جدال ….قصة قصيرة بقلم: سيد جعيتم -جمهورية مصر العربية


أركن داخل خاطري لشاطئ ذكرياتي، فمن غيري يشاركني وحدتي، ويجعل الماضي نابضًا.
تتجمع هوام الأرض فوق شاطئ المهجور، تقتات على الطحالب التي كست الصخور بمزيج مخملي من اللونين الأخضر والأزرق.
على الصخور الزلقة نصبت لوحتي، لعلّ اليوم أظفر بموجة شاردة تزينها.
تخشى النوارس أن أطأ أعشاشها… تجمعت صارخة تطالبني بالرحيل، اختلط صراخها مع هدير الجموع في الميدان، ما زال هتافها حيًا:
ـ عيش، حرية، عدالة اجتماعية.
جلبة وعفار أسود لنوق تغزو الميدان، سقط الرعب في القلوب، كصاعقة قفز
على جمل هائج، أسقط راكبه، فشل الغزو.
احتضنت دقات قلبه … هدأت من ثورته، حدثته:
ـ بعد هذا العمر وما زلت بهلوانًا!
كست بسمته الساحرة وجهه، ولوح بالعلم وهتف:
ـ حرية!
على خشبة مسرح الجامعة، ينذر كسرى بصوته الجهوري: أنا حمزة العرب، أنا حمزة البهلوان.
لامست مياه الشاطئ النائِمة دمعةً من عيني أثارت شجونه.
طنينٌ باهتٌ خافتٌ.. جاهدت أذني لتلتقطه، فنظرت حولي،
موجةٌ ضالةٌ تحيي سكون البحر، توقفت قبل أن تلامس الشاطئ ويتبعثر زبدها على صخوره.

ـ وحيدة مثلي، أيتها الإنسية.
تلفتُّ حولي، لا أحد.
عاد الصوت:
ـ وحيدان نحن.
ارتعدت أوصالي:
ـ جنية أنتِ؟
ضحكت.
ـ مجرد موجة لفظتها الأمواج بعد أن هرمت وخفَّ هديرها. جئت لأُنمحى على هذا الشاطئ المهجور، وجدتك والحزن يكسو ملامحك. اقفزي.
أهذه دعوة للانتحار؟
ـ لا، بل هي دعوة لغسل الأحزان.

صباحٌ تُشدو وتطربنا:
ـ م الموسكي لسوق الحميدية، أنا عارفة السكة لوحدية، كلها أفراح وليالي ملاح.
مات الحلم .
سياط كلمات الزعيم تلهب حماستنا:
ـ سنلقيهم ومن خلفهم في البحر.
لم يعد أبي من سيناء.
تخاطبني الموجة:
ـ أين ذهبتِ؟
ـ الماضي يشدني.
انعكس ضوء القمر على الطحالب فوق الصخور الزلقة، رأيتها أشباحًا جاثية.
عدت أُخاطب الموجة .
وحيدةً أنتِ وسط هذا البحر الزاخر بالأمواج.
ـ نحن كثيرون، كغثاء السيل، نجتمع ثم تبعثرنا دوامة صغيرة.

تراءى لي الأطفال الجوعى، يُدفنون تحت أنقاض المدينة.

نبّهني حرقان حلقي من ملوحة المياه، والنوارس تنعق:

  • التقطي لوحتك فالمياه تجرفها.
    حمزة يناديني:
  • الشمس ستسطع… عودي، ارسمِي حمزة البهلوان، ارسمِي علمًا وأمواجًا وأطفالًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى