عشرة دراهم ( قصة قصيرة من واقع الحياة ) بقلم عبد الصمد السالمي ـ المغرب.

كان يتعين علي أن اصطحب جسدي المنهك بدوران ناعورة الأيام المثقلة بالابتلاءات حتى لا مزيد.
كنت أسير بضع كيلومترات مترجلا تستغرق نصف ساعة أو تزيد لكي أصل للشارع العام حيث طابور من كل الفئات ينتظر دوره لركوب التاكسي أمام ضغط الوقت وسحب ورقة توقيع الدخول للعمل.
رجال ونساء بوجوه شاحبة من مختلف الأعمار يصارعون من أجل البقاء، يحصلون مصاريف الطعام والتنقل والدواء والديون وطلبات أبناء مشروعة وأخرى لأبناء يتقبضونها ويسرعون بها إلى تجار المخدرات.
وصل دوري وركبت، تحسست حافظة النقود الشقية فجحظت عيناي إذ لم أجدها، تخطفتني كل الاحتمالات الممكنة وغير الممكنة هل أضعتها أم انتشلت بالطابور؟
تناولت جوالي وأنا أدعو الله أن أظفر منه بمكالمة متبقية من تعبئة خمسة دراهم بائسة، أجابتني زوجتي : لقد سقطت منك حافظة النقود أمام باب المنزل وجدتها بعد عودتي من اصطحاب الأطفال إلى المدرسة.
سمع ركاب التاكسي الحديث بما فيهم السائق العجوز الذي لم يعلق على الحادث ، فهمت منه أنه يريد ثمن المقعد لا محالة.
وقعت في حيص بيص، حاولت جاهدا أن أجد حلا للخروج من هذه الورطة، نزل كل الركاب إلا إمرأة أربعينية، وصل التاكسي إلى النهاية، فوجئت بها تناولني عشرة دراهم قائلة : لقد سمعت مادار بينك وبين زوجتك وهذه صدقة لوالدي رحمهما الله.
تلقف السائق خمسة دراهم من العشرة، نزلت مطأطئ الرأس تحت وقع صدمة الحادث، خطوت بضعة خطوات وإذا بي ألمح عشرة دراهم، فغرت فاهي دهشة وأسرعت يداي إليها قبل عقلي، التفت يمينا و شمالا أبحث عن المرأة، لمحتها تعبر الشارع، أسرعت إليها : سيدتي سيدتي لقد وجدت عشرة دراهم، شكرا لك هاهي تفضلي.
نظرت إلي نظرة تحمل كل معاني الإكبار والإجلال لوالديها ثم أردفت قائلة ” أكنت تظن أني سوف أسترجع منك ما تصدقت به على والدي، لا والله لن يكون…ثم انصرفت.
لم أصدق ماسمعت أذناي، نسيت وقت الدخول إلى العمل، خطوت مبعثرا لا ألوي على شيء وأنا أقلب العشرة دراهم بيدي، وضعتها بجيبي، للحظة بوميض نوراني حدثني واعظ الله في قلبي أن أتصدق بالعشرة دراهم انا أيضا على والدي رحمهما الله.
لم أشعر إلا ودموع الرحمة تنزل من مقلتي في يوم شاء الله تعالى فيه أن تتنزل الرحمة على والدي المرأة ووالدي معا.
ولجت مقر العمل وأنا أدعو : اللهم ارحم والدينا ووالدي المسلمين أجمعين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى