الوطن العربي بين واقع مر وأمل في غد مشرق… مقال بقلم رئيس التحرير الصحفي أشرف الجبالي


الوطن العربي بين واقع مر وأمل في غد مشرق….مقال بقلم رئيس التحرير الصحفي أشرف الجبالي

تحولت المنطقة العربية – التي كانت تسمي في السابق الوطن العربي الكبير من المحيط إلي الخليج – إلي كرة نار يشتعل لهيبها ويزداد سعيرها يوما بعد يوم ، وأصبحت الأحداث الدامية في تلك المنطقة تتصدر مانشيتات وعناوين كبريات الصحف والمواقع الإخبارية بل ومعظم المنصات الاعلامية العالمية والمحلية ، ويبدو أنها فعلا المنطقة الوحيدة في العالم الآن التي تشهد صراعات يومية وأحداث قتل وسفك دماء واعتقالات ومطاردات وعدم استقرار أمني أو سياسي أو اقتصادي، إنها للأسف أصبحت المنطقة الأقل أمانا في العالم، وتحولنا نحن العرب إلي أمة تأكل بعضها بعضا ، وتحارب بعضها بعضا بعد أن كنا خير أمة أخرجت للناس. فما الذي حدث لأمة العرب، أمة الكرم والعطاء والشجاعة ونصرة الضعيف، أمة الوحدة التاريخية والجغرافية والدينية والثقافية؟
انظر خلفك وتأمل، وانظر حولك واندهش، وفكر في مستقبل تلك الصراعات بين العرب وتعجب !!
لقد وهبنا الله كل شيء، من شعوب طيبة مسالمة، وخيرات من كل صنف ، ونفط وغاز طبيعي وبحار وأنهار ومحيطات، ورغم كل هذا نحن الأمة الأكثر بؤسا في العالم الآن !!!
ألا تستحق هذه المفارقة التعجب والندم علي ما آلت إليه أحوالنا، وهل تستحق الأجيال القادمة من أبنائنا أن نترك لهم هذا الإرث الدامي من الصراعات والأوطان الخاوية على عروشها وكأنها أطلال علي أطلال ؟؟
ليس عليك سوي أن تمسك بخريطة الوطن العربي الآن وتتأمل وضعها، العراق محتل ومفكك طائفيا ويعاني من إرهاب داعش وقد خرج من المظلة العربية وأصبح تابعا للهيمنة الإيرانية ، سوريا نصف شعبها يعاني اللجوء والباقي يعاني الفقر والحرمان وقواها العسكرية والاقتصادية تبددت في حرب لا طائل منها وأصبحت لعبة وغنيمة في أيدي القوى الإستعمارية ، وفي القلب منها إسرائيل التي ليست بمنأي عن كل ما يحدث في العالم العربي وبذلك تكون ثاني عاصمة عربية قد ضاعت بعد انهيار بغداد .
واللافت للنظر إن دمشق وبغداد هما مهد الخلافة الأموية والعباسية ورمز الحضارة الإسلامية العربية ، اليمن السعيد لم يعد سعيدا بعد أن تكالبت عليه القوى الإقليمية ومزقته الحروب الطائفية والأهلية وأصبح فريسة على موائد اللئام ، الخليج كله لديه مشكلات داخلية وإقليمية تهدد وجوده ورغم ذلك هو غارق في الخلافات الداخلية بين دوله وادخال الشعوب في حروب كلامية وخلافات لا طائل منها ، مصر تواجه تحديات وجودية فيما يتعلق بالنيل وسد النهضة إضافة إلي التحديات الأمنية ومكافحة الإرهاب فضلا عن الملف الاقتصادي وتبعاته المتوارثة عبر عقود من الزمن ، ليبيا عانت من ويلات حروب أهلية ومنظمات إرهابية وهي الآن تتحسس طريق الوحدة وإعادة الأمل ، تونس لديها مشكلات اقتصادية كبيرة وعدم استقرار سياسي بعد الثورة وإن كانت تحبو نحو طريق الديمقراطية بخطوات واهنة ، الصومال أصبحت في غياهب النسيان ، فلسطين تصارع من أجل البقاء حيه في وجدان النضال، وتعاني الفرقة بين الشركاء وهي تخوض المعركة ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم نيابة عن الأمة العربية والإسلامية وتقدم أرواح ابنائها قربانا على مائدة الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية وما زالت تزف الشهداء لتسجل آيات من المجد والفخار ، ولبنان علي كف الرحمن تعاني التمزق الطائفي والصراع السياسي المستمر وانهيار اقتصادي ناهيك عن صراعات الجزائر والمغرب على الحدود علاوة على التصحر والجفاف الخ الخ.. الحديث يطول والأوجاع لا تنتهي.. فكيف لنا أن نسترد عافيتنا، وقوانا ومصيرنا ؟
لا بديل سوي معرفة من هو المستفيد الحقيقي من تقزم وتفكيك الدول العربية إلي دويلات حتى يظل هذا المستفيد معربدا في المنطقة لأن ضعف الأمة العربية ينعكس إيجابا على قوته وبقاءه ، وأعني هنا الكيان الصهيوني الذي زرع بأيدي الاستعمار في خاصرة الأمة العربية لتحقيق أهداف شيطانية وهذه هي الحقيقة التي يجب أن يدركها العرب أنظمة وشعوبا قبل فوات الأوان ، لا بديل أيضا سوي بناء دول عربية حديثة تمتلك أسباب التقدم والرقي، لا بديل عن دحر الخلافات لمواجهة أعداء الأمة، لا بديل عن إعادة بث روح العروبة في نفس كل مواطن عربي، ولا بديل عن استحضار روح العرب التاريخية حينما قادت هذه الأمة العالم أجمع في قرون سابقة.
إن التخلف والتقدم ليسا سمات خاصة بالشعوب، فليس هناك شعب عظيم وشعب حقير، كل الشعوب تملك أسباب النجاح والفشل، وعليها أن تختار، إما أن تصبح أمة مثل اليابان حولت الهزيمة عام 1945 إلي انتصارات في كل اتجاه، أو تصبح أمة مثل الأمة العربية حولت الهزيمة إلي عدة هزائم في كل بقاع الوطن العربي …لم تزل الفرصة أمام العرب للعودة للتاريخ، وصناعة المستقبل، فلم تعد ثمة درجات باقية في سلم الهبوط فقد وصلنا إلي أدني مستويات التراجع والانكسار، ونحن أمة لا تستحق كل هذا التردي والتراجع …فلابد أن نسترد كرامتنا وحقوقنا وإرادتنا وقوتنا وعزتنا، لأننا فعلا شعوب تستحق ذلك.
الكاتب الصحفي أشرف الجبالي