _ رغم انقضاء العمر _ كيف أخفيه !! وهج يمتد فيحييني كلما حاولت أنياب الحياة اغتيال روحي ، وهج يسكن نبض القلم فيعيد إتزان نبضي فتشرق شمسي من جديد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى