مسارات الغزو وسنوات التيه…. بقلم د.أحمد دبيان


مسارات الغزو وسنوات التيه…. بقلم د.أحمد دبيان

منذ فجر التاريخ ومسارات الغزو لمصر تكاد تكون ثابته.
الجغرافيا تنحت حركة التاريخ وميراث الجغرافيا وزنازينها تنتهى بنا إلى مقولات شبه مكررة عن التاريخ وتكراره وإنه يدور فى دوائر التيه والإعادة.
منذ أن فجر أمنحتب الرابع ثورته الدينية انقض الطرف على القلب فى بندول شبه ثابت الحركة.
حرك الحيثيون الفتن في المنطقة واستولوا على المدن الشمالية ، وانتقضت مدن عديدة في فينيقية وفلسطين، وسرى الإنحلال إلى أطراف الدولة، فلم يحرك إخناتون ساكنًا ومضى في تأملاته ودعوته الدينية.
ورغم أن الواجب الأول على رئيس الدولة أن يعمل على حفظ كيانها؛ لأن المحافظة على كيان الوطن أول واجب مفروض عليه بل على كل مواطن، وهو واجب مقدم على الأبحاث الفلسفية والدينية.
نجد إخناتون يصرف كل همه إلى الثورة الدينية في وقت كان فيه الوطن في خطر، ومن هنا كانت المآخذ على شخصيته وسياسته.
لسنا هنا بصدد الدخول فى تفصيلات التطرف الدينى باسم الثورة الدينية وتأثيرها المدوى على وحدة المجتمع واستقراره ، إلا أن الحركة الدينية المتطرفة ل لإخناتون قوضت المجتمع المصرى لينتهى بنا الحال إلى حرب أهلية لم تتوقف إلا باغتيال إخناتون وصعود القائد القوى حور محب وإمساكه بدفة الحكم.
انحسر النفوذ الفرعونى في عصر أواخر ملوك الأسرة الثامنة عشرة كنتيجة مباشرة للإضطرابات التي خلفتها الحرب الأهلية في مصر أثناء ثورة إخناتون الدينية.
مما جعل الحثييون يستغلون هذه الإضطرابات لكي يقوموا بقيادة تحالف ضد الفراعنة، ونجاحهم في ذلك . ونتيجة لذلك فقد الفراعنة الكثير من مناطق نفوذهم في آسيا الغربية،
قام ملوك الأسرة التاسعة عشر ، رمسيس الأول وسيتى الأول بفهم واستدراك خطأ الإنحسار فأرسلوا حملات التأمين والدفاع المتقدم إلى مواطن الحيثيين فى الشمال فكانت قادش التكليل للجهد والفهم بقيادة فرعون مصر الأعظم رمسيس الثانى .
ومع انحسار الإمبراطورية المصرية القديمة سقطت مصر تحت الاحتلال الأجنبى من فرس إلى رومان وكانت مسارات السقوط تخطو خطواتها من القوس الشرقى ، قوس المجد الإمبراطوري ، وقوس السقوط حين الضعف.
و حين غزا التتار الشرق كانت بداية السقوط في بغداد لينتهى الأمر بوصول هولاكو لحلب -وقتها كان أمير حلب هو الملك المعظم تورانشاه ابن السلطان صلاح الدين الأيوبي – لما وصل المغول لأسوار حلب بعث هولاكو لتورانشاه يطلب منه تسليم المدينة فلما رفض حاصر المغول الأسوار واقتحموا المدينة بعد سبعة أيام وقتلوا أعدادا كبيرة من الحلبيين وأعطوا الحريم لزوجاتهم وسجنوا أولادهم ونهبوا أموالهم وممتلكاتهم ، واستمرت المجزرة خمسة أيام وملئت الأرض بجثتهم وصار المغول يمشون فوق الجثث من كثرتها، لكن قلعة حلب لم تستسلم فحاصرها هولاكو إلى أن استولى عليها ، وخربها هي وكل أسوار حلب وجوامعها وبساتينها لدرجة أن المؤرخ بدر الدين العيني وصفها بأن شكلها صار مثل الحمار الأجوف.
و سمح هولاكو لتورانشاه بالخروج من حلب من دون التعرض له لأنه كان كبير في السن لكن توفي بعد سقوط حلب بأيام.
كانت دمشق التالية في السقوط بأيدي المغول بقيادة كتبغا خان الذي عينه هولاكو نائباً له عن الشام وكان حاكم دمشق الناصر يوسف الأيوبي قد هرب من المدينة لاجئاً إلى غزة وآثر أهل دمشق الاستسلام خوفاً من مصير مماثل لحلب التي ارتكب فيها المغول مجازر مروعة، فدخل المغول إلى المدينة دون قتال فيما عدا القلعة التي استمرت بالمقاومة في معركة غير متكافئة حتى سقطت تحت ضربات المنجنيق وتم إعدام كل حاميتها لتقف القاهرة على عتبات المواجهة. فكانت القوة العسكرية المتمصرة بالمرصاد فى عين جالوت.
ظلت مسارات الغزو ثابتة ومسارات التحرر أيضا إلى أن سقطت مصر بسقوط الشام فى أيدى العثمانيين لترسف فى نير أسرهم مدة خمسة قرون.
سقوط الشام دوما يعقبه غزو وتهديد للقلب فى مصر و فى حالات ضعف القلب بعد اضعاف الطرف ينتهى الأمر بمرض مضل مزمن لا يتعافى منه الجسد إلا بقرون من الذل والتبعية والإستعمار.