الإخراج الفني في النص القرآني.. بقلم/ مجدي سالم..”حياة موسى” على شاشة القرآن.. ( 29 ).. في موسى ورسالته – 17
الإخراج الفني في النص القرآني.. بقلم/ مجدي سالم..
“حياة موسى” على شاشة القرآن.. ( 29 ).. في موسى ورسالته – 17
المشاهد المحورية.. بين موسى وربه.. وموسى وفرعون.. تسجيلات سورة القصص..
…..” قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ “…… سورة القصص..
نستمر.. فنقدم السيناريو أولا.. رواية الأحداث والحوار من الآيات الكريمة.. دون تعليق منا..
المشهد الثاني.. في قلب المدينة.. عاصمة مصر وقتها.. مرحلة شباب موسى..
…. وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا.. فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ.. هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ.. فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ.. فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ..
قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) ..
قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي.. فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) ..
قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) ..
…. فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ..
فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ..
قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) ..
….. فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا…..
قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ.! إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ.. وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) ..
….. وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى…..
قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ.. فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) ..
عاش موسى حياة الأمراء في قصر فرعون.. يترك الراوي العظيم لمخيلة القاريء كيف كانت علاقته بإمه.. ليس هناك أبلغ من تعبير القرآن يصف نشأته.. فهو ذات الوصف الذي قيل في جده يوسف.. “وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا.. وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ”.. عرف ربه حتى ارتقى إلى مرتبة الإحسان.. كان يضيف النوافل إلى الفروض سرا.. فما كان فرعون ليعرف عن صلته بربه.. لكن الله أراد لموسى حياة جديدة.. كان لابد من تغير لروتين حياته حتى يتحقق ذلك..
ذات يوم.. خرج موسى وحده من القصر إلى المدينة.. تفهم من الآية أنها المرة الأولى التي يفعل ذلك.. خرج في غفلة من أهل القصر كما خرج في غفلة من أهل المدينة..
كانت حياة الناس غريبة على الأمير الشاب.. تجارتهم.. عاداتهم.. صخبهم.. صراعهم..
ثم حدث ما لم يكن في الحسبان.. نشأ شجار بين أحد من أقاربه.. وكان يعرفه.. مع رجل من أهل المدينة.. إنساق موسى بقلة خبرته إلى الشجار.. توجه إليه الذي ليس من أهله.. ربما سبه أو امتدت إليه يديه.. كان موسى أقوى كثيرا مما يتصور هو ذاته.. فقد كانت وكزة واحدة منه كافية لإن تردي الرجل إلى الأرض.. قتيلا.. فارق الرجل الحياة وأسقط في يد موسى.. فهرب..
لا نعرف أين قضى ليلته ولا كيف قضاها.. لكنه خرج في الصباح الباكر ثانية يتحسس أثر ما فعل.. كان نادما أشد الندم أن انساق وراء الشيطان إلى قتال ليس له فيه ناقة ولا جمل.. عرف أنه فعل الشيطان.. راح يستغفر ويتوب إلى ربه.. ندم وتاب وصلى واستغفر إلى ربه يرجو غفرانه.. صدقت توبته فتقبل الله منه..
إذا عدت إلى الآيات.. فستجد أن الحدث أخذ من مساحة النص قدرا صغير ا.. بينما أخذت مراجعة النفس بالندم والتوبة المساحة الأكبر.. إنه الغرض من القرآن.. لقد أيقن موسى أنه اختبار من الله سبحانه فانتبه من غفلته.. فهو بشر لكنه من عباد الله المخلصين.. هكذا قال الله عنه في سورة مريم.. ولقد أعانه الله في اليوم التالي أن يقع في ذنب جديد.. إنه فعل التوبة…..
هام موسى على وجهه خائفا وجلا.. أصبح قاتلا في لحظات غواية.. والآن لا يعرف ماذا سيكون مصيره.. أخذته قدماه قرب نفس المكان الذي حدث فيه شجار الأمس.. وجد نفس الرجل الذي هو قريب له في شجار جديد مع رجل جديد.. كاد موسى بإندفاع الشباب ثانية أن ينتصر للذي هو من شيعته.. صرخ فيه واحد منهما.. تقول بعض التفاسير أن قريبه ظن أنه سيفتك به هو هذه المرة.. ونظن أن القائل كان الرجل الذي ليس من شيعته.. قال الرجل لموسى هل تريد أن تكون جبارا في الأرض فتقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.؟ إذا أصبح كل الناس يعرفون أن موسى قد قتل رجلا بالأمس.. وعلى موسى أن يتلقى وعده وينتظر مصيره..
جاءه رجل من أقصى المدينة على عجل.. قال يا موسى إن الخبر قد وصل إلى حاشية فرعون وملئه.. وأنه طارت المطالبة بدم القتيل بينهم كالنار في الهشيم.. إنهم اجتمعوا على حتمية قتلك يا موسى أخذا بالثأر للرجل.. ولا مناص من ذلك الآن.. قال الرجل أن المخرج الوحيد الآن أن تفر من المدينة.. قال له إنه ناصح أمين يخاف عليه وعلى حياته.. صرخ فيه خائفا.. إنج بحياتك….
وفر موسى إلى خارج المدينة لا يعرف إلى أين.. يترك القرآن لفطنة القاريء عن حاله وقد خرج بدون أي استعداد.. لا زاد ولا ماء ولا مال.. يقتله الخوف أن تصل إليه أيدي المطالبين بالدم…….
أنظر.. لقد حاولنا أن نختصر في قص ما حدث بكل جهدنا.. والحقيقة أنه بقي الكثير ليقال كي ننقل ما وصفه القرآن في بضع كلمات.. كان لابد أن نسهب في وصف مشاعر القاتل التي اعتمرت في نقس موسى.. عن شدة ندمه.. عن اندفاعه وعن قوته وعن قلة خبرته.. عن أحداث شجار راح ضحيته إنسان.. عما فعل الناس حول القاتل والقتيل… عن.. عن.. لقد نقل لنا القرآن الأحداث بالتفصيل الذي لم ولا نستطيعه.. نقل لنا بالتقصيل حتى حال موسى بعد ما حدث..
إن الآيات الكريمة لم تترك أن تذكرنا بإن التوبة النصوح لله.. وأن الله هو الغفور الرحيم.. الذي غفر لموسى فعلته الكبيرة جدا.. أن تاب توبة صادقة نصوح إلى الله..
وأنت.. كيف عشت الموقف وكيف مرت بكل المشاهد.؟
نهاية المشهد الثاني.. نكمل في الحلقة القادمة إن شاء الله..