“الحركة والتناغم الصوتي بين الشوق والإبداع “نقد وتحليل لقصيدة “الشوق ” للشاعرة أمل كريمنقد وتحليل أسامـة نـور


“الحركة والتناغم الصوتي بين الشوق والإبداع “
نقد وتحليل لقصيدة “الشوق ” للشاعرة أمل كريم
نقد وتحليل أسامـة نـور
“الشوق”
أَساقَكَ الشَّوقُ أَم ساقَتْكَ أقدَارُ
فَمَا لَهُ الدَّمعُ مِنْ عَيْنَيْكَ مِدرارُ
إنِّي ظَمِئْتُ وَنَارُ البُعدِ مُحرِقَةٌ
ولاعِجُ الشَّوقِ قَتَّالٌ و أَسَّارُ
ها قَد أَتَيْتَ وَقَلْبِي فِي الْهَوَى كَلِفٌ
ونبضُ قَلْبِي كَمَا الأَموَاجِ هَدَّارُ
سَرَقتَ مِن زَمَنِي الْأَيَّامَ أجمَلَها
وَكَم عَذَرتُ وللأحبابِ أَعذارُ
ثُمّ اُتَّجَّهتَ إلَى قَلْبِي تُغازِلُهُ
مِنْ بَعدِ أَنْ أضرَمَتْ أَركَانَهُ النَّارُ
مَنْ ذَا يُكفكِفُ عَن قَلبي مواجِعَهُ
لَن يَكتُمَ الجُرحَ مَنْ فِي كَفِّهِ ثَارُ
مَنْ يَزرَعِ الشَّوْكَ لَا يَجْنِي سِوَى نَدَمٍ
وَمَنْ أَرَادَ القِلى ضَاقَتْ بِهِ الدَّارُ
إنَّ الْمَحَبَّةَ أَنْ تَفْنَى لِمَن وَصَلُوا
حَبلَ الْمَوَدَّة لَا مَنْ حبلُهُم عَارُ
لاَ تَأْسَفَنَّ عَلَى مَنْ بَاعَ مَسكَنَهُ
ثُمّ احتوَتْهُ بِدَار الذُّلِّ أوكارُ
مَنْ بَاتَ يَرْضَى بِأَن يَحيَا بِلَا وَطَنٍ
كَالنَّبتِ يَأْبَى بِأَن تَروِيهِ أَمطَارُ
فالغيثُ حَيثُ هَمى فَالأَرضُ مَوطِنُهُ
وَالشَّوقُ حَيثُ نَمَا نُورٌ ونُوَّارُ
وَالقَلْبُ حِين صَبَا رَقَّتْ خمائِلُهُ
والرِمشُ حِينَ رَمَى كَالسَّيفِ بَتّارٌ
إَنْ جِئْتَ مُعتَذِراً عَنْ كُلِّ شَارِدَةٍ
فَقَد غَفَرتُ وَإِنَّ اللَّهَ غَفَّارُ

النقد و التحليل
“في ماهية العنوان “
عنوان النص “الشوق “..كلمة واحدة لكنها تعبر عن دواخل شعورية عديدة ، وأحاسيس متشعبة متلازمة مع الحياة
وتنعكس على الردود القولية والفعلية ..
الشوق هو التوق والحنين إلى شيء ما ..الحنين إلى الوطن ،
الحنين والرغبة الجارفة في لقاء الحبيب بعد غياب أو جفاء
الشوق شعور داخلي ..ينبع عن الحب والارتباط العاطفي ،
يدل على سمو العاطفة ، إذا صاحبها صدق المشاعر ،وإعلاء الذات ،
وقد أكثر الشعراء في التعبير عن حالة الشوق والحنين ، الشوق المحبوبة ، الشوق والحنين للأهل والوطن ..وغير ذلك
لكن يكون المعيار هنا كيف استطاع الشاعر ،التعبير عن شوقه
وحنينه ، ونقل مشاعره في إطر إبداعية متناغمة ، بحيث يتماس ذلك مع المتلقي …
** في الشكل والموسيقى :-
تنتمي القصيدة للشعر العمودي حيث وحدة الوزن والقافية ، فقد جاءت القصيدة على بحر البسيط وهو من البحور المركبة :-
مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن
ولكن فاعلن في طرفي البيت في العروض والضرب يصيبها الخبن وهو حذف الثاني الساكن فتصبح فعلن…
البحر البسيط من البحور الجزلة الذي ينبسط للتعبير عن المشاعر والحالات المتعددة ؛موسيقاه رقراقة جزلة متصاعدة …
ونجد وحدة القافية وحرف الروي الراء مضموم الحركة
قبله ألف التأسيس..
ومن صفات الراء الشدة والإمالة والاستعلاء ..كما أنه يوحي بالحركة والرفعة والسمو والعاطفة ..
والضم يوحي بالقوة والاتحاد ،..إضافة إلى الأثر الموسيقى ..
ومن هنا فالموسيقى الخارجية …متناغمة ..مع الموسيقى الداخلية ؛التي تظهر في حسن اختيار الألفاظ وتجانسها ، والتصريع في البيت الأول حيث تقول الشاعرة :-
أساقك السوق أم ساقتك أقدارُ
فما له الدمع من عينيك مدرارُ
ونجد الجناس بين “أقدار ،مدرار”
“عذرت ،أعذار “”نور..نوار””غفرت ،غفار “
ونجد حسن التقسيم وأثره الموسيقى في
“أساقك السوق أم ساقتك أقدارُ”
وفي قولها :-
من يزرع الشوك لا يجني سوى ندم
ومن أراد القلى ضاقت به الدارُ
وفي قولها :-
والقلب حيث صبا رقت خمائله
والرمش حيث رمى نور ونوارُ
نجد امتزاج الموسيقى الخارجية والداخلية ..مع تفاوت الإيقاع تبعًا للحالة ..جعل النص متناغمًا مطربًا .
لكن الشاعرة تجعل الموسيقى خلفية، وآلية من آليات الشعر العمودي فطوعت الموسيقى ؛لتعبر من خلالها بلغة راقية وبشاعرية متدفقة ،
**من حيث المضمون
القصيدة عاطفية ..يلوح فيها العتاب الرقيق واللوم على الفراق ..
تبدأ بتساؤل وحسن استهلال ..
أساقك الشوق أم ساقتك أقدارُ
فما له الدمع من عينيك مدرارُ
إني ظمئت ونار البعد محرقة
ولاعج الشوق قتال أسَّارُ
استخدام “الأسلوب الإنشائي ” الاستفهام في بداية النص يثير الذهن ويجذب المتلقي ..واستخدام كاف الخطاف أساقك الشوق ،ثم الالتفات إلى ضمير المتكلم” إني ظمئتُ”..أظهر حالة الشوق وألم الفراق وتوابعه.
ثم اللوم والعتاب، وما أصاب المحبوبة من أثر الفراق ونلاحظ أيضًا استخدام ضميري المخاطب والمتكلم ..
“ها قد أتيت وقلبي في الهوى كلف
ونبض قلبي كما الأمواج هدارُ
سرقت من زمني الأيامَ أجملَها
وكم عذرتُ وللأحباب أعذارُ”
ثم عودة إلى التساؤل الذي انتقل بالنص من الحالة إلى الرؤية والحكمة ، والفلسفة ..
فتقول :-
“مَن ذا يكفكف عن قلبي مواجهه
لن يكتم الجرح من في كفه ثارُ
مَن يزرع الشوك لا يجني سوى ندمٍ
ومَن أراد القلى ضاقت به الدارُ
إن المحبة لا تفنى لمن وصلوا
حبل المودة لا مَن حبلهم عارُ”
وتستمر الشاعرة في عرض رؤيتها واستشراف الحكمة ، وعرض خلاصة تجاربها ..مستخدمة أسلوب النهي المؤَكد …والمراوحة بين الأنثى الحبيبة ، الحبيبة الوطن ..
فكان التعبير أوقع وأكثر تأثيرًا على المتلقي ..
فتقول :-
“لا تأسفنَّ على مَن باع مسكنه
ثم احتواه بدار الذل اوكارُ
مَن بات يرضى بأن يحيا بلا وطنٍ
كالنبت يأبى بأن ترويه أمطارُ”
ثم تختم الشاعرة قصيدتها ..بروح المحبة التي تدرك قيمة العشق وماهيته، فغفرت لحبيبها شوارده ..
في ختام رائع ..
فتقول :-
“إن جئتَ معتذرًا عن كل شاردة
فقد غفرتُ وإن الله غفارُ”
**اللغة والأساليب والصور .
استخدمت الشاعرة اللغة السلسة المعبرة ، التي تتناغم مع الموسيقى والإيقاع ..فجعلت النص متحركًا يتصاعد دراميًا وفلسفيًا ..
كما نوعت بين الأسلوبين الخبري
والإنشائي، فقد استخدمت الخبري للتوكيد و التقرير ، واستخدمت الإنشائي لجذب المتلقي وإثارة الذهن ..كما في الاستفهام والنهي ..
**الصور من آليات النص الشعري ، والشاعرة بمهارتها الكتابية استطاعت أن تستخدم الصور النفسية المعبرة عن دواخلها تارة
مثل “نار البعد محرقة ، لأعج.الشوق قتال وأسارُ، ونبض قلبي كما الأمواج هدارُ .”.والصور الحسية المغلفة في إطار الحكمة والفلسفة تارة أخرى ..”لن يكتم الجرح مَن في قلبه نارُ، ومن أراد القلى ضاقت به الدارُ، كالنبت يأبى بأن ترويه أمطارُ..”
أجادت الشاعرة في استخدام الصورة ، في سلاسة دون تكلف ..
لكنها أعادت استخدام بعض الصور القديمة ، في تراكيب أخرى .فجاءت قليلة فنيًا غير متوهجة ..
**تبقى من وجهة نظري مايلي :-
في الشطر الثاني في البيت الثاني
ولاعج الشوق قتال وأسارُ..
استخدام قتال قبل أسارُ اصضر بالتدرج؛ فالقتل أشد وهو النهاية وما قبله مسبب له وليس العكس ..
الصور بعضها مستهلك، مثل ” بَعدِ أَنْ أضرَمَتْ أَركَانَهُ النَّارُ “
“والرِمشُ حِينَ رَمَى كَالسَّيفِ بَتّارٌ ” لهذا يجب على الشاعرة الاهتمام بالصور الفنية .
قصيدة رائعة ، فيها تناغم وحركة ، تتماس مع المتلقي وتؤثر فيه ، تجمع بين العاطفة والفكر ،ببن الحالةوالرؤية
شاعرتنا متمكنة؛ تكتب بوعي تمتلك حسًا شاعريًا متميزًا
وصدقًا فنيًا وتمتلك آليات الكتابة ، وطاقة إبداعية كبيرة .
لكن ينقصها أن تكتب ذاتها ، أن تخلق عالمها الإبداعي دون التأثر بما كتبه الآخرون ..
أن تسعى للتجديد والتطور ..من خلال التراكيب والصور ..
تحياتي أسامة نور
