مئة ليلة وليلة : الليلة الثالثة عشر “لحظة فراق ” … قصة بقلم نجوى عبد الجواد .


متدثرا بمعطفه في ليلة من ليالي باريس الباردة ينزل بروفيسور محمود من سيارته، ظن أن برودة الجو ستحول دون حضور الكثيرين، لكن أبلغه مسئولو القاعة أن الأعداد مطمئنة. لم تحل برودة الجو إذن دون السعي إلى دفء الماضي وأمجاده. يتوجه إلى القاعة على عجل، وجهته تلك ذات التصميم العربي القديم، مواء هرة يوقفه، يتتبع الصوت، هاهي أسفل الشجرة تنتفض من البرد، يحملها في حضنه،ذاك الشيخ البعيد الآتي من الماضي والذي سيستدعيه الليلة عبر قصته رآه يسير بين الأنقاض والمنازل المدمرة، قابعا على الأرض،ممسكا بغطاء علبة صغير يطرق به الأرض لتأتية من كل صوب جدات هذه الزهرة؛ ليطعمها القليل الذى ضن به على نفسه من أجلها. نظرات تقدير من الجمهور لرحمته بالهرة التى سلمها لأحد شباب القاعة ليجلس بها بجوار المدفأة. يقول في نفسه وماذا سيقولون حينما يرون النبهان وقططه؟!
بعد التحية وشكر الحضور على حرصهم على التواجد في هذا الجو، يبدي بروفيسور محمود سعادته أنه وصل معهم وبفضل اهتمامهم إلى الليلة الثالثة عشر وسعادته أكبر بزيادة عدد الحضور من ليلة إلى أخرى. يكمل :هذه الليلة لها مذاق إنساني خاص، مشهد وعبارة خلدهما الشعراء والأدباء والناشطين في العالم ونقلتها وسائل الإعلام الغربي والعربي، عرفت هذا من الروابط التى أرفقها منتصر لقصته بعد سرده إياها. قصة الليلة أطلق عليها منتصر “لحظة وداع” أزعم أننى شاركت منتصر عرض هذه القصة، هو بالكتابة وأنا بترجمة ما وثقه وتقديمه لكم صورة حية كما وقعت. الجميع مهيأ لمتابعة ما سيعرض على الشاشة. إنها مقاطع تمهد لقصة الليلة. يدور الفيديو،يجري الشيخ طويل القامة كث اللحية، ذو الابتسامة العذبة خلف طفلة صغيرة، يحملها بين ذراعيه ويقذفها في الهواء ويردها بين يديه مرة أخرى وسط ضحكات صاخبة منها ويد صغيرة تمسك بلحيته ضغطات من أصابع يده أسفل إبطها تزيد ضحكاتها علوا تاركة لحيته في أمان. تسري الابتسامة على وجوه الحضور وتنتقل إليهم بهجة الفيديو. يشفق بروفيسور محمود عليهم من النقلة النقيض التى سيرونها الآن :شابة ترتدي السواد، تمرر يديها على وجه مغمض العينين باسم الوجه ذو لحية طويلة تناديه ذهبت يا روحي، لحقت بروح روحك يا أبي. يوقف البروفيسور محمود الفيديو على هذه الصورة للشيخ الشهيد المفارق معتذرا عن هذه النقلة مؤكدا على أنه أراد أن يمهد للمشهد من خلال توضيح شكل العلاقة بين الشيخ النبهان وحفيدته وبينه وبين ربه.
قبل أن يعيد تشغيل الفيديو يقول :تهزمنا هذه اللحظة الإنسانية القاسية، لحظة وداع من نحب، لا إمكانية لحصر لحظات الوداع التى سجلها الشعراء والأدباءوالمحبون،بعضها لحظات تخلد، ثمة رحيل لايشعر به أحد، ورحيل يترك بصمته على العالم أجمع، رجل يقف بجوار طاولة طويلة موضوع فوقها قماش أبيض، يمد يده لشيخ يقف أمامه يحمل بين يديه طفلة، هكذا تدور الأحداث كما ينقلها الفيديو، الشيخ يرفع الطفلة الغائبة عن الوعي مرتخية الجسد و يقبّلها بين عينيها المغمضتين ثم يرفع وجهها ويسنده بيده، يحدثها حديث من ينتظر أن تجيبه، يطيل النظر إلى وجهها، يعود الصوت :شيخ نبهان، هاتها شيخ نبهان، يضمها الشيخ إلى صدره، يعانق زهرته التى ذبلت، كانت تملأ حياته فرحة، يعود لتقبيلها، يمسك بذقنها كما كانت تمسك بلحيته، شيخ خالد عظم الله أجرك، صوتها فقط هو ما يزال في أذنيه،لسان حاله يقول؛ دعونا قليلا ربما أسمعها مرة أخرى، ضحكتها في أذنى مالها لاتضحك الآن؟! ربما تشاكسني وتعود ضاحكة، عودي ريم عرائسك في انتظارك، عودي ريم سألعب معك اليوم كله، شيخ نبهان بالله كفى. يرتفع صوت الرجل. ضمة أخيرة من روح روحي تعينني على الفراق، حضن منها يمنحني صبرا جميلا. ياله من فراق هز العالم يعلق بروفيسور محمود مقدرا الدموع التى رآها علي الوجوه. عزاؤنا أنه لحق بها،وأن لحظة الفراق تلك أيقظت الكثيرين من الغافلين. أعادت للكثير منهم إنسانيتهم الغائبة. أشكركم وإلى لقاء قريب والليلة الرابعة عشر من مئة ليلة وليلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى