تحديات الواقع الإنساني …. مقال بقلم سهام جبريل – سوريا

نعم فمنذ لحظة الوعي الأولى يجد الإنسان نفسه في مواجهة الحياة كما لو أنه وُضع فجأة أمام لغزٍ كبير.
يولد في عالم لم يختره، يلقى في مجتمع بقيمٍ ، وأعراف لم يصنعها،ثم يطالب بأن يسعى، يختار، ويُحاسَب . ومع ذلك يظل سؤال المعنى معلقًا :لماذا أنا هنا؟ ولماذا كل هذا الألم والفرح والتقلب؟

الحياة ليست ثابتة، والإنسان أيضًا ليس كائنًا ثابتًا. إنه مشروع مفتوح على احتمالات لا تُحصى، يتغيّر مع كل تجربة، ينكسر ويُرمم، يتعلّم من الفقد كما يتعلّم من الفرح. و هو لا يتوقف عن التساؤل حين يصيبه الخذلان، يتمسك بشيء ما يُشبه الأمل وربما الإيمان.
لكن ما معنى الإيمان هنا؟
ليس بالضرورة إيمانًا دينيًا تقليديًا، بل قد يكون إيمانًا بأن للحياة مغزى، حتى لو لم يُكشف لنا بعد.
إيمانًا بأن التجربة الإنسانية بكل عبثها الظاهر، ليست بلا قيمة. وهذا الإيمان حين يقترن بالأمل يتحول إلى إلى قوة هائلة تدفع الإنسان نحو المعرفة لا للهروب من منها. نحو الفهم لا للانغلاق ، ونحو الحب لا للإنكفاء.
البحث عن المعرفة إذًا لا يكون من باب الترف الفكري. بل هو محاولة للبقاء، للبصيرة، للتماسك الداخلي.
الإنسان لا يبحث فقط ليعرف “كيف” بل ليعرف “ لماذا ”
وهذا السؤال وجودي بإمتياز
ولأن المعرفة لا تُعطى دفعة واحدة، فإنها تُبنى بالتدريج، عبر الألم والتجربة، عبر المحاولة والخطأ، وعبر الشك الذي يقود أحيانًا إلى يقين شخصي ليس مطلقًا، لكنه كافٍ لأن يمنح الحياة شيئًا من الإتساق.
إن أعظم ما يملكه الإنسان في هذه الرحلة هو قدرته على الاستمرار في السؤال، و على المضي قدمًا رغم الجراح.
الإيمان هنا ليس نقيضًا للعقل ؛ بل رفيق طريق ، والأمل ليس خداعًا، بل طاقة للاستمرار.
والمعرفة ليست نهاية ، بل وسيلة لفهم الذات والعالم، وربما قبولهما كما هما .
مع محاولة تغيير مايمكن تغييره.
وهكذا تبقى علاقة الإنسان بالحياة علاقة تعلُّم مستمر، علاقة مواجهة مع المجهول.
يحكمها وعيٌ قلق، يُخفف من قسوته شيءٌ من الإيمان، وشيءٌ من الأمل، وكثيرٌ من الشغف بمعرفة المعنى.
بالفعل تجربة الحياة رغم غياب ثباتها و تناقضها واختلافها إلا أن ذلك شرط ضروري لتطور وعي الإنسان .
لأن الإنسان لا يبني ذاته دفعة واحدة.
بل في شكل تعثر وإنكسارات وإنتصارات وإنتكاسات متواصلة.لقد تفطن هيقل عبر مسار التاريخ الذاتي والموضوعي والمطلق أن الوجود يعيش دائما جدلية الوحدة والتناقض باستمرار.لهذا لا يجب أن نشقى من إن الإنسان قد ألقي به في العالم من دون إختيار حسب قراءة” جول بول سارتر “
بل إن نسعد بما يلاقيه الإنسان من صعوبات لنحت وجوده على نحو مختلف.
أنا أختلف مع القراءة الدرامية للوجود، كما أكد عليها الطرح الوجودي وأعتبر أن الوجود تجربة ثرية جدا للتموقع والمعنى والقيمة.
لحظة الوعي هي لحظة البحث عن معنى والإنسان الواعي بطبيعته كائن باحث عن معنى.
والمعنى كما ترى فلسفة مابعد الحداثة لا حدود له وكلما حفر وجد معنا آخر.
أما الثبات والتغير فمنذ هيراقليطس وبارمنيدس مازال التغير في الثبات يرفد الحياة بالطاقة ولم يفلح أفلاطون بحله بفرضية عالم المثل، بل ربما أفلح هيغل بجدله بوحدة هذا الكون وروح العالم.
كل التجارب والأحداث خاضعة لمبرهنة “بايز “التي تسير بنا نحو اليقين النسبي والحقيقة الناقصة.
و أن البحث عن المعنى بتجدد كل يوم كمن يسبح في نهر يتجدد ماءه كل حين.
الطمأنينة: هي الحياة الحقيقية السعيدة التي ينشدها كل الناس فهي العامل الأهم والركن الأبرز من أركان الحياة الهانئة الرغيدة بحصول العلم الناشئ من الرؤية، لا يرى الإنسان ليؤمن بل ليزداد يقينا فلا يحتاج إلى معاودة الاستدلال .فهناك تعايش آخر بين الأضداد إذا تقوم الكتابة بإصلاح ما لا يمكن إصلاحه والنظر إليه وتأمله كما هو وعدم البحث عن تعاز وهمية.
إذا كنا بجانب حائط فلننظر إليه فإذا كان هذا الحائط يصل إلى السماء فلنتعرف عليه ونتعرف به. إنه لشيء يجلب تغييرا داخليا عميقا فهذا القبول ليس استسلامًا أو استقالة؛ لكنه رؤية الرؤية التي تشفي الرؤية الحقيقية.و ليس الوهم حتى لو كانت الحقيقة في بعض الأحيان أننا لا نملك حلا ولكن الاعتراف بها والتعبير عنها هو الذي يغير كل شيء .
إن الشرط الأساسي لوجود إنسان عملي يتمثل في غياب الإحساس الأساسي لممارسة الحياة والذي يضايق الأمرين هما الحساسية والتفكير التحليلي هو إسقاط للشخصية على العالم الخارجي وهو مكون من كائنات بشرية. إذا الإسقاط هو جوهريا:​هو عبورنا إلى الغير ،مضيقتنا، تجربتنا، دروسنا على الآخرين .الحياة حرب متواصلة والمعركة إذن تركيب الحياة.
الاستراتيجي: هو رجل يلعب بالحيوات كلاعب الشطرنج بقطع اللعب.
الزمن تركيب عقلي ،والعدو الأكبر للتأملات العقلية والحوار هو التشتت الذهني في عصر المعلومات المثقلة من الوسائط المسموعة والمرئية
والسؤال هنا هل لدينا حلم قديم ومتجدد دوما في أن نكون شيئا آخر غير ما نحن عليه؟
حيث هناك من ينظر إلى فكرة الإنسان المعززة تكنولوجيا من زاويتين متقابلتين :
الأولى ترفض الفكرة من الأساس وتراها كابوسا مثيرا للفزع لأنه لا يوجد” أفضل من الإنسان الحالي الذي عليه الإرتقاء نحو إنسانيته “
والرؤية الأخرى :تؤكد إنه أمر واقع لا فكاك منه.
صحيح إن الإنسان الحالي مازال يحتفظ بهويته الإنسانية الخالصة وقيمه الأخلاقية التقليدية لكنه يوشك على التحرك المعزز من خلال التدخل الجيني والطب الحيوي والأجهزة القابلة للارتداء بهدف تعزيز قدراته الجسدية والعقلية
وهنا يحضرني سؤال طرحه “فرنسيس فوكوياما ” في مقاله “بعد الإنسانية ” في مجلة السياسة الخارجية عام ٢٠٠٧ إذا بدأنا في تحويل أنفسنا إلى شيءٍ أعلى فماهي هي الحقوق التي ستدعيها (وتملكها ) هذه الكائنات المعززة مقارنة بأولئك الذين تخلفوا عن الركب ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى