قراءة نقدية لكتاب “ذئب وحكايات في ومضات ” للأديب أحمد فؤاد الهادي بقلم الأستاذ عاطف عز الدين


أصدر القاص أحمد فؤاد الهادي كتاب ” ذئب … و حكايات في ومضات ” ، وهو يضم ألوانا مختلفة من الومضات التي تلمس شتى الأفكار؛ إذ أنه شارك بمائة وأربعين ومضة قصصية في مختلف المسابقات ، وقد حقق بعضها مراكز متقدمة .

و المعنى اللغوي لكلمة ” ومضة ” هو ضوء مبهر يظهر بغتة ثم لا يلبث أن يختفي تاركا أثره في العيون والصدور، وهكذا هي القصة الومضة .

يقول القاص أحمد فؤاد الهادي عن القصة الومضة أنها ( تحدث إبهارا سريعا بما يحويه عنوانها ومتنها وما يكون عليه بناؤها وما يبدعه كاتبها من حسن اختياره لمفرداتها وما يبديه من حرفية يحقق بها الإبهار المتبوع بالنهاية المباغتة أو الغير متوقعة. )

ولعل التكثيف هو العنصر الذي يرجع إليه اختيار مسمى الومضة، وهو يتطلب من الكاتب سعة الأفق والثراء اللغوي وحرفية بناء النص الأدبي المعبر والموحي مستخدما كلمات محدودة دونما مساس بالمعنى الذي يستهدفه. ومن صفات القصة الومضة أيضا أن يأتي شطرها الثاني مباغتا وغير متوقع لما أخبر به شطرها الأول، إلا أن كونه مباغتا لا يبعده عن إمكانية تحققه في الواقع. ويمكن حصر ما يميز القصة الومضة في التكثيف، المفارقة، الإدهاش، الإيحاء والمباغتة.


العنوان هو عتبة النص كما يقول الناقد الدكتور محمد عبد المطلب ، وعنوان الومضات هو ( ذئب … وحكايات في الومضات ) ، وهذا العنوان الذي اختاره الوامض هو عنوان إحدى الومضات التي جاءت رقم 57 ، و كان يجب أن يبدأ بها الوامض لأنها تحمل عنوان الومضات .

وفى السطور القادمة سنتناول عددا من الومضات التي رأينا الإشارة إليها ، وسنبدأ بالومضة الرئيسية التي تحمل عنوان الكتاب :

ومضة ” ذئب ” ( لبس ثياب الذئاب؛ طاردته الكلاب )

هذه الومضة هي نموذج لفن كتابة الومضة القصصية من خلال اختيار العنوان المناسب المُوحى وهو جُزء هام من الومضة ، وقد اعتمد الوامض على المفارقة بين الذئاب والكلاب ،فالشطر الأول في هذه الومضة يجعلنا أمام مَنْ يرتدى ثياب الذئاب ، فالذي يرتدى هذه الثياب التي تخفى شخصيته نتوقع كقراء أن القطيع سيخشاه ويفر من أمامه، فالذئب في هذه الومضة القصصية ليس ذئبا ولكنه كائن آخر يرتدى ملابس الذئاب ليخدع بها القطيع ناسيا أن الكلاب ستقوم بمطاردته !

ومضة ” تزوير ” ( أصطنع لنفسه تاريخا؛ لم يقرأه إلا هو. )

تقوم هذه الومضة على المفارقة من خلال الشخص الذي زوّر تاريخا لنفسه ، فنتوقع كقراء أن حيلة التزوير ستفيده وسيصدقها الجميع إلا أن الشطر الثاني من الومضة يأتي مُباغتا وغير متوقع لما أخبر به شطرها الأول ، من خلال تعبير الوامض ” لم يقرأه إلا هو.” أي لم يصدّقه أحد فاضطر إلى تصديق ما قام به من تزوير، وما ينطبق على الأفراد ينطبق على بعض الدول التي تلجأ لتزوير التاريخ ، وهو ما تشير إليه هذه الومضة القصصية الرمزيّة !

ومضة ” حَيرَة ” ( كلما دنا من باب سِجْنِه؛ جذبه أبناؤه. )

هذه ومضة قصصية إنسانية اعتمد فيها الوامض على العاطفة التي تنشأ بين أب و أبنائه ، وتأتى المفارقة في هذه الومضة من خلال أن الأبناء هم الذين يرشدون أباهم نحو الطريق المستقيم ، وليبعدوه عن السجن ؛ من خلال العاطفة التي تربطه بأبنائه ، لذلك كان عنوان هذه الومضة هو ” حيرة ” ، أي أن الأب يحتار بين طريق الإجرام الذي يُدخله السجن ، و بين التفكير في مصير أولاده

. و أرجو أن يهتم النقاد المتخصصون بكتاب ” ذئب … و حكايات في ومضات ” للقاص أحمد فؤاد الهادي ، وهذه الدراسة النقدية بمثابة خطوة و طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى