طبخة ماما و ذوبان الهوية ….مقال بقلم/ أسـمـاء الـبـيـطـار

من أكثر المقالات صعوبة هي تلك التي تدخل فيها داخل عمق الجذور .. لتفهم أو لتحاول أن تتفهم لماذا خرجت الفروع بهذا الميل .
و للصراحة الأدبية .. كنت و لأول مرة في مقالاتي قررت أن ابحث عن بعض المعلومات التي تفيد القارئ و المقال .
و لكني تراجعت بعد الاطلاع على أول معلومة .. أكدت لي عنوان المقال .

و سنبدأ حديثنا ككل مرة من الواقع الذي عشناه بكل تفاصيله لأنه دائما الأصدق .
من منا ليس له جذور ريفية أصيلة عاش فيها و تربى على خيراته.. و كان هذا الخير ينتقل إلي كل ربوع المحروسة عن طريق أبناء الأصول الذين لم يتخلوا عن جذورهم الريفية يوما .
لم تتمثل الجذور الريفية في المودة و الرحمة و بربط الأصول بالفروع فقط، و لكن كانت أيضا في الحفاظ على كل موروث ثقافي و اجتماعي يعيشون به داخل
” شققهم ” بالمدن .

و سنتحدث هنا عن موروثنا الثقافي في عادات الطعام .
و الذي يظن البعض إن هذا الأمر هين .
و سيتساءل البعض ما دخل الطعام بذوبان الهوية ؟

دائما يبدأ الأمر الجلل بما يظنه البعض إنها صغائر للأمور .

  • من منا لم يتربى على الأكلات الشعبية مثل ” العدس و البصارة و الخبيزة و الكشري و الفول و الطعمية و القرنبيط و صنية الرز بالزيت الحار في الفرن البلدي بعد الانتهاء من يوم خبز عيش الأسبوع و و و …. ” .
  • من منا لم يعرف الأكلات بأسمائها الحقيقية و طريقة تحضيرها دون أن نرجع إلي أمهاتنا ، من منا لم يشتاق إلي أكلهم و يرشحهم لوجبة الغذاء أو الإفطار ؟
  • من منا تمرد على هذه النوعية من الطعام و تأفف من وجودها ؟

و ظل الوضع كذلك حتى قرب انتهاء عقد الثمانينات تقريبا .
ثم بدأت الأمور في التطور السريع و في الغالب بعد انتشار الفضائيات و التي ساهمت بشكل كبير في تطور الأمور .
فمنهم من يتحدث عن المطبخ الإنجليزي و الفرنسي و الإيطالي و الأسيوي و و و …
و يطبق وصفاتهم بكل دقة و حب و يتمعن في مميزاتهم
و سهولتها و سرعة تحضيرها .
حتى جذبوا انتباه المشاهدين عموما من الطرفين من باب التجربة .
و من هنا بدأ الذوبان .. فانتشرت البرامج بسرعة مرعبة و زادت التجارب في البيوت ، و في خلال ثلاثة عقود على أقل تقدير خرج منهم جيل كامل لا يعرف الكثير من الأكلات الشعبية إلا ما يراه في المطاعم كالكشري مثلا .
أما باقي الأكلات فلا يعرف اسمها و لا حتى يحاول تذوقها .

و الأكثر من ذلك .. أن الأجيال التي كانت تعيش على هذه الأصول بدأت في التقليل من وجودها على المائدة ثم بدأت في نسيان عملها و بدأت بالفعل في السؤال عن طريقة عملها ؟

و هنا نستطيع أن نقول لقد قد نجح مخطط ذوبان الهوية و بدأت عملية التخبط و التخطف في الأصل نفسه .
فكل زيادة على الطبخة الأصلية جعلتها من بلد آخر فيتهمك بالسرقة .
و لما لا و أنت من البداية لم تحافظ على أصلك و هويتك في أبسط الأمور و إن كانت وجبة طعام !!

لما لا يُكمل عليك و على أجيالك في اللغة و الملبس فنرى العجب العجاب في الهيئة و الألفاظ !

متى سننتبه لمثل هذه الأمور و التي يظن البعض أنها تقدم و انفتاح و مواكبة للعصر .
و هي في الحقيقة ذوبان لهويتك الأصيلة التي تجعلك تتخبط و تجعلك لا تستطيع أن تحمي جذورك لأنك ذبت في ثقافات الآخرين .

فتبدأ دون وعي في الإنجراف نحو الآخرين بل و ستدافع عنهم و عن ثقافتهم و الأسوأ إنك ستهاجم جذورك و تتهمها بالرجعية و التخلف .

نحتاج إلي وقفة مع أنفسنا من أجل أجيال قادمة
هي الأساس الحقيقي للأوطان و ليس الحجر و البناء .
نحتاج إلي توعية شاملة للحفاظ على أصالتنا و هويتنا من الذوبان .

و هذا سيقع في المقام الأول على عاتق السلطة الرابعة
و هو” الإعلام ” الحقيقي و الواعي و هذا إذا أردنا أن نخرج بأوطاننا و أبناءنا إلي بر الأمان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى