لقسنطينة فوح لا يخبو… قصة قصيرة…. بقلم زكرياءنورالدين – الجزائر

ما لم يلتقطه حظي…
لا يزال طريقي وعرا و متعرجا منذ أن أضعت ورقة المائة دولار في الدوار الذي يربط مدافع “سان جون” بباحة البريد المركزي ل”سيرتا”، حيث رائحة الفول المغطس وسط البصل و زيت الزيتون و الفلفل الأحمر المهروس، وسط “رحبة الجمال” و التي تحاكي زمن الدايات و صدى سيوف الفرنجة و العثمانيين الذي يتردد في أرجاء المدينة.
متأكد أنها وقعت من جيبي هنا… كنت حريصا على الفكة متناسيا ورقة المائة دولار تلك، و التي شغلني منها رأس “جورج واشنطن” و العين التي لازمتها الأساطير، و ربما هي من اصابتني بلعنة فقد هاته الورقة، حتى أخذ اليأس من ايجادها يسري. ما إن توقفت على حافة جسر “سيدي راشد” هنالك بالفعل أدركت أن البحث عنها كمن يبحث عن طيف الخيول و هي تجر كاليشها* من على جسور “وادي الرمال” صوب الجامع لكبير، غير أنني و من بعيد لمحت متسولة أربعينية و قد علت الفرحة وجهها مهرولة نحوي تلوح لي بورقة المائة دولار خاصتي. هل هي ملك لك؟!
قالتها دون تردد أو تملق…
_ أظنها كذلك…!
_ إذا نتقاسمها!
كذلك أرادت أن تجعل القسمة بينما قائمة، و قد تكون ضيزى!، دون أن تسألني القبول أم الرفض، سألتها عن سبب إرجاعها لي فما كان لها إلا أن قالت:
_ نحن الفقراء لا تكتمل فرحتنا و كيف ذلك ونحن بالفعل فقراء.
دون أن أدرك، وجدت نفسي محاطا بكل التساؤلات التي قد تفسر لي لغز المرأة، الورقة و المسافة التي لحقت من خلالها حظي الذي كان يومها يلاحق ظله المختفي أسفل الهرم الموسوم على ظهر الورقة و امرأة اربعينية، سألتها:
_ و هل يكفيك المبلغ إن تقاسمناها؟
أجابت:
_ بلى، فأنا لم اشق لأكسبها و ما أحظى به منها يكفيني و الذي ببطني.
هي حبلى، هكذا أرادت ان تقول مع أنني لم انتبه لذلك، غير أنها بالفعل حبلى، ربما في شهرها الخامس أو السادس، كذلك العرق الذي يعلو جبينها رغم قساوة شتاء “قسنطينة” يوحي بذلك أيضا، في قسنطينة لا مكان للمبيت خارج بيت دون مدفأة او غطاء من صوف.
استدركت حضوري أمامها، أنى لها أن تدرك انني صاحب الورقة؟
لكنها بادرت بقولها:
_ لا تسألني كيف لي أن أدرك أنها لك، فوجهك المفجوع هو من كشف لي أنك صاحبها،و هكذا ورقة تفزع من أضاعها.
بالفعل، أنا ققير كما قالت. فلو كنت أدرك أن تقاسيم وجهي قد تغيرت بالفعل ساعة أضعتها لما سرقتها من جيب ذلك الكهل الذي طلب مني مساعدته لصعود “قنطرة السانسور”، و هو يحييني بكلمات أظنها فرنسية، و أنا ذلك المتأنق بإيماءة رأسي، دون أن أفهم ما يقول مجيبا اياه بكلمة “ميرسي” معبرا عن فرحتي بنشل ورقة المائة دولار الخضراء تلك.
لطالما قالها أبي “الجوع لا يظلم” غير أنه بالفعل ظلمني في أن جعلني أتربص بكل مُداري لمحفظته في زنقة “ليهود”، أعرف رائحة “الدوفيز” في تلك الأرجاء، و أعرف جيدا أن لا ضرر و لا ضرار، فالبورجوازيون لا يعيرون اهتماما لفكة من مائة دولار، غير أنني قلت في شهامة مني و أنا الذي لا يستحق لمن لا يملك:
اذا هي قسمة بين ثلاثة، أنا و أنت و الجنين الذي في بطنك. لم أتردد في قول ذلك، حتى و إن كنت بحاجة ماسة لتلك الورقة النقدية في إسعاد رأسي المثقل بنفحة “سكوتش” أو جرعة من قنينة “جوني وولكر” أملأ بها فراغات العوز و التشرد بين جسور قسنطينة. نذهب و نبحث لنا عن تصريفة لهاته الورقة و يأخذ كل منا نصيبه.
ما كان ردها إلا أن وافقت. سرنا نحو منطقة “الساكوار”، هناك يعدون المال جيئة و إيابا، و من ملامحك يعرفونك أبائع أم مشتر، لم أدرك أن المنطقة يومها محاطة بأعين البوليس و أن ورقة المائة دولار صك عبور نحو مصير مجهول و يا ليتني لم اسحبها.
_ كم سعر صرف الدولار اليوم؟
نظرني الدَّلاَّل وأنا في كامل ثقتي بنفسي و كأنني ممن يبيعون العملات في أسواقها السوداء بخبرة وأقدمية.
_ كم عندك؟
مائة دولار.. هي بثلاثة و عشرون ألف..
_اوكي
لم أقبض بعد، كون أن الشرطي بزيه المدني أطبق على كلتا يدي بكلبش الجرم، كنت مشتت التركيز ساعتها، و البورجوازي يشير و يصرخ في وجهي بنظرة حاقدة و المرأة الأربعينة تخبر رفيقه أنني أنا من عنفتها مستظهرة الكدمات التي بذراعها، و أنني قد جرجرتها عنوة إلى هكذا موقف، ساعتها فقط أدركت أن القفر عام و ليس خاصا.

2/2/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى