الاغتراب .. نزوح أم اجتياح للذات في أعمال ياسمين عبد ربه


الاغتراب .. نزوح أم اجتياح للذات في أعمال ياسمين عبد ربه

نبذة عن الفنانة
مدرس مساعد بقسم التصوير كلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية، فنانة تشكيلية وباحثة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والدولية، جاءت تجربتها الفنية لتعبر عن الذات وقضاياها من خلال الاستلهام من التراث الغربي وإعادة تأويل رموزه بما يتوافق مع الزمن الراهن، وانشغلت في أبحاثها و أعمالها الفنية بفكرة تواجد التراث في الأعمال المعاصرة، سواء كان ذلك بالاستلهام منه أو إعادة توظيفه، لذلك لجأت في أبحاثها لسوسيولوجيا الفن بتتبع هذا المضمون خاصة في فن الكيتش و تتبع الوظيفة الاجتماعية للفن في خلق وعي فني عند الجمهور و دراسة الفن كظاهرة اجتماعية.
شكل (1) ثنائية الجسد- 100×100 سم- 2021

جاءت تجربتها الفنية تلوح في آفاق مفهوم الاغتراب بأبعاده المفاهيمية، إذ إن النزوح عن العالم المعيش وانفصال الذات عن طبيعتها، وخروج الروح عن نطاق ما آلفاتها، هو بمثابة رحلة تتبع بها مسارات الاستلاب، تارة تتخذ من الفقدان معنى وتارة أخرى تأخذ من اللا انتماء معنى آخر، وتكمن تجربتها في هذه الرحلة بفرض تساؤلات عديدة عن الذات وعن معنى الأشياء حولها، هل في الاغتراب مقاومة أم استسلام لحد التحجر؟ والثبات هنا يعنى الانسلاخ عن الواقع وآثاره على الصعيد النفسي أم يتصلب الجسد فقط وتأبى الروح هذه الغربة؟
كانت بداية تلك التجربة الفنية من خلال لوحة (ثنائية الجسد) شكل (1) عرضت في معرض فاروق حسني الدورة الثالثة 2022، استحضر هذا العمل الفني معنى اللا انتماء سواء في الزمان و المكان أم في اللا انتماء لعالم القيم، و المقصد هنا يستدل عليه من اختيار وضيعات اليد في كلًا من الشخصيات، فترمز حركة اليد في الشخصية يمين اللوحة إلى العاطفة والأخرى ترمز إلى العقل أو قول الحق، وهي وضعية تعرف في تاريخ الفن وتعود لشخصية المسيح أو فيما يمثل اعلان الحقيقة و قيمها، ومن هنا يبدو التأثر بتراث الغربي لعصر النهضة و استلهام بعضًا من رموزه في عالم آخر معاصر، فيصبح الاغتراب هنا بين القلب والعقل هو قضية لا انتماء لأى منهما.
شكل (2) جزء مني – 100×70 سم ، 100×100سم ، 100×70 سم- 2022

ثم في تجربة أخرى عرضت في معرض جماعي بالجامعة الأمريكية تحت عنوان (ذاكرة متجسدة memory embodied) 2022، بثلاث لوحات باسم (جزء منى) شكل (2) هنا تستكمل الفنانة وضع شخصياتها في زوايا بعيدة عن حيز المكان، ترى المشهد الخلفي في بعد وعلو، ملامحه مبهمة والطبيعة تغلبه، أصبحت الشخصيات رمادية كالحجارة توحي بأن الهزائم قد غلبت النفس واستحضرت كل الحروب التي خاضتها في عالمها فاغتربت عن ذاتها ومازالت تنادي من خلال وضيعات الأيدي بالحقيقة وأخرى توحي بالاستسلام.
لوحة (ذوات) شكل (3)

وفي لوحة (ذوات) شكل (3) التي شاركت بها في معرض جماعي في أرت جاليري 2023، يصبح الرحيل فعلا إلزاميا تزامنا مع مشاعر الاغتراب، وقد تداخلت مشاعر الاستسلام بالمقاومة، ففي الرحيل مقاومة للمكان و فيه أيضًا حالة من الاستسلام و رفض الدفاع عن البقاء، وفي تغير لون بشرتهن تغير في أحوالهن، فالهوية قد تشكلت بغير طبيعتها لعلها تتخذ من المستقبل خبرات جديدة تثمر في نشأة ذات مستقلة وحرة.