مئة ليلة وليلة : الليلة الرابعة عشر – “أبو صفية” …قصة قصيرة بقلم نجوى عبد الجواد

من حين لآخر تقصد السيدة خلود مكتبة زوجها بروفيسور محمود وتستعير أحد الكتب، وربما تناقشه فيه فيما بعد، وهاهي تفتح الباب بهدوء، تجده منكبا على كتاب، لاتزعجه، تنتقي كتابا وتجلس على الأريكة المواجهة للمكتب، تعيد النظر إلى زوجها،يبدو أنه في واد آخر، تتجاهل الوضع وتعود لكتابها. من حين لآخر ترفع رأسها وتنظر إليه،
دفعها الفضول لإغلاق كتابها والتوجه إليه بالحديث :أين أنت محمود؟ لايرد.
بصوت عالٍ:محمود، محمود.
يلتفت إليها، خلود، أنتِ هنا.
ضاحكة :من زمن يا رجل، ما كل هذا الشرود؟!
صدقتِ، لقد استحوذت الصورة على كل تفكيري.
أية صورة؟ ماهذا الكتاب الذي تمسك؟
إنه مئة ليلة وليلة.
آه منتصر الفلسطيني وحكاياته. تقول خلود.
كيف تهون الحياة بهذه الصورة خلود؟! كيف تغلبوا على حب الذات والولد والمال والجاه؟
أية عقيدة هذه التي حركت هؤلاء؟! وأي وطن هذا الذي هان من أجله كل شيء؟!
لهذه الدرجة متأثر محمود؟
للدرجة التى أحبس فيها دموعي أمامك زوجتي العزيزة.
يبدو عليها التأثر من كلماته. تصمت قليلا ثم تسأل :الندوة الليلةإذن؟ .
نعم، إنها الليلة الرابعة عشر.
وما عنوانها؟
يسميها منتصر “أبو صفية” وأسميها أنا حكاية صورة.
ولِمَ تغير عنوانها؟
ليس اعتراضا على السابق ولكن تقريرا لواقع! فالقصة تحكيها صورة .
زاد فضولي، احكِ محمود.
بدا محمود صامتا بعد إلقاء السلام، بين الحضور تنتظر خلود سماع مالم تسمعه من محمود في البيتِ، أضاء محمود شاشة العرض ووقف بجوارها صامتا يتنقل بينها وبين أعين الحضور التى تحمل من التأثر والدهشة والتساؤل الكثير. الآن عرفت سر شرود زوجها وتأثره، أخذتها الصورة بعيدا بعيدا، همهمات بجوارها، نقاشات جانبيه، صوت زوجها، عادت إليهم. أيها الأحباب، لو تذكرون الليلة الرابعة استقينا القصة من عدة رسومات بيد منتصر، والليلة قصة منتصر هذه عبارة عن الصورة التي أمامكم وبعض الجمل أسفلها.!يبدو أنه رأي في هذا الكفاية.
من نظراتكم وهمهماتكم أستشف تعاطفكم القوي مع صاحب الصورة.
ترتفع الأصوات مؤيدة بشدة.
كما ترون طبيب يبدو أنه خمسيني، يرتدى البالطو الأبيض، يتحرك بصعوبة فوق أنقاض، يبدو أنه تعمد سير الهويني؛ فربما صادفت قدمه جثث أهله أو أصحابه،! على الجانبين دمار واسع، حطام منازل صارت أثرا بعد عين ، وفي الخلف منه يبدو المستشفى الذى خرج منه مدمرا بشدة . كما ترون في الصورة يبدو الطبيب وحيدا، أعزلا،حسامه علاجه لأهل وطنه، رأسه لأعلى،انظروا الجهة التي يتوجه إليها، إنها دبابات يطل منها جنود العدو، يبدو على وجوههم التحفز، من الواضح أن هذه الصورة التقطت لتسجل لحظة اعتقاله.، كل هذه الدبابات من أجل رجل واحد وحيد! سكون تام، تحديق في الصورة، تنوع في النظرات بين الحضور مابين متألم حزين ، وبين غاضب حانق على عدو غاصب، وبين متأمل للصورة، محاولا قراءتها جيدا. انظروا ما كتب منتصر أسفل الصورة :أبو صفية، من لايعرف غزة وحكايتها فلينظر لصورتك، إنك وحيد مثلها، أعزل مثلها، سامق مثلها،لاتهاب عدوك مثلها، تضحي مثلها. تنتهي قصة “أبو صفية” بهذه الكلمات، أظنكم كنتم في انتظار المزيد .
كنت مثلكم بعد تأمل الصورة وبحثت ونقبت وعرفت المزيد عن حسام أبو صفية لكن أصدقكم القول وجدت أن الصورة تكليلا لرحلة مقاومته لعدو غاشم، لم تذكر الكتب مصيره كما فعل منتصر،، هل مات تحت التعذيب،؟ هل نجا وعاد ليبني وطنا تحرر بدماء أولاده؟ توقفت عن البحث ليس كللا؛ ولكن لأن التاريخ قد كتب كلمته وخلَّد الرجل في أقوي لحظات حياته، بل لو بحثتَ عن رمز لغزة إبَّان هذه الفترة لرشحت لك بضمير مستريح هذه الصورة للدكتور أبي صفية ، الوحيد، الأعزل الشامخ، الصامد. تصفيق حاد من الحضور مع انتهاء الندوة. على وعد بلقاء جديد والقصة الخامسة عشر من قصص مئة ليلة وليلة يغادر بروفسور محمود وزوجه خلود القاعةملوحا بالتحية للحضور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى