“سيكولوجية الإبداع بين في مواجهة صراع الاغتراب “دراسة نقدية تحليلية لقصيدة موج الطريق للشاعرابراهيم موسى النحاس..نقد وتحليل أسامة نور

ماذا يريدُ البحرُ
من طينٍ تسربلَ بالرمادِ؟
أ صُدْفَةً
لمَحَ اللهيبَ وظِلَّهُ
بي خلْفَ قهقهةِ النوارسِ؟
أمْ بدا
مُستهزئًا
من ذلك الطفل الـ تعلَّق
بالحروف
سلالمًا للمجد
ظنَّا منه
أنَّ الحرفَ طوقٌ للنجاةْ.
أنا إن أتاني البحرُ أسجنُهُ
بحُلمٍ
يرفضُ الظلماتِ في ثُقْبِ النوافذِ
إنَّني
والضعف ضِدٌّ لا أراهْ
وسأربطُ الطرقاتِ في خطوي وأمضي
فالطريقُ
أنا البدايةُ مثلما
سأظلُّ دَوْمًا مُنتهاهْ.
خانتكَ يا بحرُ الألئُ
لم يَعُدْ
غيرُ الملوحةِ
والزبدْ
لا لن تطاردني رياحُك للأبدْ
فيَدِي مسارُ المَوْجِ
حَقًّا من مِدَادِي كان ماؤكَ
بي (سفينةُ نوح) فاركَبْ
لا تُحاربْني كثيرًا
هَا هُنا
طفلٌ براءتُهُ تعالَتْ فوقَ أشرعةِ العُتاةْ.
ارجعْ لرُشْدِكَ
لا تساوِمْني
لأنَّ سعادتي
من داخلي وحدي
ومن كرم الإلهْ.
أنا لستُ أسماكًا بقاعِكَ كُلَّما
شعُرَتْ بجوعٍ قد دَنَا
هَرَعَتْ لتأكلَ بعضَها
بل جنةٌ للحُبِّ
يحرقُها لظاه
يا بحرُ إنِّي كم عشقتُكَ قِبلتي
لمْلِمْ رياحَكَ
طَعْمَ مَلْحِكَ
والمحارَ
وكُنْ صَدِيقًا طيِّبا
عندي رضاهْ.
لا الشمسُ تَفنيها الغيومُ
ولا طلوعُ الفجرِ يأبى عَطْفَ حُضْنِي
فاتَّئِدْ
واسحَبْ غرورَ المَدِّ والصخرَ المُراوِغَ
فالفتى
سيظلُّ يغزلُ من خيوطِ الموتِ
أنسجةَ الحياة.

مقدمة :-
ويبقى الشاعر متفردًا ؛بما يحمله من وجدان متأجج ،وعقل مفكر ، وروح وثابة متمردة على الواقع ،متأملة تسعى إلى إعلاء الذات وترسيخ قيم الحق والعدل ..
لهذا كان الشاعر وما زال نبض الأمة ونبراسها ؛يسطر الأحداث ويلهب المشاعر ..لا ينفصل عن واقعه ..وإنما
ينظر إلى المشهد بسعة ..ويسترشف الأتي ..
وقد قال الشاعر “
أرى الشعراء إن صلحوا خيالا
هداة الحق مثل الأنبياء
فالشاعر يكتب بدمه ودموعه ..يناضل بحرفه المتأجج ..
يشحذ الهمم ..فيبقى روحًا تحلق، تحثنا ، وتلهمنا العزيمة والإصرار..
وهو مع ذلك لا ينسى إن الشعر إبداع ..فكلما جاء شعره
مشتملا على فنيات وجماليات الشعر كان أوقع في النفس
وتأثيره أشد…
**في “ماهية العنوان”
إن للعنوان أثر كبير فهو في النص فهو عتبة رئيسة ، حيث يكشف عن مكنون النص ..ويشير إلى المتن ..وإلي ما يعتلج في نفسية الكاتب من مشاعر شتى ..كما أنه يجذب المتلقي
إلى قراءة النص واكتشافه…لهذا أصبح هناك مسمى” علم العنونة “
والنص هنا يحمل عنوان ” موج الطريق ” يتكون من كلمتين
موج خبر لمبتدأ محذوف ..والطريق مضاف إليه ..
كلمة “موج ” تدل على التداخل والتقلبات ..وما قبل الموج من رياح تحرك هذا الموج …
وقدبما استخدم الشعراء موج للدلالة على القسوة والشدة
فيقول امرؤ القيس
وليل لموج البحر أرخى سدوله
علي بأنواع الهموم ليبتلي
الطريق هنا طريق الحياة ..
فالشاعر استخدم المجاز في عنوانه” موج الطريق “..ليعبر عن
الألالم والمعاناة وتقلبات الواقع ومتغيراته ..وصراع الأنا والآخر ..في طريق حياته
فالموج لا يأتي على صورة واحدة فتارة يعلو ..وتارة يشتد
وتارة يغسل أدران الطريق ..وفي كل حالة يعبث بسيكولوحية الشاعر في محاولة للنيل منه ..لكن في ظل هذا الصراع يبقى الصمود وقوة الشاعر ..
** من حيث الشكل والموسيقى “
النص من حيث الشكل ينتمي لشعر التفعيلة ؛ حيث جاء النص على تفعيلة بحر الكامل “متفاعلين ” بموسيقاه الجزلة
ودفقاته الشعورية القوية ..وعمقة الداخلي ..وتأثيره الوجداني ..لهذا جاءت الموسيقى تناسب حالة النص ورؤية الشاعر ..وفلسفته ..
استخدم الشاعر هنا الشكل التفعيلي ..لكنه طوع الموسيقى لخدمة النص وإظهار الحالة ..فقد وازن بين الشكل والمضمون وفنيات الإبداع ..
كما أنه استخدم القافية الدوارة حيث كتب النص في خمسة مقاطع ..كل مقطع فيها ينتهى بقافية الهاء قبلها ألف
التأسيس ..ومن صفاته الهمس والرخاوة والاستفتاء والانفتاح..
ومن ذلك قوله :-
يرفضُ الظلماتِ في ثُقْبِ النوافذِ
إنَّني
والضعف ضِدٌّ لا أراهْ
وسأربطُ الطرقاتِ في خطوي وأمضي
فالطريقُ
أنا البدايةُ مثلما
سأظلُّ دَوْمًا مُنتهاهْ.
فنجد في نهاية المقطع الأول لا أراه ..وفي نهاية المقطع الثاني منتهاه ..ثم يحرقها لظاه في نهاية المقطع الثالث ثم عندى رضاه فى نهاية المقطع الرابع ثم أنسجة الحياة في نهاية المقطع الخامس
ومخرح حرف الهاء من أقصى الحلق ..يوحى بالصرخة المكتومة والعمق ومرارة الإحساس ..
بالإصافة إلى إيقاعه الموسيقي المطرب والمؤثر في النفس.
والسكون على الهاء يدل على التأمل والتفكير ومحاولة القبض على الأشياء قبل قرارها ..استعادة قوى النفس لمجابهة صراع الحياة والآخر ..والخروخ بتوازن نفسي
وتفعيل ميكانزمات سيكلوجية ..
لهذا جاء الشكل ببنيته ..وموسيقاه الخارجية ( الوزن والقافية الدوارة ) يلائم الحالة ..
**”من حيث المضمون والتجربة الشعرية “
يعبر الشاعر عن تجربة حية ..عن الصراع عن الأنا والآخر ..
عن المأمول والواقع ..صراع الذات في طريق العلا الرفعة
وأمواج تريد كسرها والنيل منها .
ويعلن الشاعر التحدى والصمود ..وأنه طفل يحمل البراءة والنقاء ..وقلب شاعر يأبى الانكسار تحت أمواح الطريق
..فنجده في المقطع الأول ..يتساءل في يقول :

ماذا يريدُ البحرُ
من طينٍ تسربلَ بالرمادِ؟
أ صُدْفَةً
لمَحَ اللهيبَ وظِلَّهُ
بي خلْفَ قهقهةِ النوارسِ؟
أمْ بدا
مُستهزئًا
من ذلك الطفل الـ تعلَّق
بالحروف…
البحر رمز للحياة وما فيها فاتخذ من البحر وصفائه الخارجي
مع قسوة أمواجه ..وغياهب أعماقه رمزًا ..لكل ما يحاول الكيد به ..فيتساءل ما تريد الحياة والآخرون من شاعر يحمل قلب طفل يعلق بالحروف .
إنه يعلن الرفض ..أن يبقى في ظلمات هذا البحر ..رهين أمواجه العاتيه ..فيقول :-
أنا إن أتاني البحرُ أسجنُهُ
بحُلمٍ
يرفضُ الظلماتِ في ثُقْبِ النوافذِ
إنَّني
والضعف ضِدٌّ لا أراهْ

ويقول في المقطع الثاني :-

وسأربطُ الطرقاتِ في خطوي وأمضي
فالطريقُ
أنا البدايةُ مثلما
سأظلُّ دَوْمًا مُنتهاهْ.
إنه البداية ..وسيكمل في قوة حتى النهاية .. توطين على الصمود والكبرياء ..
ويقول في المقطع الثالث :-
خانتكَ يا بحرُ الألئُ
لم يَعُدْ
غيرُ الملوحةِ
والزبدْ
لا لن تطاردني رياحُك للأبدْ
فيَدِي مسارُ المَوْجِ
حَقًّا من مِدَادِي كان ماؤكَ..
آية خيانة يتحدث عنها الشاعر ؟!..إنها خيانة الآخرين ..طعنات الغدر من الأصدقاء مَن أمدهم بمداده ..ووجههم وأخذ بأيديهم ..ولكنهم ردوا فعله بالنكران
“حقًا من مدادي كان ماؤك.”
قسوة نفسية ..ومعاناة شعورية ..
ثم يستخدم الرمز هنا “سفينة نوح”..فهو يقوي نفسه ..ويحملها على النجاة ..فلديه إيمان داخلي
بأن الله يسيره للخير ..
بي (سفينةُ نوح) فاركَبْ
لا تُحاربْني كثيرًا
هَا هُنا
طفلٌ براءتُهُ تعالَتْ فوقَ أشرعةِ العُتاةْ.
ارجعْ لرُشْدِكَ
لا تساوِمْني
لأنَّ سعادتي
من داخلي وحدي
ومن كرم الإلهْ.
ثم يقول :- في كبرياء أنه لن يرضى المهانة ..أو التلاعب ..
فإنه يتخذ الحب وسيلة يحمل قلب شاعر حقيقي ..
ثم يطلب من بحر الشعر أن يلفظ هذا الغثاء ..ليظل بهيًا

أنا لستُ أسماكًا بقاعِكَ كُلَّما
شعُرَتْ بجوعٍ قد دَنَا
هَرَعَتْ لتأكلَ بعضَها
بل جنةٌ للحُبِّ
يحرقُها لظاه
يا بحرُ إنِّي كم عشقتُكَ قِبلتي
لمْلِمْ رياحَكَ
طَعْمَ مَلْحِكَ
والمحارَ
وكُنْ صَدِيقًا طيِّبا
عندي رضاهْ.
ثم في المقطع الآخير..متخذا من الطبيعة ..وفلسفته ميكانزم دفاعي …وطاقة لإعلاء الذات .. فمِن رحم الألم يولد الإبداع ..ومن المعاناة تتجدد القوة وتزداد
لا الشمسُ تَفنيها الغيومُ
ولا طلوعُ الفجرِ يأبى عَطْفَ حُضْنِي
فاتَّئِدْ
واسحَبْ غرورَ المَدِّ والصخرَ المُراوِغَ
فالفتى
سيظلُّ يغزلُ من خيوطِ الموتِ
أنسجةَ الحياة.
———–؛؛؛؛؛؛؛؛———–
** من حيث” اللغة والأساليب وفنيات الإبداع “


أستخدم الشاعر اللغة السلسة ..التى تحمل الدلالة ..وتعبر عن مكنون ذاته ..وعمق مشاعره ..وعن كبريائه وصموده ..
كما نوع ببن الأ ساليب الخبرية للتأكيد والتقرير ..مثل
أنَّ الحرفَ طوقٌ للنجاةْ.
أنا إن أتاني البحرُ أسجنُهُ
واستخدم الأساليب الإنشائيه ..للتنبيه وجذب المتلقي
مثل الاستفهام
” ماذا يريدُ البحرُ
من طينٍ تسربلَ بالرمادِ؟..التعجب والتحير
وكذلك الأمر في فاتئد ..واسحب ..ارجع لرشدك
والنهي في لا تساومني ..للتحذير
والنداء يابحر إني كم عشقتك قبلتي …للتعظيم والاستعطاف ..
..لكن تبقى الصور الشعرية من أهم فنيات الإبداع الشعري ..ويظهر ذلك في النص فقد استخدام الشاعر الصور الطريفة التي تحولت من سمعية إلى مرئية مزجها بالرمز
فجاءت في بهاء وروعة وتفرد تعكس آلام الشاعر وحالته النفسية ..ومقاومة الاغتراب ..
ومن ذلك ماذا يريدُ البحرُ
من طينٍ تسربلَ بالرمادِ؟

أنَّ الحرفَ طوقٌ للنجاةْ.
أنا إن أتاني البحرُ أسجنُهُ
بحُلمٍ
والصورة الشعرية الرائعة الممزوجة بالرمز في ..وفيها تناص مع القرآن الكريم
لا لن تطاردني رياحُك للأبدْ
فيَدِي مسارُ المَوْجِ
حَقًّا من مِدَادِي كان ماؤكَ
بي (سفينةُ نوح) فاركَبْ..
ويستمر ذلك التصوير الرائع حتى نهاية النص فيقول
واسحَبْ غرورَ المَدِّ والصخرَ المُراوِغَ
فالفتى
سيظلُّ يغزلُ من خيوطِ الموتِ
أنسجةَ الحياة.
صور قوية محلقة ..طريفة ..غير مستهلكة ..أعطت النص قوة
وحياة وحركة ..تجعل النص حيًا …متناغمًا..
التجديد في النص :-
———؛؛؛؛؛؛؛———-
التجديد في النص الشعري :-
القصيدة تنتمي للشعر التفعيلي ..لكنها اتخذت المضمون الحداثي ، فقد حققت الموازنة بين الشكل التفعيلي وحداثة المضمون والعرض .ويظهر ذلك من خلال :-
١- العمق الفكري والشعوري ،توافر بالذاتية والوجدان ،والوحدة العضوية داخل النص.
فالشاعر يتحدث عن الواقع المرير ،ولكنه بشاعريته ،وبحالة العشق هذه ،خرج عن الواقعية إلى عوالم السحر والخيال والجمال فحقق المتعة والإبداع ، وكان التأثير أقوى والمعنى
أشمل . ونقل رؤيته ، والإطار الأنثروبولوجي ..السيكولوجي

٢- استخدام اللغة الحية والمفردات ذات الدلالة والرمزية والعمق والتلميح.
والاعتماد على الجمل المتوازنة ذات الإيقاع المتناغم .
٣-تنوع الأسلوب ومشاركة المتلقي وجدانيًا وذهنيًا عن طريق التعبير عن العام من خلال الخاص .
٤-الصور تنبع من الذات ،والطبيعة ..انتقلت من الحسي للمرئي يتداخل معها الرمز، وتعتمد على اللقطات الموحية ،والإيحاء والتضاد ..
٥- التشكيل الموسيقي حيث جاءت الموسيقى بشقيها الخارجي والداخلي متجاوبة مع الحالة الوجدانية..تعكسها وتسير في تناغم يحقق النشوة والإمتاع.
——؛؛؛؛؛
** تبقى مايلي :-
استخدم الشاعر الضرورة الشعرية في قوله :-
“من ذلك الطفل الـ تعلَّق بالحروف”
حيث اتصلت أل التعريف بالفعل تعلق وذلك ضرورة شعرية
وقد جاء ذلك في قول الفرذدق :-
ما أنا بالحكم ال ترضَى حكومته
ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدلِ

———–؛؛؛؛؛؛؛؛؛———–
** قصيدة رائعة ؛ تحوي الجمال والفنيات والموسيقى العذبة المتناغمة ..والحركة والإيقاع الملائم للجو النفسي….وهو كذلك إبداع فريد من حيث المضمون ..فهو يتماس مع الآخر يعبر عن مشاعر كل مبدع حقيقي يرفع راية الإبداع والتنوير يسعى للرقي الروحي والفكري .
عبر الشاعر عن فكره وعاطفته وتجربته الشعرية بمهارة وسلاسة..وتراكيب حية ..وترصيع للجمل ،وبصور طريفة رائعة .
فنجد الحركة والحيوية والقوة ..والروح الحرة التي تسري في النص…لتعبر عن الخلود والبقاء …
قصيدة تحقق الإبداع والإمتاع ..
تحياتي أسامة نـور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى