أعجوبة وادي القنافذ…قصة قصيرة بقلم ربيع دهام

خائفاً ومرتبكاً، جثا على ركبتيه. أسند يده على خزّان المرحاض، ثم دنا برأسه حتى صار على تخوم الكرسي، وراح يراقب الشيء المريب الذي خرج للتو من أمعائه.
هو ليس ببراز. عاين القطعة العضوية. تفرّسها.
نُسج عظمية، غضاريف، وتجويف ينقسم إلى ممرّين بواسطة الوتيرة.
دنا أكثر حتى صارت جمجمته داخل الكرسي.
نظرة أخرى في الشيء أصابت جسده بالقشعريرة. يا إلهي. إنّه أنف!
بسرعةٍ، وضع يديه على منخره. لم يكن موجوداً.
استقام، دلف نحو المرآة وحدّق. عاد إلى الجورة مرتعشاً.
استلّ الأنفّ من الماء، جفّفه، ولمّا حاول إعادته إلى وجهه، صُعِق.
لم يكن الأنف أنفه!
أطلق صرخةً مدويّة، طوّح بالأنف بعيداً، ثم خرج فارّاً من الحمّام.
“من أتى بالأنف الآخر إلى الجورة؟ بل كيف وصل إلى أمعائه؟ وأنف من يكون؟”.
راح يبحث عن الجوّال الهاجع في جيبه، وبعد بضعة دقائق من الشَغَر بَغَر، والشَذَر مَذَر، فطنَ.
سحب الجوّال، بحث عن رقم عمّه الطبيب، ونقر.

ألو، قال الصوت النسائي.

تعالي يا أختي. ابنتك تنوح وتنتحب.

ما بها؟

خرجتْ من الحمّام كالمجنونة.

ماذا حصل؟

لن تصدّقي لو قلتُ.

أخفتِني يا أختي. ما بها ابنتي؟

أحسّتْ بألم في أمعائها.

….

ثم دخلت إلى الحمّام لتتبرّز

وفي جورة المرحاض وجدتْ…

ماذا وجدتْ؟!

وجدت أنفاً.

أنف؟! أسقط أنف ابنتي؟!

نعم.

ضعي الأنف في قطعة قماش عجّلي، وهلّموا إلى أقرب مستشفى!

فعلتُ ذلك ولكن…

لكن ماذا؟!

لم يكن الأنف أنفها!

يا إلهي! أين أنفها إذن؟، صرخت الأم، وراحت تجري دون أن تدرك وجهتها.
فتحتْ باب الشقّة وأسرعت نحو شقّة جارتها. طرقتْ البابَ.

ما بك يا فؤاد؟، صاح المدير، كيف تدخل إلى المكتب هكذا؟

آسف للإزعاج أستاذ، لكن عبير تصرخ كالمجنونة لوحدها في التواليت.

عبير؟ ابنتي؟ حبيبتي؟

لا، ليست عبير ابنتك، بل عبير الموظّفة.

ما بها الضرّابة؟

لا أعرف. لكننا سمعناها تقول: “أنف…أنف”. ماذا نفعل؟

عجِّل، قُل لها أن توقف صراخها الآن وإلا..

حاضر، وخرج الموظّف من المكتبة، وبعد دقيقة عاد.

عبير!

ما بها عبير؟

تتعاطى العقاقير

هذا اتّهام خطير.

ليس أخطر مما تقوله

أنا؟

لا. عبير.

ماذا تقول عبير

تقول أنّها أضاعت أنفها.

أضاعت ماذا؟!

أنفها

عبير؟

نعم عبير.

بالتأكيد تتعاطى العقاقير!

هذا ما قلته لك

غريب!، يقول المدير.

بالضبط. حديثها عن اختفاء أنفها غريب.

أنا لا أتكّلم عن أنفها هي!

عن ماذا تتكلّم إذن؟

عن أنفك أنت!

أنفي أنا؟ ما به؟

اختفى! …
وبأسرع من طرفة عين، استعار الموظّف محرّك بورش، وراح يجري إلى المرحاض
حيث المرآة.
استغلّ المدير غياب الموظّف المزعج، فسحب الجريدة المحشورة بين مؤخرته والمقعد الذي يجلس عليه.
سقط شيءٌ على الأرض وراح يتدحرج.
تعقّبه بناظريه، وما إن توقّف الشيء حتى تسنّى لأذنيه سماع صرخته: “أنف! أنف!”.
طرح الجريدة أرضاً وأخذ يركض نحو مرآة المرحاض.
” أعجوبة وادي القنافذ”، قال مانشيت الجريدة العريض.
“أنوف ناس في مؤخّرات ناس”، وضّح السطر الأوّل من المقال.
دفع المختار الجريدة بعيداً عن ناظريه، واستدار نحو رئيس البلديّة الذي كان يغطي بيديه عينيه.
“أيريدوننا أن نصدّق خزعبلات كهذه؟!”، قال له.
ومن بين أصابعه، استرق رئيس البلدية نظرةَ إلى وجه المختار، ثم، وبسبّابته المرتجفة،
أشار نحو الكرسي الذي يجلس عليها المختار.
ولمّا نظر المختار إلى الأسفل، صدمه ما رأى.

أهذا أنفي؟!، صرخ بوجه رئيس البلديّة.
تفحّص رئيس البلدّية الأنف جيّداً.

بل هذا أنفي، أجابه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى