“جرس إنذار تربوي” …. مقال بقلم سمير إبراهيم زيّان


“جرس إنذار تربوي” …. مقال بقلم سمير إبراهيم زيّان

أكتب اليوم لا لموقف عابر، بل لجيلٍ كامل. جيلٌ تُعلّق عليه آمال الأوطان، وتُستمدّ منه طاقات البناء. لعلّ في هذه الكلمات أثرًا يصل إلى ابن أو ابنة في مكانٍ ما.
كنت في جامعة القاهرة لأنجز بعض المعاملات الإدارية، وأثناء حديثي مع إحدى الموظفات، اخترقت أذنيّ جملة صادمة من أحد الطلاب، قاطع بها حوارًا كان يدور بينه وبين أحد الأساتذة. كان الأستاذ، وهو رجل دمث الخلق رفيع الأدب، يحاول أن يُوجّه الطالب بأسلوب مهذب، محذرًا إياه من أن أسلوبه غير اللائق في الحديث قد يُكلّفه ثمنًا يندم عليه.
لكن الردّ جاء صادمًا، وقاسيًا، ومفعمًا بغرورٍ لا مبرر له. قال الطالب للأستاذ بكل تحدٍ واستهانة:
“مافيش حد يقدر يعمل معايا حاجة خالص، أنا قلتلك قبل كده اعمل اللي انت عاوزه، وماقدرتش تعمل أي حاجة!”
كأنّ هذه الكلمات خنجرٌ مسموم استقرّ في القلب. من أين استمدّ هذا الطالب تلك الثقة الفارغة؟ كيف تجرأ على تجاوز كل حدود الاحترام؟!
لم يكن الأستاذ ضعيفًا، بل كان متماسكًا، متسامحًا، اكتفى بنظرة حزينة وابتسامة فيها من المرارة ما يفوق أي ردّ، ثم مضى، تاركًا الطالب لمصيره.
لكن القضية أعمق من مجرد سلوك فردي. ما حدث لا يُختزل في وقاحة طالب، بل هو عرضٌ خطير لانهيار تربوي عميق.
إنه إعلان صارخ عن أزمةٍ تُهدّد بنية المجتمع من جذورها:
أزمة في القيم.
أزمة في الانتماء.
أزمة في احترام الرموز والمرجعيات.
ولا يأتيني أحد ليقول: “لنبدأ من رياض الأطفال”، فالبدء لا يكون لحظة واحدة، بل هو عملية مستمرة لا تتوقف، تبدأ في كل وقت ومكان، من الحضانة إلى الجامعة، ومن البيت إلى الشارع، ومن المدرسة إلى وسائل الإعلام.
نحن بحاجة إلى حالة استنفار تربوي شامل.
نحتاج إلى مناهج تعليمية واضحة، تُغرس فيها القيم والاحترام والانضباط في كل المراحل.
نحتاج إلى أن يُتابع المجتمع – بكل مكوناته – سلوك الأجيال ومؤشراته، لا أن ننتظر الكارثة ثم نندب أطلالنا.
فإن لم نتحرك اليوم، فقل على الأجيال السلام.
أما السلوكيات المنحرفة، والألفاظ المنفلتة، فما خفي منها أعظم، وإنذار اليوم قد يتحوّل غدًا إلى انهيارٍ لا يُعالج.