طيفٌ أو زُهورٌ ….شعر نهى عمر – فلسطين.


كان والدي رحمه الله من الرجال النادر وجودهم يَتَّصِف بالصبر والوفاء والعِفّة والحِكمة وووو ..وكل ما يمكن تخيله من صفات إيجابية وأكثر رغم بَساطَته، فقد بقي عازباً بعد وفاة والدتي وفاءً لها و ليَحمينا من زوجة الأب التي لا يمكن معرفة طبيعتها، وكان يعتمد على نفسه بكل شيء حتى أننا لم نكن نشعر بوجوده بل كان هو من يساعدنا أو أنا تحديداً لأنني عشت معه أطول فترة من عمره بِصَفتي الصُغرى في العائلة، حتى وافَته المَنية وانتقل إلى جوار ربه بصمت رحمه الله وغفر له ولنا وسامحنا على أي تقصير.
طيفٌ أو زُهورٌ ….شعر نهى عمر – فلسطين.

حين الحُروفُ تَرافَقَتْ
بمَشاعر الصدق الجميلةِ
والنُفوسُ تَلاحَمتْ وتَآلَفتْ
وتَعانقتْ وتَعطرتْ
مِن سِحرها الأرواحُ
صاحَبَها الحُبورُ تَناغَمَتْ
وتَشاجنت تلكَ الخوافِقُ
مع شَجِيِّ اللحنِ تسمو راقيةْ
جاء الغِيابُ مُفاجِئاً
كان الرَحيلُ بلا تَذاكرَ للإِيابْ
ما أُعطِيَتْ تلك النَوابِضُ والعقولُ
إشارَةً
مَعلومَةً
بعضَ الخَبَرْ
لمْ تَحظَ حتى باللقاءِ ولا الوداعِ..
هُنا المَرارْ
أَتَعودُنا طيفاً زُهوراً في تَفَتُّحِ لَوزِنا
والبرتقالُ هناكَ والليمونُ في البيتِ العتيقِ
وَما زَرَعتَ بِكلِّ حُبٍّ
دونَ مَنٍّ أو كَلامْ
والصمتُ طَبعُكَ لستَ تَطلُبُ أو تَلومُ
وتَكتَفي بالصَبرِ
إذ جادَتْ بكَ الأيّامُ وحدَكَ ثابِتٌ
هذا عَطاؤكَ والتَنازُلُ تَضحِياتٌ
لا نَرى ما قد يكونُ وراءَ صَمتِكَ
مِن فَجائعَ واحتِياجٍ
نحنُ كُنا غافِلينَ
ولا نَعي تقديرَ شَأنِكَ عالِياً
ماذا تريدُ وَما عَلينا فِعلُهُ
وسُكوتُكَ المَعهودُ قابَلَ جَهلَنا يا وَيلَنا
والآنَ صِرنا بالكُهولَةِ أو تَجاوَزنا
ونَذكُرُ روحَكَ الغَرّاءَ
في ذِكراكَ يكبُرُ حزنُنا
أَسَفٌ يَجولُ شعورَنا
ما بينَنا وَ ذَواتَنا نَدَمٌ بِنا
إذ ربما لا نَفهَمُكْ
نَرجو سَماحاً مِنكَ
مِن ربِّ العِبادِ بِرَحمةٍ وَسِعَتْ
وَطيبَةُ قلبِكَ المِعطاءِ
لا وَصفٌ يَليقُ ولا مَثيلٌ
وَلَّدَتْ فينا اعتِياداً أنّ حاجَتنا إليكَ
وأنتَ لا تحتاجُ قَصَّرنا مَعَكْ
رُحماكَ ربّي قد ظَلَمتُ جَهالَةً نفسي أنا
أو ربما ضعفُ البَصيرَةِ
طَيشُنا وبَراءَةٌ
قلبي يَتيمٌ لا رِعايَةَ مِن أَحَدْ
لا تَوعِياتٌ للحياةِ عن احتِياجات الكَبَرٌ
والفَقدُ يُؤلِمُ سارِياً في الدمِّ
سُمّاً بالوَريدِ معَ النَدَمْ
هذا القَدَرْ
لا يَستَشيرُ مُفارِقاً لا مُهلَةً تُعطَى
ولا ميعادَ أو ميقاتَ يَكشِفُهُ النَظَرْ
لا لا اكتِراثَ لِضَعفِنا لِعَنائنا لِشَقائنا
لِلدَمعِ لِلحُزن الذي يَغتالُنا
أو يُتمِنا في عِزِّ حاجَتِنا لِمَن عَنّا رَحَلْ
يا ليتَهُ قد أمهَلَكْ
حتى تَراني
كُنتَ مُنتَظِراً هناكْ
والحَربُ والظَرفُ المَقيتُ تَرَبَّصا
أنتَ ارتَقَيتَ قُبَيلَ موعِدِنا
دقائقَ لَمْ أَنَلْ
كم صاعقٌ ما قد حصل
يا ليتني منكَ استَلمتُ وَصِيًّةً
بعضَ النَصائحِ والدُعاءِ
وما تَجودُ مِنَ الحِكَمٔ
بَكَت الخَوافقُ والأماكنُ والمُقَلْ
كلُّ الحروفِ تَراجَعَتْ
فالأمرُ ذا حَدَثٌ جَلَلْ
ومُغافِلٌ آهِ ارتِحالكَ كم قَهَرْ
لكنَّ ذِكرَكَ بالمَآثِرِ يَشتَهِرْ
لا لن يُغَيِّبَكَ الغِيابُ مدى الدَهِرْ
بالصبرِ أعظَمَ مَن صَبَرْ
بالبَذلِ أجوَدَ مَن بَذَلْ
ما منكَ يملأُ فِكرَنا وقلوبنا
تلك الحروفُ تَقودُنا
شمسٌ تُنيرُ دُروبَنا رغمَ النَوى
فالفكرُ لا يَفنَى وقولكَ مشعلٌ لا ينطَفي
والذِكرَياتُ وبيننا تبقى لنا
أنتَ المكانُ هَواؤهُ وزُهورُهُ
لا تختَفي لا تُنتَسَى
لا صمتَ لا صُوَرَ انمَحَتْ
في الذِهنِ أو في العينِ
بل أقوى مِنَ الأطيافِ حاضِرَةٌ
وبالتَعبيرِ أنتْ.