“حين يشهد الفؤاد وتغتال الأحاسيس “قراءة تأثرية فلسفية سيميائية بقلم الناقد د.عبدالكريم الحلو – العراق ، في رباعيات مريمية بقلم الشاعرة مريم الراشدي – المغرب


“حين يشهد الفؤاد وتغتال الأحاسيس “قراءة تأثرية فلسفية سيميائية بقلم الناقد د.عبدالكريم الحلو – العراق ، في رباعيات مريمية بقلم الشاعرة مريم الراشدي – المغرب

القصيدة : رباعيات مريمية
اللحظ باللحظ.. والطرف رصاص..
فالبيـع بالبيــع.. والدنيـا قصــاص..
كيفك يا وِدُّ.. وأنتَ الغِراء للإحساس..
شهدَ الفؤاد.. اغتـالك العرق الدساس..
مريم الراشدي
المملكة المغربية
القراءة النقدية :
نص “رباعيات مريمية” للشاعرة مريم الراشدي هو نصٌّ موجزٌ مكثف، يضرب في جوهر الشعر الصوفي والرمزي، مع نكهة وجدانية ذات طابع قلق، يحمل بين سطوره تقاطعات بين العاطفة والدلالة، وبين الحب والخذلان، وبين الإنصات والرصاص.
تحليل تأثري – فلسفي – سيميائي للرباعيات:
البيت الأول:
“اللحظ باللحظ.. والطرف رصاص..
فالبيـع بالبيــع.. والدنيـا قصــاص..”
- في هذه البداية، تنصب الشاعرة مرآتها في وجه الواقع، وتكشف بلغة مكثفة لعبة العدالة والمقايضة في عالم يعاقب بالمثل.
- اللحظ باللحظ: تعبير ذو طابع صوفي وعاطفي في آن، حيث العين هي مرآة الروح. ولكن حين يتحوّل “الطرف” إلى “رصاص”، فإن لغة الحب تنكسر إلى شظايا عدوانية. هذا التناقض يكشف عن ازدواجية النظرة: من التأمل الحنون إلى الاغتيال الرمزي.
- البيع بالبيع يفتح أفقًا تأويليًا في بعده المادي والعاطفي: العلاقات أصبحت سوقًا، والمشاعر باتت سلعة. أمّا “الدنيا قصاص”، فهي الحكم الصارم، فكل ما يُباع يُدفع ثمنه لاحقًا، ولو بعد حين. هنا تحضر فكرة الكارما بطريقة شعرية مبطّنة.
البيت الثاني:
“كيفك يا وِدُّ.. وأنتَ الغِراء للإحساس..
شهدَ الفؤاد.. اغتـالك العرق الدساس..”
- الخطاب هنا يتحوّل إلى حوار وجداني، كأنه عتاب داخلي أو حديث مع روح مفارقة.
- “يا ودّ”: صيغة نداء حميمية، تستدعي المحبة الصافية. لكن الشاعرة تُلبس هذه الكلمة القديمة (الودّ) عباءة المعاصرة والجرح.
- “وأنت الغِراء للإحساس”: تشبيه مدهش. “الغراء” كمادة لاصقة تربط أجزاء الأشياء، تصير هنا استعارة لِما يربط الأحاسيس ويجمعها، أي أن هذا المخاطب كان مركز التماسك العاطفي. اختياره غراءً يشير إلى مدى التصاقه العميق بالوجدان.
- “شهد الفؤاد”: جملة تحمل دلالة قسمية ضمنية، وكأن القلب يشهد على حب صادق أو على خيانة دفينة.
- أما “العرق الدساس” فهو تعبير قديم يعكس سوء الطينة أو الأصل، كأن الخيانة ليست طارئة، بل منغرسة في الجذور. هنا تنتقل الشاعرة من الرؤية الصوفية إلى نبرة أخلاقية/وجودية، تحاكم بها جوهر الآخر.
السيمياء العامة للنص:
- العيون، الطرف، اللحظ: رموز بصرية لكنها محمّلة بالشعور والرصاص، تؤول إلى رمزية الرؤية الحادة والانكسار.
- البيع والقصاص: تفتحان على سيمياء السوق والعقاب، لتدل على تسليع الحب وانهيار المعاني.
- الود والغراء: استعارتان جسديتان لقيمة معنوية، تحملان البعد العاطفي – الكياني، حيث يتحوّل الحبيب من عنصر إحياء إلى عنصر اغتيال.
خلاصة نقدية:
- هذه الرباعيات تنتمي إلى شعر التكثيف الرمزي والاختزال التعبيري، حيث الجملة الواحدة تحتمل عوالم من التأويل. وتنجح الشاعرة في اختزال صراع الذات المحبة مع عالم فقدَ البراءة، في أربع سطور فقط. نص ذو نَفَس أنثوي حكيم،
- لكنه ليس مستسلماً، بل واعٍ، يحتجّ على السقوط القيمي بلغة تحمل في جوفها قانون الندّية الشعرية.
⸻
مع خالص التحية للشاعرة مريم الراشدي من المغرب،
ولقصائدها التي تستحق المزيد من التأمل.