” بين الناسخ و المنسوخ ” متى تراعي الجامعات العربية معايير الجودة في العلوم الإنسانية النظرية – مقال لمحمود حسن و تعقيب لسمير زيان

نعم من حق الجميع أن يطالب بالتطوير والتجديد والتنوع والمعاصرة والحداثة وما بعدها وتجاور الأجناس الأدبية.

لكن لماذا لا يطالبون بالتجديد في النقد الأدبي والبحث العلمي والرسائل التي تتشابه حد التناسخ والتطابق وكأنها توائم متشابهة نتجت عن انقسام خلية واحدة أو بويضة واحدة.

تصيبني الدهشة كلما قرأت عنوان رسالة ماجستير أو دكتوراة أو حتى بحث من أبحاث الترقي في معظمها، وأبحث عن جديد فيها يخدم الأدب العربي ولا أجد، وإذا ما استرجعت رسائل كثيرة ( في علوم اللغة والأدب العربي والفقه والدراسات الإسلامية والتاريخ وغير ذلك) حضرتُ مناقشتها ومنح أصحابها درجة الدكتوراة مع مرتبة الشرف الأولى أو بامتياز أجدها نسخا من نسخ من نسخ من نسخ وهكذا في دائرة مغلقة تدور الرسائل ثم تُدرَّس للطلاب هي هي ليكون المُنتج الأول منذ مائة سنة حاضرا في المنتج الأخير

إهدار للمال العام والوقت وتجميد للبحث العلمي الصحيح

معلوماتي أن بعض الجامعات طبعا الغربية وليست العربية ترفض أي مبحث كُتب عنه أو أجيز كرسالة سابقا، ولابد أن يكون البحث أو الرسالة جديدة وتقدم
جديدا وليست Copy & paste

متى تراعي الجامعات العربية معايير الجودة خاصة في العلوم الإنسانية النظرية التي تملأ رفوف الجامعات وهي هي من دون جديد؟

وما حاجتنا لها وقد طُرقت آلاف المرات ؟!

هل نرى قبل أن نمضي تطورا في البحث العلمي والرسائل التي تقدمها الجامعات المصرية والعربية أم أنه شيء صار مثل الخلِّ الوفي والعنقاء والغول .

تحية لقلمٍ نَبَضَ بصدق، ولسؤالٍ فَتَحَ أبوابًا صدئة في معابد الفكر الجامد.
ما خطه الشاعر والناقد الكبير محمود حسن عبد التواب ليس مجرد منشور، بل هو صفعة حضارية على وجه مؤسسات أصبحت عاجزة عن إنتاج المعرفة، مكتفية بتكرار ما قيل وكُتِب، حتى صارت رسائل الماجستير والدكتوراه في كثير من جامعاتنا مثل الطواحين الهوائية: تدور، لكن لا تنتج سوى الهواء.

ولك أن تتخيل حجم المأساة حين يكون الباحث نفسه واعٍ تمامًا أنه يكتب رسالة لا تضيف شيئًا، لكنه يمضي مضطرًا ليحصل على “الدرجة” أو “الترقية”، لا المعرفة.

كيف نُنتج فكرًا جديدًا ونحن نحيا في مستنقع قديم؟
كيف نستنشق هواء التجديد ونحن نعيش في مناخ محنّط، تغمره الغرائز السلطوية والإملاءات الأكاديمية العقيمة؟

أجل، نحن نرتدي “الكرافتات” ونحمل السيجار، ونقتبس من بودريار ودريدا، لكننا نُدَرِّس ابن قتيبة والجرجاني بأساليب ترجع إلى ما قبل الطباعة! نحتفل بأطروحات مكرورة ونمنح أصحابها أوسمة الامتياز، بينما لا يكاد محتواها يختلف عن محتوى أطروحات في خمسينيات القرن الماضي.

ما الحل؟

إني اقترح :

منتجعات فكرية حقيقية لذوي العقول الحرة،

بيئة إبداعية غير خاضعة للإملاءات الجامدة،

تشريعات صارمة تُجبر كل باحث أن يأتي بجديد، لا أن يكرر،

تحرير الجامعات من بيروقراطية التلقين إلى فضاء النقد والتجريب.

أيها السادة، لا تطور بدون مخاطرة، ولا تحديث بدون تحرير.
إن لم نقطع مع هذه الثقافة الممسوخة، سنظل نكرر الناسخ، وننتج الماسخ، ونتحول إلى ممسوخين لا وزن لهم في ميزان المعرفة الكونية.

فلنكن أوفياء للحقيقة، ولو على حساب النظم،
ولنصنع جيلًا يكتب بحثه لأنه يريد أن يعرف، لا فقط أن يُقيَّم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى