سرادق الحزن.. نثر شاعري مريم الراشدي المملكة المغربية – قراءة أ. صلاح المغربي و أ. علي اليدري علمي
سرادق الحزن.. نثر شاعري مريم الراشدي المملكة المغربية – قراءة أ. صلاح المغربي و أ. علي اليدري علمي
سرادق الحزن
من برزخ الروح
تطل متأنقةً حسناءُ النبض
تتقاطر شهدا .. تتناثر تبرا
تطوف بروحيَ العليلة
علّها تنتشلها
من سرادق الحزن
حينما .. دون أن تُقرّرَ
اعتَزلتِ المدينة السفلى
من برزخ الروح
تطل متأنقة حسناء النبض
ما عاد السقم .. على وجنتيها
بادٍ ولا يسكن رحِمها البلاء
فراغٌ عمري دونها
هزال .. دنفٌ .. شوق للقاء
يؤثِّثُ موكب الرحيل
أروم المدينة العليا
هنا ..
كل ذكرًى مؤلمةٌ
سراديبُ مملكتي
فقدْتُ مشاعلها ..
فقدْتُ مفاتيحها ..
هناك
كل صمتٍ عيدٌ
كل نظرةٍ بعثٌ
بهيج الاستبرق يتناثر
مسكا وعنبرا يتقاطر
لا لغوا ولا تاثيما
عشق ولا دونه ترنيما
نار الوريد .. باتت هشيما
ونور الوتين .. غدا كريما
مريم الراشدي المملكة المغربية
الدراسات النقدية :
دراسة نقدية بقلم صلاح المغربي
في أرجاء “سرادق الحزن”، تتلاشى الكلمات مثل أوراق الخريف تتناثر برقة، تتراقص الأحاسيس وتتفاعل العواطف في قلب الروح، تستقي من برزخ الروح شهداً وتنثر تبرا بكل احترام وتأنق. هناك، تتألق حسناء النبض بجمال لا يضاهى، تجتاز الألم وتبحر في أعماق الوجدان، وسط الفراغ والشوق تتألق بريقاً، تلوح في الأفق العليا أملاً لنور ينير الحياة.
في هذا العالم المليء بالآهات والذكريات المؤلمة، تستحضر مريم الراشدي وكأنها فارسة شجاعة تستعيد مفاتيح مملكتها المفقودة، تبحث في سراديب الذاكرة عن مشاعل الأمل، وتتجه نحو بلادها العليا بقلب ينبض بالحب والثقة. تُعّاد صمتها كعيد بلا انتهاء، وتلاحظ بعينها كل نظرة بعث، تملأ الفضاء بأرواح مسك وعنبر تمطرها بشذا العطر والحب.
هي مريم الراشدي، الشاعرة المغربية الرائعة، التي تجسد في كلماتها وأبياتها العمق والحساسية، تنثر الشعر كالجوهر الثمين، تحرك أوتار القلوب وتسافر بنا إلى عوالم جديدة تلهب الخيال وتغمرنا بالجمال.
قطعة النثر الشعري “سرادق الحزن” التي كتبتها مريم الراشدي تتميز بعمق وحساسية تعكس حالة من الحزن والوحدة في أرجاء الروح. تبدأ هذه المقطوعة بصورة جميلة تصف حسناء النبض وهي تتألق في مناطق الألم والفراغ، حيث تحاول إحياء الأمل والثقة في ظل الصمت الذي يحيط بها.
تعتمد الشاعرة على استخدام صور غنية ومتقنة للتعبير عن وصول الروح إلى برزخها والبحث عن النور والجمال في أعماقها. تتجلى الحالة النفسية للشاعرة من خلال تعبيرها عن الحنين والشوق للقاء ما فقدته ومشاعل الأمل التي تسعى لإحيائها.
هذه النثرية تجسد بشكل جميل الصراع الداخلي للإنسان في مواجهة الألم والفراغ، وكيف يبحث عن الشفاء والنور رغم تجربة الحزن والمرارة. تستخدم الشاعرة تشكيل الكلمات والتراكيب الجملية بطريقة مميزة تجعل القصيدة تتألق برونق فني وجمالي يجذب القارئ ويثير العواطف.
باستخدام لغة شعرية متقنة وصور مليئة بالمعنى، تستطيع مريم الراشدي في قصيدتها “سرادق الحزن” أن تلامس وجدان القارئ وتحمله في رحلة عاطفية وروحية تنطلق من عمق الروح وتتغلب على الصعاب والتحديات التي قد تواجهها.
في أعماق السرادق الحزين تجتمع مشاعر الألم والفقدان، وكأمواج البحر تتلاطم في قلب الحنين. تتناثر الألوان بين دموع الأسى، مخلفة خلفها أثرا عميقا من الحزن.
تبرز حسناء النبض، تشع بجمال مغري يأسر الأبصار، تنثر الأحاسيس كالشهد الذي يروي ألم الروح وجراحها العميقة. تكاد تتلاشى التفاصيل كالتبر في ليل داكن يغيب عنه كل بصيص من النور.
في زمن الحزن والإنكسار، تغوص الروح في دواخلها بحثا عن الأمل المفقود، تستقر عند سرادق الحنين المؤلم الذي يحتوي على كل ذكرياتها الحزينة. تبحث بلا كلل عن مفاتيح السعادة التي ضاعت بين أثار الفراق وألم الوداع.
وفي صمت عميق ونظرات باهتة، يتجلى جمال الحب المفقود بألوانه الزاهية، تتساقط عبير العنبر وتتناثر روائحه الآسرة كجمال راحل لا زال يعيش في ذاكرة النفس. لا يكفي الكلام ولا اللغة في هذا الهيجان، فالعشق يتسرب بين النظرات ويتلهب بين شرايين الوجدان، ويرتفع الأمل بقوة مع كل نبضة.
في “سرادق الحزن”، تثور عواصف المشاعر وتتصاعد الأحاسيس بكل قوة وعمق. تتبدل الألوان في زمن الغياب والفقدان، ولكن الشوق والحنين يظلان يعزفان نغمات الحياة والأمل في قلب كل مظلوم. يلوح نور الفرح والتفاؤل من بعيد، يضيء دروب العبور والاستمرار نحو المدينة العليا التي تنتظر باسما بأذناق مشرقة، تنير درب الحياة بعبيرها الدافئ، لتتجلى جمال الحياة في قلوب الباحثين عن الخلاص والسلام.
شكراً لمريم الراشدي على هذا العمل الرائع والملهم
بين سحر الحروف وجمال الكلمات، يعرف القلب الدهشة والإعجاب بما يتجلى عبر السطور. فعندما تبزغ شمس الإبداع تأتي لنا دهشة جديدة، تحمل بين ثناياها عبق الجمال والتأمل.
مقطوعة رائعة وجميلة جدا.. تحياتي..
قراءة أ. علي اليدري :
وأنا أطلع على قصيد ” سرادق الحزن ” لشاعرة المملكة المغربية مريم الراشدي. وإفاضة الأديب صلاح المغربي في إضاءة زوايا عميقة منهما. بدربة محترف ضليع. وهمة قارئ ينشغل بالكشف عن مكامن النور في الإبداع، ليتجلى فيه السطوع. نأيا بنفسه عن العتمة التي تنتصب يافطة ثبوط. راودتني فكرة مساءلة الشاعرة عن السرادق الذي تنصبه للحزن، بدل أن يكون معدا للفرح. لكنني توا عدلت عن الفكرة. لأن الحزن مثل الفرح، شعور انساني ذاتي لا يخضع للإملاءات. علاوة على كون بعضه لطيف. خاصة عندما يوثق شعرا بقلم أنيق. حد التغرير بي لقراءته، كما فعل مع سابقي لذلك، الأستاذ صلاح المغربي. وهو يتجول في ” سرادق الحزن ” للشاعرة مريم الراشدي.
لست في حاجة إلى ارتداء وشاح مأثم. تحت خدعة العنوان الذي علق على واجهة السرادق. فرحب النظم هنا متحف مؤثث بجميل الصور، رسمتها الشاعرة بمهارة الإغراء. لتمنح الرواد غواية تفرسها، وترميهم بدهشة ترصيفها. ولا عجب في ذلك. إنه الوفاء لرسالة الشعر.
لست أخفي تجيش مشاعري، مقتادا بدربة الشاعرة، وهي تفتح البوم الصور، لتدلني وكل الرواد على صورتها طفلة بهية، في دروب المدينة السفلى ترتع. وتردد اناشيد الأمل على ايقاع شمس تنبثق من وراء الجبل. أو قمر عالق في قبة السماء. ينشر البهاء امتاعا والهاما للسمار. فالمدينة السفلى ما امتعضت من اسمها، وقد كانت موطن طلاقة التدفق. وميلاد الأحلام. وضمنها كان حلم الانتقال إلى المدينة العليا. ليت البهجة كانت رفيقة الرحلة. وهل بوسعنا ان ننقل معنا طفولتنا أنى ارتحلنا. فيا حسرتنا، إذ يستحيل الأمر.
هكذا، تبدو شاعرتنا مسكونة بغصة مبارحتها للمدينة السفلى. والتي تحمل قطعا، رمزية الطفولة منها، بكل حمولة البراءة، والبساطة، والأحلام الباسقة. لتجد نفسها في المدينة العليا، أسيرة اكراهات جديدة. توارت معها النكهة الفطرية الباذخة للحياة زمن الطفولة.
أن تأخذ منا نثرية ” سرادق الحزن ” كل هذا الاهتمام، لهو تعبير قاطع عما تختزنه من دسامة بمؤشرات الشاعرية. فهي رحلة رافهة عبر الزمان والمكان. مشبوبة بالحنين. ما من شك أن كل قارئ لها سيتلذذ وقع خطاه، وهو يبارح موطئ ميلاده صوب قبلة جديدة فرضتها سنة الحياة. ويتأمل منذهلا رحلته العمرية وهو ينتقل من رعونة طفولته نحو جسد مترهل. استحال معه سواد الشعر بياضا. ولاحت النجوم تنطفئ في السماء.
بهذا البناء الشاعري المحكم، نتصور أننا كنا شركاء للشاعرة في نسج هذه المقطوعة الشعرية. فنشاكس لتدبيجها بتوقيعنا أيضا.
حتى نعودك، شاعرتنا مريم، في سرارق فرح صريح. طاب لك الغدق، ويراعك أبدا ندي.