كاليجولا والحلم العربى ….مقال بقلم د.أحمد دبيان
كاليجولا والحلم العربى ….مقال بقلم د.أحمد دبيان
يحكى أن:
كاليجولا المولود باسم جايوس قيصر، تيمنًا بيوليوس قيصر، حصل على لقب كاليجولا ((باللاتينية: Caligula)، بمعنى حذاء الجنود الصغير حيث كان يرتدى لباس الجنود الذى حاكته له أمه مع حذاء حرب صغير، فأسماه الجند بهذا اللقب الذى عاش يمقته.
كاليجولا الإمبراطور الروماني أشهر طاغية في التاريخ الإنساني.
فهل كان التيمن طامحاً مع تدنى الإمكانيات ليتحول سمى قيصر إلى سمى الحذاء ؟
تم وصفه بأنه إمبراطور نبيل ومعتدل خلال الأشهر الستة الأولى من حكمه. و بعد ذلك : ركزت المصادر على قساوته وساديته وبذخه وانحرافه الجنسي، وانتشرت عنه صورة الطاغية المجنون.
قيل إن أفعال كاليجولا الأولى كانت كريمة في نفسها، رغم أن العديد منها كان ذا طابع سياسي.ليحشد الدعم حوله، قام كاليجولا بمنح مكافآت للجيش، بما في ذلك الحرس البريتوري وقوات المدينة والجيش خارج إيطاليا.
في أوائل عام ٤١ م ، تم اغتيال كاليجولا كنتيجة لمؤامرة قام بها ضباط من الحرس البريتوري، وأعضاء مجلس الشيوخ، والوزراء. حاول المتآمرين استغلال الفرصة لإعادة الجمهورية الرومانية، لكن لم تنجح المحاولة، وفي يوم اغتيال كاليجولا، أعلن الحرس البريتوري عم كاليجولا، كلوديوس، الإمبراطور الروماني القادم. على الرغم من أن السلالة اليوليوكلاودية استمرت في حكم الإمبراطورية حتى سقوط ابن أخيه نيرون في عام ٦٨ م إلا أن وفاة كاليجولا كانت بمثابة النهاية الرسمية لعصر يوليو قيصر.
كاليجولا ، سعى لطلب القمر، لأن هذا الكوكب من الأشياء التي لا يملكها، وحينما اكتشف عجزه عن تحقيق هذه الرغبة، حزن حزناً شديداً، كما بكى بكاء مراً حينما اكتشف عجزه، رغم سلطانه وطغيانه وقوته، عن إجبار الشمس على الشروق من المغرب.
وهذا الطاغية تفنن في سرقة الشعوب التي كانت الإمبراطورية الرومانية تفرض سيطرتها وأطماعها عليها.. إذ نقل على سبيل المثال لا الحصر، آثاراً فرعونية من مصر، وأبرزها مسلة تحتمس الثالث.. وأباح السرقة العلنية، لكن شرطها أن تكون من أجله وحده، كما منع نقل الإرث من الأغنياء إلى ذريتهم، فالإرث لكاليجولا وحده.. ولهذا قتل ونكّل بأسر وعائلات، واستولى على ثرواتهم وأملاكهم.
وبرغم الجنون الفاقع للإمبراطور الروماني الثالث، إلا أنه كان له المؤيدون والمصفقون والمتحمسون.. والدجالون أيضاً، الذين عظموا أعماله، واعتبروها فذة ونادرة وعبقرية، تحت قرص الشمس..
وجنون العظمة وصل به إلى التلاعب بمشاعر الحاشية والأذناب الذي زينوا له جنونه عبقرية، وطغيانه رحمة، وقسوته سلاماً، فصاروا يصفقون ويهتفون له طمعاً بدور أو مكانة أو حظوة، أو ثروة.
ووصل الأمر بالإمبراطور الطاغية إلى حد أن دخل مرة إلى مجلس الشيوخ ممتطياً صهوة جواده العزيز”تانتوس” ، ولما أبدى أحد الأعضاء اعتراضه علي هذا السلوك، قال له “كاليجولا” أنا لا أدري لما أبدى العضو المحترم ملاحظة علي دخول جوادي المحترم، رغم أنه أكثر أهمية من العضو المحترم فيكفي أنه يحملني! وطبعا كعادة الحاشية هتفوا له وأيدوا ما يقول فزاد في جنونه وأصدر قرارا بتعيين جواده العزيز عضوا في مجلس الشيوخ ! ، وطبعا هلل الأعضاء لحكمة كاليجولا في تعبير فج عن النفاق، وانطلق كاليجولا في عبثه إلي النهاية فأعلن عن حفلة ليحتفل فيها بتعيين جواده المحترم عضوا في مجلس الشيوخ ، وكان لابد على أعضاء المجلس حضور الحفل بالملابس الرسمية. ويوم الحفل فوجئ الحاضرون بأن المأدبة لم يكن بها سوي التبن والشعير! ، فلما اندهشوا ؛ قال لهم كاليجولا : إنه شرف عظيم لهم أن يأكلوا في صحائف ذهبية ما يأكله حصانه ، وهكذا أذعن الحضور جميعا لرغبة الطاغية ، وأكلوا التبن والشعير! ، إلا واحدا كان يدعي “براكوس” رفض ؛ فغضب عليه كاليجولا ، وقال : “من أنت كي ترفض أن تاكل مم يأكل جوادي ! ” . وأصدر قرارا بتنحيته من منصبه وتعيين حصانه بدلا منه ، وبالطبع هلل الحاضرون بفمٍ مليء بالقش والتبن أاعلنوا تاييدهم لذلك الجنون !
انفجر كاليجولا مرة ضاحكاً دون أن يفهم القناصل وأعضاء مجلس الشيوخ من حوله سبباً لنوبة الضحك هذه. فلما استفهمه شيخان قريبان من مجلسه واجفين، أجابهما : ”الأمر بسيط، أضحك لفكرة وهي أنني بإيماءة واحدة من رأسي أستطيع أن أرى رأسيكما يتدحرجان أمامي على الفور”.
شُغلُ الطغاة الشاغل هو نشر الرعب والموت بين رعاياهم. لكن أحدا لم يفعل ذلك بفخر واعتزاز كما فعل كاليجولا الذي أعلن: “إن حمل البؤس إلى الرعية ودمارها يشكلان القاعدة الذهبية لسياستنا”.
كاليجولا هو أيضا عم نيرون الإمبراطور الأشهر بحرق روما وكأنما انتقلت روح الجنون لتسيطر على الإمبراطورية الرومانية.
كان الطغيان والسفه أهم ما تميزت به نهايات الأسرة اليوليو كلاودية ، ويرجح كثير من المؤرخين أن هذا الاستبداد والطغيان والسفه كان أبرز عامل فى اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وتفككها.